نبوية وملك - أحمد مجاهد - بوابة الشروق
الإثنين 6 يناير 2025 11:04 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نبوية وملك

نشر فى : الإثنين 19 يوليه 2010 - 10:01 ص | آخر تحديث : الإثنين 19 يوليه 2010 - 10:01 ص

 ولدت نبوية موسى وملك حفنى ناصف فى عام واحد هو عام1886، وإن كانت نبوية قد ولدت فى شهر ديسمبر بينما ولدت ملك فى شهر فبراير،وقد جمعتهما مدرسة السنية التى التحقت بها نبوية فى السنة الثالثة الابتدائية عام1901، بينما كانت ملك فى السنة الثانية من المعلمات العليا أى كان الفرق الدراسى بينهما ثلاث سنوات كاملة.

ولهذا لم يكن غريبا أن تدور المقارنات الأدبية بينهما، فقد كانت ملك مشهورة بجودة الإنشاء وعندما برزت نبوية فى هذا المجال أيضا قرر المدرسون أن يعطى معلم اللغة العربية الموضوع نفسه للطالبتين، وتقول نبوية فى كتابها (تاريخى بقلمى) أنه عند مقارنة الموضوعين» مال أغلبهم إلى تفضيل موضوعى وقالت الأقلية إن الموضوعين متساويان فى الجودة، وأغضب ذلك المرحومة ملك وكانت طيبة القلب وقد نمت بينى وبينها صداقة».

وقد سمحت هذه الصداقة لملك بأن تصرح لنبوية بشعورها بأنها قد ظلمت فى هذه المقارنة، وتطلب منها أن تكتب كل منهما قصيدة فى مدح الخديو على أن يكون الحكم بينهما هو والدها، وقد فعلتا، ثم عادت ملك لتقول لنبوية حسب روايتها «جاءتنى بعد ذلك وعلى وجهها علامة عدم الرضا وقالت لقد انضم والدى إلى رأيهم ويظهر أنك محظوظة،فقلت لها مازحة ولكننى عرضت القصيدتين على أخى ففضل قصيدتك، وبهذا أصبحنا خالصتين واحدة بواحدة».

على أن الفقرة التالية من مذكرات نبوية تروى واقعة مثيرة فى هذه المنافسة الشعرية نوردها على مسئولية الكاتبة حيث تقول: «وفى السنة الرابعة قالت هى قصيدة مدح فى الخديو وقلت أنا أخرى، ولكن لم تعرض قصيدتها علىَّ بل فوجئت بها على صفحات (المؤيد) وأعجبنى بيت فيها أيما إعجاب وكنت خارجية وكانت المرحومة ملك داخلية، فلما رأيتها فى الصباح قرأت لها البيت فقالت لمن هذا؟ قلت عجبا ألا تعرفين؟ قالت لا، قلت إنه من قصيدتك المنشورة اليوم فى المؤيد، قالت لعل والدى وضعه، ومن هنا علمت أن المرحوم حفنى بك ناصف كان يساعدها فيما تكتب أثناء دراستها».

وسواء كانت هذه الواقعة حقيقية أم غير حقيقية فما كان لنبوية أن تنشرها فى مذكراتها بعد سنوات من موت ملك ما لم تكن المنافسة بينهما قد وصلت أحيانا إلى آفاق الغيرة، وقد يلاحظ المتفحص لشعر نبوية الذى كتبته عن ملك بعض آثار هذه الغيرة على الرغم من المكانة المرموقة للرائدتين، فعندما صارت ملك أول فتاة مصرية تحصل على دبلوم المعلمات عام1903كتبت نبوية قصيدة لتهنئتها لم يفتها أن تشير خلالها إلى أن نشأة ملك فى أسرة أدبية مثقفة كانت سببا مباشرا فى وصولها إلى ما هى فيه، حيث قالت:
غـذيت بألبان المعارف طــــفلة واكرم بمن كان العلوم غذاها
تهاونت فى شــأن الحُلِىِّ ترفعا فزان مزاياك العلا وحَلاها

وربما كان هذا الموقف دافعا قويا لتصبح نبوية أيضا أول فتاة مصرية تحصل على البكالوريا عام 1907، على الرغم من موت والدها الضابط بالسودان قبل ولادتها ونشأتها فى أسرة عادية غير مشهورة.

وعند وفاة ملك مبكرا عام 1918، لم يفت نبوية أن تشير فى رثائها إلى أن ملك قد تزوجت وكونت أسرة، بينما ظلت نبوية طوال حياتها التى امتدت حتى عام 1951وحيدة صامدة كالرجال، حيث قالت:
يا خير ربات المنازل فطنة وأعز من يعزى لها الأحكام
قد كنت أولى النابغات بمصرنا وأجل من دانت لها الأقلام
قد كنت قبلك كالرجال وها أنا ثكلى يروعها الأسى فتضام

وقد كتبت نبوية قصيدة أخرى فى ذكرى رحيل ملك، لكنها لم يفتها أيضا أن تذكر خلالها أن ملكا كانت جميلة، وربما كان عدم جمال نبوية أيضا دافعا دفينا من دوافع الغيرة بينهما، حيث قالت:
لهفى على شمس توارت فى الضحى قبل الأوان وضوء فكر قد قُبِرْ
كم جاهدت فى حب مصر فأتعبت مقلا أضر بحسنها طول السهر

وفى واقع الأمر، فقد كانت ملك أفضل من نبوية فى الخطابة والنثر، وكانت نبوية أفضل منها فى الشعر وأقل حظا فى الشهرة والحياة، فملك لم تترك لنا سوى حفنة قصائد قليلة بينما تركت نبوية ديوانا نشرته فى حياتها عام1938، وقد كان شعر ملك فى أغلبه يدور فى فلك النصائح المباشرة للمرأة، حيث تقول مثلا:
أما السفور فحكمه فى الشرع ليس بمعضلِ
ذهب الأئمة فيه بين محرم ومحللِ
ويجوز بالإجماع منهم عند قصد تأهلِ

وهى أبيات خالية تماما من الشعرية، وأشبه ما تكون بألفية ابن مالك فى نظمها للقواعد الشرعية.
وتقول أيضا فى السياق نفسه:
لا خير فى حسن الفتاة وعلمها إن كان فى غير الصلاح رضاؤها
فجمالها وقف عليها إنما للناس منها دينها ووفاؤها

ولا أعرف لملك قصيدة تقترب من ملامح الشعرية سوى قصيدتها الشهيرة التى تؤيد فيها الحجاب، وأفضل ما فيها قولها:
هل تطلبون من الفتاة سفورها حسن ولكن أين بينكم التقى
تخشى الفتاة حبائلا منصوبة غشَّيتموها فى الكلام برونقِ
لا تتقى الفتيات كشف وجوهها لكن فساد الطبع منكم تتقى

وحتى فى إطار هذا السياق المحافظ المؤيد للحجاب، فإننى أفضل فنيا قول نبوية:
فما عاق الحجــال فتاة قوم عن العليا وإن سـدلت حجالا
ولا التأنيث ينقصها إذا ما أبت أخلاقها إلا الكمالا

فإنها على الأقل لم تلق باللوم كله على الرجال. وإذا قرأتَ البيت:ولا التأنيث «يَنْقُصُهَا» فسيكون معناه أن الحجاب لا يتعارض مع أنوثة المرأة، وإذا قرأتَه «يُنْقِصُهَا» فسيكون معناه أن إظهار المرأة لأنوثتها ــ سفورها ــ لا يعيبها إذا كانت أخلاقها كاملة، وكلا المعنيين أفضل من إلقاء اللوم على الآخرين.

التعليقات