إقامة علاقات صحية للغرب مع الديمقراطيات الفتية - إيهاب وهبة - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 6:07 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إقامة علاقات صحية للغرب مع الديمقراطيات الفتية

نشر فى : السبت 19 مارس 2011 - 9:36 ص | آخر تحديث : السبت 19 مارس 2011 - 9:36 ص

 لا يشكل وقوع اضطرابات فى دول عربية، من وقت لآخر، مفاجأة كبيرة للولايات المتحدة أو للغرب عموما. إلا أن حجم وأبعاد الأحداث وبخاصة الثورة فى مصر، التى وصفها البعض فى أمريكا بأنها كانت بمثابة زلزال، قد مثَّل المفاجأة الحقيقية للغرب، وقلب حساباته وتوقعاته رأسا على عقب.

من المؤكد أن الغرب كان على بينة تامة بمواقف الشعوب العربية من حكامها الذين أخفقوا فى حل العديد من المشكلات التى عانت منها، كما كان على اطلاع كامل على حجم الفساد الذى استشرى فى مختلف القطاعات، وفوق هذا أساليب القهر والتنكيل التى مورست ضد الشعوب لعقود طويلة من الزمن. ومع كل ذلك لم تتصور هذه الدول أن تتحول الاحتجاجات إلى ثورات تعصف بالأنظمة وتقتلعها من جذورها.

يكفى أن نطّلع على البرقيات التى كانت تبعث بها السفارات الأمريكية فى العواصم العربية إلى وزارة خارجيتها، كى تتأكد أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة كانت على علم تام بحقائق المواقف فى الدول العربية. ففى إحدى برقيات السفارة الأمريكية فى تونس التى سربتها ويكيليكس، وصفت السفارة حكم زين العابدين بن على بأنه أقرب لتنظيم المافيا!.

أما السفارة الأمريكية بالقاهرة فتحدثت دون مواربة عن أساليب التعذيب الوحشية للمجرمين العاديين والمعتقلين السياسيين سواء بسواء، وبينت مدى الحساسية المفرطة للقيادة السياسية وقتها تجاه أية دعوات للإصلاح، أو إفساح المجال أمام المنافسة السياسية، أو تخفيف القبضة الحديدية لأجهزة الأمن!.

فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا حرصت الولايات المتحدة على مساندة هذه الأنظمة ودعمها، وتجاهلت رأى شعوبها فيها، ولماذا تقاعست الإدارات الأمريكية عن حمل هذه الأنظمة على انتهاج طريق الديمقراطية، واحترام حقوق شعوبها، مادامت ترصد كل هذه الانتهاكات؟. وكيف سمح الغرب لنفسه أن يتبنى أنظمة ديكتاتورية وفاسدة طوال ذلك الوقت؟
لن تجد أية صعوبة فى التوصل إلى إجابات حول مختلف هذه التساؤلات. الإجابات كلها تكمن فى كلمة واحدة وهى «المصلحة». مصالح أمريكا والغرب فى منطقتنا لا تُعد ولا تُحصى، من ضمان تدفق البترول والغاز (تنتج دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 36% من الإنتاج العالمى للبترول)، إلى تدفق رءوس الأموال لتحويل صفقات السلاح أو شراء الأسهم والسندات، وبالتالى دعم اقتصادات الغرب، إلى القواعد العسكرية المنتشرة على امتداد شبه الجزيرة العربية (قيادة الأسطول الأمريكى الخامس فى البحرين، وحدات القوات الجوية فى سلطنة عمان، القاعدة الجوية بالإمارات، قاعدة جابر آل سالم بالكويت، ومقر القيادة الأمريكية الوسطى بقطر).

خدم العديد من هذه القواعد والتسهيلات العمليات العسكرية الأمريكية فى العراق، وتخدم حاليا العمليات الحالية فى أفغانستان وغيرها. وتحت راية مكافحة الإرهاب تبارت الدول على تأسيس ما يطلق عليه بالتعاون الإستراتيجى مع الغرب. لم تكن الولايات المتحدة هى المستفيد الأوحد من هذه العلاقات، بل شعرت هذه الدول فى المقابل أن تلك العلاقات إنما توفر لها مظلة حماية أمريكية ضد أخطار بعضها حقيقى، إنما أغلبها متوهم، أو على الأقل مبالغ فيه.

