أخرج العبقرى عاطف الطيب فيلما لرائعة أستاذنا الأديب نجيب محفوظ أواسط ثمانينيات القرن الماضى بعنوان «الحب فوق هضبة الهرم» كتب له السيناريو والحوار مصطفى محرم، وقام ببطولته الفنان أحمد زكى ــ رحمه الله ومن توفوا من فريق العمل، ناقش الفيلم قضية «السكن» التى تعرض لها أديبنا بشكل درامى غير أنه انتقى فى قصته هضبة الهرم لتكن ملاذا بعيدا غير ذى زرع أو سكن لبطلى الفيلم ولم يكن مدركا لموقع هضبة الهرم الحالية المكتظة بالسكان والأحداث الطافية على سطح الأخبار، لم يعد الحب فوق هضبة الهرم حلا لمشكلة السكن من زاوية واحدة أثارها الفيلم، بل كان السكن فوق هضبة الهرم للكثيرين حلا لمشكلة السكن بعد أن اكتظت مناطق الهرم وفيصل وما حولها بالسكان، فخرج إلى هضبة الأهرام من حلم بسكنى منطقة حديثة راقية هادئة مخططة بجوها العليل وموقعها الفريد الذى يرى أهرامات الجيزة العريقة ويرتبط بطريقى الفيوم والواحات المؤدى لمدينة السادس من أكتوبر والطريق الدائرى.
على مساحة لا تقل عن 1400 فدان خصصت لإنشاء مجمع سكنى لصالح الجمعية التعاونية لبناء المساكن وتعمير صحراء الأهرام، قسمت المساحة إلى أكثر من خمسة آلاف قطعة أرض لبناء عمارات كل منها يضم فى المتوسط 18 وحدة سكنية وبإجمالى لا يقل عن مائة ألف وحدة سكنية يقطن بها عند إتمامها فى المتوسط نصف مليون نسمة، وقد زاد التجاوز فى البناء من عدد الوحدات السكنية بنسبة لا تقل عن عشرين بالمائة، بما يعنى أن تلك المنطقة السكنية سيقطنها ما لا يقل عن 600 ألف نسمة، وأن التقديرات تشير إلى أن حجم سكانها حاليا بما فيها من تجاوزات بناء لا يقل عن 400 ألف نسمة علما بأن نسبة من قطع أراضيها لم يبنَ بعد، فمن يدير الشئون العمرانية لهذا العدد من المواطنين؟
***
إن العديد من المدن الجديدة يبلغ عدد السكان المستهدف لها نصف مليون نسمة، تقوم الهيئة العامة للتخطيط العمرانى بالإشراف على تخطيطها وتقوم الدولة بإمدادها بالطرق والمرافق والبنى التحتية والخدمات، وتوظف لها جهازا إداريا يشرف على شئونها، به إدارات وأقسام منها الهندسى والإدارى والخدمى وغيرها، وتتبع فى إدارتها هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، فإذا علمت أن الهيئة العامة للتخطيط العمرانى وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وأيضا هيئة تعاونيات الإسكان تتبع جميعها وزارة الإسكان، لابد أن يبدر سؤال عن مسئولية الوزارة نحو المواطن قبل التيه فى أنظمة الإدارة بين ما هو حكومى وما هو تعاونى، فالمواطن الذى توجه لامتلاك شقة سكنية فى تعاونية تحت إشراف التعاونيات التى تتبع وزارة الإسكان هو ذاته المواطن الذى توجه لامتلاك شقة سكنية فى إحدى المدن الجديدة، فكيف تنظم لنفس حجم السكان فى المدينة الجديدة كل هذا العناء من تخطيط ولا تقيّد ضوابط لنفس هذا الحجم من السكان الذى بلغته إحدى تعاونيات الإسكان وانفرط عقدها الإدارى من القائمين عليها؟
ربما تمتلك شركة ولكنك حتما إن لم تكن متخصصا فى إدارة ذلك النوع من الشركات ستأتى بمدير يدير لك شركتك بشكل مهنى وحرفى متخصص، ربما لديك عمارة سكنية أنت رئيس اتحاد شاغليها وربما شركة عقارية تدير مجمعا سكنيا «كمباوند»، ولكن عند حجم معين من أعداد السكان لابد من تطبيق مبدأ فصل الإدارة عن الملكية، قد يؤسس الملاك أعضاء الجمعية التعاونية مجلس أمناء ويشكل جهازا من المختصين ليديروا ذلك التجمع العمرانى لا سيما إن تجاوز حجمه ووصل لحجم مدينة جديدة وتعدى فى تقديراته النصف مليون نسمة. كل ما هو مطلوب تقسيم أحجام تلك التعاونيات إلى فئات حجمية توضع لها ضوابط تتناسب وحجم سكان المجمع السكنى للجمعية التعاونية للإسكان، قد تكون للفئة الحجمية التى تقل عن خمسين ألف نسمة، ثم فئة حتى ربع مليون نسمة، ثم فئة حتى نصف مليون نسمة ولا يسمح لها بأكثر من ذلك وإلا دخلت فى نطاق عمرانى إقليمى يخرج عن النطاق المستهدف من نشاطات تعاونيات الإسكان.
