نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى... نعرض منه ما يلى:
لاشك أن علاقتنا بأجسادنا وبالناس والأشياء والطبيعة... قد تغيرت فى هذا السياق الذى هيمنت فيه الإحصائيات الخاصة بوباء الكورونا، وفُرضت فيه إجراءات ملازمة البيوت على الجميع. ولاشك أن وعينا بالزمن والمكان قد تغير ولكن فى أى اتجاه؟
توجد فئة من النساء اللواتى تحول البيت فى نظرهن، إلى معتقل تقام فيه المحاكمات، وإلى سجن تنظم فيه حفلات التعذيب، ويتفنن فيه البعل/ السجان فى ابتكار أشكال جديدة من التأديب لاسيما أن القوم فى غفلة من أمرهم. ففى زمن الكورونا لا يتدخل الأهل ولا الجيران حفظا للتراتيب الصحية واحتراما للأوامر، فكيف يمكن تخليص المرأة من قبضة الوحش الذى يفتك بها؟ وفى سياق «خليك بالبيت» تقيد حركة الناشطات النسويات اللواتى كن يبادرن بمتابعة ملف المعنفات، وفى زمن ترتيب الأولويات لم يعد أعوان الأمن منشغلين ببلاغات النسوان فثمة مشاكل المهربين، والمحتكرين، والإرهابيين...
ومادمنا قد تحولنا إلى كائنات تلازم الهواتف الجوالة أكثر من تفاعلها المباشر مع الأشخاص فلا بأس أن نتابع التعليقات الفايسبوكية بعد كل حادث اغتصاب فى الفضاء العام على الفتيات والنساء أو بعد الاعتداء على هؤلاء فى الفضاء المنزلى. إن صنف التعليقات المبررة للعنف والمتشفية من النساء «المنفلتات» تعبر عن تغلغل «كره النساء» والتعصب ضدهن وتشييئهن فى البنى الذهنية. وتضاف إلى هذه العوامل المعلومة عناصر جديدة منها: أولا طريقة تقبل الأمر بملازمة البيت. فمن الرجال من يتمثل البيت على أساس أنه «فضاء النسوان» اللواتى أمرن بالبيتوتة «وقرن فى بيوتكن». أما حضوره فى البيت فإنه لا يتجاوز عددا من الساعات التى يتلقى فيها الرعاية والخدمات وتلبى فيها رغباته. ولذا فمن حقه أن يضرب زوجته أو ابنته تعبيرا عن حنقه وغضبه حين يشعر بأنه صار كالنسوان مقيد الحركة، وهو الذى نشأ على قيم تنمى لديه روح المغامرة والانطلاق فى الفضاء العام بكل حرية. أما العامل الثانى فيتمثل فى دخلنة مفهوم الخطيئة وتأثيم المرأة وشيطنتها. فما وصلنا إليه هو بسبب «خروج زريعة إبليس فى الجنائز» والانحراف الأخلاقى، ولذا من حق القوام أن يضبط النساء ويؤدبهن «كما قال الله» وردد الإمام الخطيب، وفرصة الحجر الصحى ملائمة لتعزيز سلطة «الرجلة» إذ لا رقيب.
يجرد زمن الكورونا فئة من الرجال من امتيازاتهم ‹الطبيعية› فلا خروج ولا عمل ولا ترفيه ولا صحبة مع الخلان... وتبعا لذلك تهمش بعض الأدوار التى تشعرهم بقيمتهم فى الحياة وتمنحهم الإحساس بأنهم فاعلون ومنفقون وأصحاب قرار. فيكون رد الفعل على مصادرة حريتهم وحركتهم وإرباك تصورهم لذواتهم: ممارسة العنف على من يعتبرن ضعيفات «بالفطرة». وليس العنف فى مثل هذه الحالة، إلا تذكير «لربات الخدور» بأن الرجل وإن لازم البيت مكرها، فإنه قادر على الفعل وفرض سلطته.
قد يرى واضعو السياسات أن العنف الممارس ضد النساء هو «خصوصية نسائية» من «مشمولات» وزارة المرأة، وبعض مكونات المجتمع المدنى ويتغافلون عن صلة هذا الموضوع بقضايا الأمن والتنمية وغيرها. فالعنف الممارس اليوم، ذو صلة بالحق فى الصحة والأمن الصحى ومن ثمة يكون من بين خطط وزارة الصحة اتخاذ تدابير وقاية وعناية نفسية تشمل الفئة الهشة من النساء، ويكون من واجب وسائل الإعلام التعاطى مع هذا الموضوع من زاوية تتجاوز الإخبار عن الأرقام والأحداث والضحايا. فالنساء المعنفات لسن مجرد أرقام أو خبرا للبوز، والناجيات لا يطلبن سرديات التعاطف والشفقة. إنهن يطالبن بتفعيل القانون والتعامل بجدية مع التبليغ عن الاعتداءات.
فما جدوى سن التشريعات والتغاضى عن تطبيقها؟ ولم صار التأقلم مع العنف عادة متفشية؟ من هنا تبدأ محاسبة الدولة والحكومات وكل الجهات المسئولة عن تفشى العنف...