أنظر كيف تنافست الدول الغربية على إرضاء ليبيا، وتجاهلت صفحة سوابقها، وذلك فى سبل ضمان تدفق البترول والغاز والمال. أنظر أيضا كيف سمحت بعض الدول للأجهزة الأمنية الأمريكية بممارسة أعمال التعذيب على أراضيها عندما كان يصعب على هذه الدول «الديمقراطية» ممارسة هذه الأعمال المحرمة قانونا فى سجونها المحلية. هل يمكن لأحد أن يتساءل بعد كل هذا عن أسباب اندلاع الثورات فى البلدان العربية؟

ناورت الولايات المتحدة وتأرجحت فى تعاملها مع هذه الثورات والانتفاضات، غير أنها فى الوقت الذى شعرت فيه أنه لا عاصم لهذه الأنظمة من طوفان التغيير، تركت هذه الأنظمة لتتلقى قدرها المحتوم على يد شعوبها. تبين للولايات المتحدة، فى وقت متأخر للغاية، مدى هشاشة هذه الأنظمة بدليل ذلك السقوط السريع المدوى الذى واجهته. حتى صيحات الترويع التى نسمعها الآن عن وجود تنظيم القاعدة، والتباكى على أمن المنطقة، والتهديد بتصدير جحافل المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، كما يصدر الآن عن طرابلس، لم تعد تنطلى على أحد، وأجمعت الدول على توقيع عقوبات رادعة فى حق هذا النظام الذى استباح إراقة دم الشعب فى سبيل احتفاظ الحاكم بكرسيه. بل وانضمت دول عربية مثل دول مجلس التعاون الخليجى، إلى طلب فرض منطقة حظر للطيران فوق أجواء هذه الدولة من أجل حماية شعبها.

لاشك أن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة قد أيقنت الآن أن مثل هذه الأنظمة البائدة لم تحقق الاستقرار الذى كانت تتوهمه. بل أثبتت الأيام أن وجود هذه الأنظمة بالذات كان السبب المباشر لتفجر الثورات وانعدام الاستقرار وتهديد المصالح (حُرم الغرب من 1.7 مليون برميل من البترول الليبى يوميا بعد اندلاع الانتفاضات فى ليبيا، وهو بترول من النوع الخفيف الذى يصعب تعويضه من مصادر أخرى).

أعجبنى قول كينيث بولاك مدير مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط بمؤسسة بروكينجر الأمريكية، أن الثورة المصرية تعطى الولايات المتحدة الفرصة للتكفير عن أخطائها، والاعتراف بالمعاناة الحقيقية لشعوب المنطقة، وإعادة النظر فى مواقفها من النزاعات القائمة فى المنطقة، ودور الولايات المتحدة فى التعامل معها. ثم يطالب الباحث الولايات المتحدة بأن تتزعم الجهود الرامية لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الضرورية فى هذه الدول، وتقديم مساعدات اقتصادية بعيدة المدى، تماما كما فعلت الولايات المتحدة مع أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية (مشروع مارشال)، ومساعداتها فى تطور عدد من الدول الآسيوية، ثم التخلص من سياساتها السابقة تجاه دول أمريكا اللاتينية، والبدء فى معاونتها على التغلب على مشكلاتها المزمنة المتمثلة فى الديكتاتورية والفقر والفساد.

إذن سيكون على الدول الغربية أن تتعاون مع الديمقراطيات الوليدة من أجل تحقيق التنمية الضرورية، وتنمية لا يحجبها الفساد عن الوصول لأهدافها. عندئذ ستبطل حجة هؤلاء وتهديداتهم عن تصدير الهجرة غير الشرعية للشواطئ الأوروبية أو تهديد أمنها.

ليس صحيحا أن النظم الإصلاحية الجديدة يمكن أن تناصب الغرب العداء، فالعكس هو الصحيح، ويكفى أن نشير هنا إلى انضمام دول أوروبا الشرقية إلى الاتحاد الأوروبى بعد سقوط الأنظمة الشمولية فيها. وها هى تلك الدول تدخل فى علاقات تستهدف المصالح المشتركة مع دول كانت تقع ضمن المعسكر المعادى فى السابق.

وأرجوا أن يسمح لى القارئ الكريم بأن أنتهى مما سبق إلى عدد من المبادئ التى من المأمول أن تتمسك الدول الغربية بها فى تعاملها مع الشرق الأوسط الجديد:

الاعتراف بحقوق الشعوب العربية فى حياة أفضل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

وعلى هذا أهمية تقديم كل دعم ممكن لهذه الشعوب من أجل تمكينها من السير على الطريق الذى يحقق تطلعاتها. (هناك أصوات تنادى بالفعل فى الغرب بإسقاط الديون عن كاهل مصر، وفتح ملف إقامة منطقة حرة مع الولايات المتحدة من جديد، وغير ذلك من الإجراءات).

معالجة مشكلات المنطقة من منطلق مختلف بإنهاء احتكار إسرائيل للقرار الأمريكى وتوظيفه لمصلحتها، واعتبار أن تحقيق السلام العادل والدائم، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى، وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته، إنما يشكل الضمان الحقيقى لتحقيق الاستقرار والأمن فى هذه المنطقة الحيوية.

إيهاب وهبة مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية
التعليقات