أليست الإدارة العمرانية علما مركبا بين التخصص العمرانى والإدارى، ويوظف لها من الكفاءات فى المدن الجديدة من هو قادر على إدارة جهاز عمرانى، فكيف يترك مجتمع عمرانى يتألف من مئات الآلاف من المواطنين فى يد مجموعة من ملاك الأراضى تسيّر أمور هذا المجتمع العمرانى فى حدود قدراتها الشخصية على اختلاف خبراتهم المهنية، هذه المجموعة هى مجلس إدارة منتخب من أعضاء الجمعية العمومية للجمعية التعاونية للإسكان وهى تشكل مجموع أعضاء الجمعية الذين اشتروا قطع الأراضى المخصصة لها، فما بالك لو علمت أن معظمهم بنى قطعة أرضه وقام بتمليكها لمشترى الشقق بحصة من الأرض ومن ثم سقط عنهم ركن العضوية إلا إذا اشترى قطعة أخرى سواء فى نفس التعاونية أو فى موقع آخر يتبع نفس الجمعية، ومن ثم قد يكون عدد قطع الأراضى 5000 والأعضاء عشرات الآلاف ومعظمهم لا يملك قطعة أرض فى ذات التعاونية التى صار سكانها مئات الآلاف هم فى الواقع ليسوا أعضاءً فى الجمعية وليس لهم أصوات يشاركون بها فى قرارات الجمعية العمومية، وليس أمامهم حل سوى أن كل عمارة تشكل اتحادا للشاغلين طبقا للقانون ويتقدم مأمور الاتحاد بصفته لعضوية الجمعية عن قطعة الأرض التى اشتراها مجموع سكان العقار وتسقط عضوية المالك الأصلى عن تلك القطعة وبذلك يمثل ملاك العمارات فى الجمعية العمومية باتحادات شاغليها.
***
إن تعاونية صحراء الأهرام ومثيلاتها تحتاج إلى قرارات وزارية بتعديل لائحة التعاونيات وقد يرقى الأمر لتعديلات فى قانون البناء الموحد يخص الإلزام باتحادات الشاغلين من جهة، وتنظيم أعمال تعاونيات البناء والإسكان من جهة أخرى، وإن كانت تلك التعاونيات قد تضخمت أو صرح لها بهذه الأحجام السكنية، فإن هذا دلالة على قدرة ذلك القطاع على مشاركة مجتمعية تعاونية بناءة لا تسهم فقط فى إيجاد فرص إسكانية قد تمهد لحلول تسهم فى حل مشكلة العلاقة بين المالك والمستأجر، بل تسهم فى إنشاء مدن جديدة تحتاج فقط لتحفيز الدولة وتنظيمها لهذا القطاع وتطويره بشكل يستطيع به القيام بتلك الرؤية الوطنية.
استشارى ومحاضر التنمية والتخطيط العمرانى