متى تنفصل اسكتلندا عن بريطانيا؟ - محمد السماك - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 6:35 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

متى تنفصل اسكتلندا عن بريطانيا؟

نشر فى : الأحد 19 فبراير 2012 - 9:05 ص | آخر تحديث : الأحد 19 فبراير 2012 - 9:05 ص

هل انتهى شهر العسل الذى استمر ثلاثين عاما بين لندن وجلاسكو؟

 

هل تنفصل اسكتلندا عن المملكة المتحدة؟

 

يبدو أن صياغة السؤال على هذا الشكل لم تعد صحيحة. الصياغة الصحيحة هى متى يتم الانفصال؟

 

اقترحت لندن موعدا قريبا للاستفتاء الشعبى فى اسكتلندا حول تقرير مصير استمرار أو فك الارتباط بانجلترا. أما جلاسكو المصرة على الاستفتاء والمتمسكة به فتفضّل تأخير موعد الاستفتاء حتى خريف عام 2014. ذلك انه فى هذا التاريخ تحل الذكرى السبعمائة لمعركة «بانوك بيرن» والتى تشكل أحد أهم رموز الانتصار الاسكتلندى على انجلترا. ويعتقد اليكس سالموندز رئيس الحزب الوطنى الاسكتلندى الذى يطالب بالانفصال والذى يترأس الحكومة المحلية فى اسكتلندا ان الاحتفال بالذكرى واجراء الاستفتاء فى وقت واحد سوف يكون فى مصلحة الاستفتاء، لأنه يشكل قوة دفع وطنية تعزز الحركة الانفصالية.

 

وإذا حدث ذلك، والدراسات الاحصائية تؤكد ان أكثر من 40 بالمائة من الاسكتلنديين يؤيدون الانفصال، فإن إسكتلندا سوف تعود دولة مستقلة للمرة الأولى منذ القرن الثامن عشر. فى ذلك الوقت وقّعت لندن وجلاسكو على ما يعرف «وثيقة الاتحاد» وهى الوثيقة التى جعلت من انجلترا واسكتلندا بريطانيا العظمى. وقد انضمت إلى هذا الاتحاد فيما بعد كل من ويلز وأيرلندا الشمالية.

 

من هنا التساؤل: إذا حدث الانفصال الاسكتلندى هل يستمر الاتحاد مع ويلز وايرلندا؟ علما بأن فى ايرلندا حركة انفصال كاثوليكية قوية اعتمدت العنف تطالب بالانضمام الى ايرلندا الجنوبية، فيما يطالب الإنجيليون الإيرلنديون بالوحدة مع إنجلترا.

 

لا شك فى أن هناك خلفية تاريخية للصراع وللوحدة بين اسكتلندا وانجلترا. الا ان العامل القوى المعاصر الذى أعاد هذا الصراع الى واجهة العلاقات بينهما، هو الثروة الكبيرة من النفط والغاز التى اكتشفت فى بحر الشمال تجاه الشواطئ الشرقية لاسكتلندا. وإذا انفردت جلاسكو بعائدات هذه الثروة الضخمة فإنها قد تصبح مثل النرويج من دول أوروبا الغنية.

 

يضاف إلى ذلك تقدمها فى مجالات الصناعة والعلوم. وتجدر الإشارة هنا الى ان أول تجربة ناجحة لاستيلاد كائن حى (خروف) من خلايا حيوانية جرت فى اسكتلندا.

 

وتتمتع اسكتلندا الآن بالسيادة فى ادارة شئونها المتعلقة بالصحة والتعليم والقضاء. كما ان مجلسها النيابى المنتخب محليا يمارس حق تشريع تعديلات على قوانين الدخل التى تصدر عن مجلس العموم فى لندن.

 

●●●

 

أما الحكومة البريطانية فإنها تمارس السيادة المطلقة على جميع الشئون الأخرى المتعلقة بالسياسة الخارجية والدفاع وكذلك باستثمار الطاقة. وهنا بيت القصيد !!.

