إلا هذه المرة - سيد قاسم المصري - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 7:03 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إلا هذه المرة

نشر فى : الجمعة 19 يوليه 2019 - 10:50 م | آخر تحديث : السبت 20 يوليه 2019 - 10:48 ص

أتفق تماما مع ما جاء فى مقال الدكتور سعد الدين إبراهيم بجريدة المصرى اليوم بعنوان «أيها الفلسطينيون خذوا وطالبوا» المنشور يوم السبت 6 يوليو 2019 من أن المراقبين لشئون المنطقة يلومون الفلسطينيين خصوصا والعرب عموما على رفضهم الدائم لكل الحلول الوسط والإصرار على الحلول المثلى، ولكنى أختلف معك فى نصيحتك لهم بأن يقبلوا بصفقة القرن ويستمروا فى طلب المزيد لأنك لا ترى ضررا ولا ضرارا فى قبول السلام مقابل الازدهار.
وأود أن أقول إنه بالنسبة للفرص الضائعة فقد شاهدت الكثير من هذه الفرص وهى تفلت من أيدينا.. فقد شاهدت وزراء الخارجية العرب فى شهر مايو عام 1967، أى فى الشهر السابق على النكسة، وهم يدقون الموائد فى مجلس الأمن رافضين كل مبادرات التهدئة، بما فى ذلك قرار مجلس الأمن الذى كان يطالب الطرفين بالامتناع عن اتخاذ إجراءات تصعيدية لمدة أسبوعين فقط كفترة لالتقاط الأنفاس ولإتاحة الفرصة للأمين العام للأمم المتحدة يوثانت لبذل الجهود لتفادى الصدام..
حتى هذه الفرصة رفضناها وتم استقبال يوثانت فى مطار القاهرة بمظاهرة تهتف بنشيد هنحارب.. هنحارب.. وبعد النكسة ظل العرب يصرخون أيضا ويدقون الموائد فى الأمم المتحدة رافضين كل ما يعرض عليهم ثم يعودون لبيوتهم راضين بما أنجزوه، شاهدتهم وهم يحضون الدول الصديقة على إسقاط مشروع القرار الذى تقدمت به دول أمريكا اللاتينية والذى يقضى بانسحاب إسرائيل من جميع الأراضى المحتلة والعودة إلى خطوط ما قبل 5 يونيو 1967 مقابل إنهاء حالة الحرب.. فقط إنهاء حالة الحرب أى دون اعتراف بإسرائيل ودون تطبيع واستجابت الدول الصديقة وسقط مشروع القرار وصفق العرب كثيرا لهذا «الانتصار».
ثم بعد عدة أشهر قلائل وبالتحديد فى نوفمبر من نفس العام (عام 1967) قبلوا بقرار مجلس الأمن رقم 242 الذى صاغه اللورد كارادون مندوب بريطانيا بطريقة تتيح التأويل بأن إسرائيل غير مطالبة بالانسحاب من كل الأراضى.. بل يكون الانسحاب إلى حدود آمنة ومعترف بها..
كما تضمن القرار ثمنا أكبر من إنهاء حالة الحرب وهو الاعتراف الضمنى بإسرائيل والأهم من ذلك أنه ليس قرارا واجب التنفيذ بل هى مبادىء للتسوية السلمية حتى أن إسرائيل اعتبرته جدول أعمال لمفاوضات السلام.
***
والحقيقة أن العرب هم الملومون أكثر من الفلسطينيين خاصة فى الحقبة بين النكبة والنكسة فلم يكن لدى الفلسطينيين القدرة على اتخاذ القرار المستقل... إلا أنهم اتبعوا نفس النهج عندما امتلكوا القرار وهو النهج الذى يعلى القيم العاطفية ويستجيب لمشاعر الشارع ويحرص على مقاعد الحكم أكثر من المصلحة العامة..
فقد رفض الفلسطينيون الجلوس على مائدة التفاوض فى فندق مينا هاوس عام 1978 التى وضع فيها العلم الفلسطينى لأول مرة على مائدة التفاوض وكانت المفاوضات تدور حول تطبيق اتفاقية كامب دافيد الإطارية فى شقها الخاص بإقامة حكم ذاتى كامل فى الضفة الغربية بأكملها وغزة.
وفى ذلك الوقت لم يكن بالضفة سوى عشرة آلاف مستوطن يقيمون فى بيوت سابقة الإعداد وسهلة التفكيك ( يفوق عدد المستوطنين الآن النصف مليون ويقيمون فى مدن مبنية ويصل بينها شبكة طرق ممنوع على الفلسطينيين استخدامها )..