 

وتلقى تطلعات اسكتلندا الانفصالية معارضة شديدة من حزبى المحافظين والليبراليين اللذين يحكمان بريطانيا اليوم. ويؤيدهما فى ذلك حزب العمال المعارض. وقد توافقت الأحزاب الثلاثة على القيام بحملات منفردة ومشتركة ضد الانفصال. ذلك ان الانفصال الاسكتلندى سوف يكون عاملا مشجعا لإعادة تفجير الاضطرابات فى شمال أيرلندا، وسوف يعزز المطالب الانفصالية للكاثوليك هناك. كما ان هذا الانفصال سيشكل إغراء لمقاطعة ويلز للانفصال ايضا، مما يجعل بريطانيا العظمى تعود إلى مجرد إنجلترا.

 

ومن المرجح ألا تقف الأمور عند هذا الحد، اذ ان هناك العديد من الحركات الانفصالية الناشطة على المسارح السياسية فى مختلف الدول الأوروبية. من المسارح الساخنة بلجيكا وإيطاليا، ومن المسارح الباردة فرنسا وإسبانيا. ولا يبدو ان الاتحاد الأوروبى استطاع ان يقضى على الطموحات القومية داخل الدول الأعضاء. من هنا فإن توجه اسكتلندا نحو الانفصال لا يلقى تعاطفا أوروبيا، خاصة انه يأتى بعد أكثر من 300 عام من تجربة اتحادية مع انجلترا لا يمكن الا ان توصف بأنها كانت تجربة ناجحة.

 

ولكن النجاح السياسى والاقتصادى يقف عند عتبة المشاعر القومية. وهى مشاعر عميقة ومتجذرة فى الشخصية الاسكتلندية كما فى شخصية كل قوم آخرين. وللعالم الشهير فرويد نظرية عما يسميه «نرجسية الاختلاف». وتقول نظريته «انه مهما كانت الاختلافات محدودة وقليلة، فإننا نجعل منها اساسا فى شخصيتنا الفردية أو الاجتماعية».

 

لقد مرت كندا فى تجربة مماثلة عندما طالبت مقاطعة كويبك بالانفصال. فالمقاطعة تتمسك بثقافتها وبلغتها الفرنسية. كما تفتخر بتاريخها المعادى للإنكلوفونية سياسيا واجتماعيا. وجرت عدة استفتاءات شعبية فى المقاطعة بناء لإلحاح أحزابها المحلية. الا ان النتائج لم تتجاوز ابدا الخمسين بالمائة. بل كانت دائما دون ذلك. وفيما يستمر شهر العسل فى كندا، يضطرب شهر العسل فى بريطانيا. حيث لا يبدو أن ثمة مهربا من مواجهة الحقيقة: انفصال أو استمرار.

 

ولتجنب الوقوع فى الأسوأ، اقترحت لندن أن يدور الاستفتاء فى اسكتلندا حول خيارين فقط، إما الاستقلال، أو استمرار الوضع الحالى على ما هو عليه (أى شبه استقلال ادارى وصحى وتربوى وقضائى) وترفض لندن طرح الخيار الثالث فى الاستفتاء، وهو أن تمنح اسكتلندا السيادة على جميع القضايا باستثناء الدفاع والخارجية. غير أن رئيس الحكومة الاسكتلندية ــ رئيس الحزب الوطنى سالمونس يشدد على أن الاستفتاء يجب أن ينص على الانفصال التام والدائم عن إنجلترا.

 

●●●

 

والسؤال الآن: من يملك الصلاحية الدستورية للدعوة إلى إجراء الاستفتاء، وتاليا لتحديد الموضوع الذى يجرى الاستفتاء حوله؟.. حكومة لندن، أو حكومة جلاسكو؟

 

يبدو أنه بموجب وثيقة الاتحاد، فإن الصلاحية هى من حق الحكومة البريطانية، إلا أن لهذه الحكومة حقا دستوريا تستطيع بموجبه أن تفوّض الحكومة الاسكتلندية بإجراء الاستفتاء. وبانتظار الاتفاق على حل هذه العقدة الدستورية الشكلية، لم يعد السؤال كيف وهل تنفصل اسكتلندا عن بريطانيا. ولكن السؤال هو ماذا بعد الانفصال؟.

محمد السماك كاتب وصحفي لبناني
التعليقات