***
كما رفض الفلسطينيون الاشتراك فى مفاوضات الحكم الذاتى التى أجرتها مصر مع إسرائيل بحضور الولايات المتحدة، وقد كنت عضوا فى الوفد المصرى لهذه المفاوضات، ثم عاد الفلسطينيون بعد خمسة عشر عاما وقبلوا فى اتفاقية أوسلو شروطا أكثر تشددا مما توصلت إليه مصر فى مفاوضاتها مع إسرائيل مثل اضطرارهم لتعديل ميثاق منظمة التحرير وقبولهم للتنازل عن «اليوتوبيا» التى تضمنها الميثاق وهى إقامة «دولة ديمقراطية يتمتع فيها العرب واليهود بحقوق متساوية»..
ثم أتيحت فرصة أخرى عندما أقدم بيل كلينتون الرئيس الأمريكى فى ذلك الوقت على اقتحام المشكلة وتولى التفاوض بشأنها بنفسه وتوصل إلى مشروع رفضه المرحوم ياسر عرفات فى آخر لحظة ويومها قال له كلينتون: لن تجدوه بعد ذلك ولسوف تندمون..
***
المآسى كثيرة وهى تثير الحنق لأن الرفض العربى هو أفضل المواقف التى تتمناها إسرائيل وهى تحصل عليها دون جهد بل يتكفل بها العرب أنفسهم ويتيحون لإسرائيل ــ بمواقفهم السلبية هذه ــ الفرص العظيمة للاستمرار فى ابتلاع الأرض وخلق الحقائق التى تجعل إدارة مثل إدارة ترامب تعلن أن أى تسوية يجب أن تأخذها فى الحسبان.
لقد وصل الأمر أن إسرائيل تتباهى بما أنجزته من طرد وتهجير واستيطان، ولقد سمعت حوارا فى إحدى القنوات يقول فيه معلق إسرائيلى «صفيق» مخاطبا محاورة الفلسطينى «أن الحركة الوطنية الصهيونية أوصلتنا إلى القمر بينما الحركة الوطنية الفلسطينية أوصلتكم إلى الحضيض».
***
أتفق معك فى أن التاريخ المأساوى للقضية الفلسطينية منذ النكبة وحتى اللحظة، بل ومن قبل النكبة ملىء بالفرص الضائعة، ولكنى أختلف معك تماما فى أن ما يعرضه ترامب وصهره كوشنر فيما يسمى صفقة القرن يدخل فى إطار تلك الفرص..
لأنه فى كل الفرص أو العروض السابقة كان هناك شىء يحصل عليه الفلسطينيون وشىء يمكنهم المطالبة به.. فما هو المعروض فى صفقة كوشنر وما هو المتروك للمطالبة به..
قد يقول قائل أن الصفقة لم تعلن بعد ولا أحد يعرف محتواها على وجه الدقة.. وهذا صحيح، فالصفقة لم تعلن ولكنها ــ فى الواقع ــ تم تنفيذها على أرض الواقع .
فقد تم الاعتراف بضم إسرائيل للقدس العربية والاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل، والاعتراف بضم إسرائيل لهضبة الجولان السورية والإعلان عن أهمية بقاء السيطرة الإسرائيلية على المستوطنات لتحقيق الأمن الإسرائيلى، وإزاحة مشكلة اللاجئين من على مائدة التفاوض من خلال حجب التمويل عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) ومحاصرتها والمطالبة بإنهاء وجودها باعتبارها فشلت فى حل المشكلة طوال العقود الماضية وكرست بقاء اللاجئين وازدياد أعدادهم من خلال منح صفة اللاجىء للأجيال التى ولدت فى المهجر..
ولذا فالحل هو توطينهم فى أماكن وجودهم... فماذا بقى للفلسطينيين كى يطالبوا به.. بل ماذا بقى لهم لكى يأخذوه سوى الثمن الذى عُرض فى ورشة المنامة وهو خمسين مليار دولار يدفعها العرب وتوزع مناصفة بين الفلسطينيين والدول المجاورة مقابل التنازل عن القدس وعودة اللاجئين وحل الدولتين ثم الاعتراف بحق إسرائيل فى الاستيطان فى الضفة الغربية.
***
لا يا دكتور سعد الدين.. هذه المرة ليست فرصة ضائعة بل «فرصة» ليتها تضيع.

سيد قاسم المصري مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات