خطاب الحركات الإسلامية بين الدين والسياسة والآداب السلطانية - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 9:51 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خطاب الحركات الإسلامية بين الدين والسياسة والآداب السلطانية

نشر فى : السبت 19 أغسطس 2017 - 9:10 م | آخر تحديث : السبت 19 أغسطس 2017 - 9:10 م
نشرت مبادرة الإصلاح العربي ورقة بحثية للكاتب والباحث السوري "طارق عزيزة" يتناول فيه ظاهرة الإسلام السياسي في العالم العربي وما افضت إليه من إفساد للسياسة وتحويل مسار الثورات العربية الأخيرة وعرقلة التحول الديموقراطي، والانتهاء بالسلطوية أو الحروب والنزاعات.
استهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى الأثر السلبي الذي خلفته حركات الإسلام السياسي على مسار الثورات في الربيع العربي، وذلك بسبب استيلاء تلك الحركات على الثورات الشعبية وركوبها موجة الثورة ونسبتها غلى نفسها، واصباغها طابع اسلامي مختلط بالطابع العسكري، وتحولت تلك الحركات إلى ميلشيا اسلامية مسلحة تهدد أمن واستقرار دول الربيع العربي.
وبرهن الكاتب على تلك الفكرة من خلال تناول الحالة السورية حينما تحولت من ثورة إلى حرب أهلية دمرت البلاد بأكملها بدلا من الدفع نحو التغيير والتحول الديموقراطي، إنما خلقت مبررا لاستمرار حكم الأسد كي يذود عن سوريا خطر الحرب والإرهاب، وكل ذلك حدث بسبب خطف الجماعات الإسلامية للحراك الثوري، وتحويلها إلى ثورة دموية وحرب أهلية بسبب تورط المليشيات والجماعات الجهادية المسلحة وانشقاق صف الجيش السوري وانتشار السلاح وما أدى إليه من فوضى يصعب السيطرة عليها.
***
وينتقل الكاتب إلى تحديد جذور الخلط بين الدين والسياسة في المنطقة العربية الإسلامية، وللمفارقة أن أصلها فارسي حيث جاءت في الكتابات عن "الآداب السلطانية" تلك، كانت ترسم ملامح تصورات سياسية مرتبطة أساسا بمجال الدولة والسلطة. وعلى الرغم من استعانته بمعطيات متعددة من الأنماط الفكرية الإسلامية القريبة منه ا؛ فهي قد نشأت في سياق سياسي محدد، وكانت بهدف إنجاز مهام إيديولوجية مضبوطة، ضمن دائرة الفضاء السياسي لإسلامي، وفي أجواء الصراعات التي تجري داخله. فالمبد أ الذي يزاوج بين المُلك والدين،)أي بين السياسة والدين بلغة اليوم(، هو من المبادئ العميقة المؤسسة لخطاب الآداب السلطانية. ويعود أصل هذا المبدأ إلى الكتابات الفارسية التي قدمت تصوّرا لعلاقة السلطة السياسية، سلطة الملك والملوك، بالدين الوثني على وجه الخصوص، وهو ما تمّ تأويله واستبطانه في الخطاب السياسي الإسلامي بأشكال وتجليات مختلفة. كما أن أصل تلك الأفكار، فهي منقولة عن نص فارسي بعنوان "عهد أرشدير" أحد ملوك الفرس، قام في القرن الثالث الميلادي بإخضاع الإمارات الفارسية المتفرقة، فوحّدها تحت حكمه وأسّس الدولة الساسانية، وكان مهتمّا بالدين وأعاد إحياء الديانة الزرادشتية، ومما جاء في العهد: "اعلموا أن الملك والدين أخوان توأمان، لا قوام لأحدهم إلا بصاحبه، لأن الدين أسّ الملك وعماده، ثم صار الملك يُعد حارس الدين. فلا بد للملك من أسّه، ولا بد للدين من حارسه، لأن ما لا حارس له ضائع وما لا أسّ له مهدوم".
***
وتم تبني تلك الأفكار في الفلسفة والكتابات الإسلامية التراثية مثل الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين" حيث قال: "اعلم أن الشريعة أصل، والملك حارس، وما لا أصل له مهدوم، وما لا حارس له فضائع".
وفي كتاب "الفتاوى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين؛ بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها". ويقول الماوردي في "الأحكام السلطانية": "الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا".
وتداولت تلك الأفكار حديثا على يد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، كان أوّل المنظرين ف هذ الاتجاه في العصر الحديث، حيث كان الجانب السياسي "قبل دعوة حسن البنا وقيام مدرسته بعيدا عن اهتمام الجماعات الإسلامية، وخارج نطاق نشاطها وتفكيرها". وهو القائل: "الإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف"، فالبنا وجماعته (الإخوان المسلمون)، هم من وضع الأسس التي قام عليها "الإسلام السياسي"، وطريقة تقديمهم للإسلام وأفكارهم تلك، شكلت الرحم الدافئ الذي فرّخ لاحقا الحركات الجهادية.
يرفض الإسلاميون من مختلف المشارب فصل الدين عن السياسة، حيث أن مشروعاتهم بالرغم من تنوّعها الظاهري ما تنطوي عليه من تباين الأولويات واختلاف في الخطط المرحلية وبعض التفاصيل الفقهية؛ فإنها جميعا تصدر عن رؤية ثابتة للإسلام، تعتقد بشموله كافة مناحي الحياة وشؤون البشر، فهو عندهم "دين ودولة". لذلك لا يعترفون بأي تقسيم يفضي إلى التمييز بين أمور الدين وأمور الدنيا، ولا يقرّون مطلقا بأن يقتصر مجال الدين على شؤون العبادات والمسائل الروحية وحيز الإيمان الشخصي.
كما يشير الكاتب إلى أن جماعات "الإسلام السياسي " لدى الشيعة والسنة على السواء، ورغم كلّ ما بين الفريقين من خلافات عقائدية وما يقومان به من تسفيه وتكفير متبادل كثيرا ما بلغ حد الاقتتال الطائفي؛ لكنهم على قلب رجل واحد عندما يتعلق الموضوع بتسيس الدين وتديين السياسة، ويحاجّون بالمنطق ذاته الذي يمزج الحقلينً معا، حيث يتطابق الشيعة مع السنة في رفض فصل الدين عن السياسة، وكلاهما أيضا يؤمن بشمولية الإسلام لكافة مناحي الحياة.
***
وينتقل الكاتب لتناول أوجه النقد التي يسوقها ضد فكرة الإسلام السياسي حيث يرى أن السعي إلى بلوغ السلطة أو العمل على إقامة نظام حكم جديد، هو عمل سياسي بالضرورة، أيا كانت وسائل العاملين عليه ودوافعهم وغاياتهم والإيديولوجيات التي ينطلقون منها ويسعون إلى تطبيق مقولاتها. هذ ا ينطبق على الإسلاميين، سياسيين و"مجاهدين". ولمّا كانت السياسة شأنا لشريا خالصا يرتبط بشؤون الحكم وتدبير أحوال الناس الدنيوية، وتنظيم العلاقات بين المحكومين والحكام، فضلا عن علاقات الدول فيما بينها، وكل ما يتصل بذلك من أمور، فإن إكساء ذلك كله بلباس ديني هو قسر للشيء على غير ما هو فيه وإفساد له. فالدين والسياسة كالزيت والماء مزج بينهما يفسدهما معا. وعندما تعيد السياسة صياغة الدين تجعل منه شيئا آخر، كذلك الحال حينما يجري استخدام الدين لإعادة تشكيل السياسة، وهذا ما لا تكفّ الحركات الإسلامية المعاصرة عن فعله، منذ ظهورها قبل قرن من الزمن إلا قليلا وحتى اللحظة .
والإخوان، كحالة نموذجية للإسلام السياسي، ويزعمون الاعتدال، لهم غاية أساسية أعلنها صراحة إمامهم المؤسس حسن البنا، في رسالة بعنوان "من هم الإخوان المسلمون"، وكرّرها بصيغ أخرى في غيرها: "نظام اجتماعي يتناول شؤون الحياة جميعا (اسمه) الإسلام وبعث الأمة الإسلامية النموذجية التي تدين بالإسلام الحق، فيكون لها هاديا وإماما ،وتعرف الناس بأنها دولة القرآن التي تصطبغ به والتي تذود عنه والتي تدعو إليه والتي تجاهد في سبيله وتضحي في هذ ا السبيل بالنفوس والأموال ".
كما أن الدين يستخدم كستار وكمبرر للاستبداد وكتم الأفواه ومنعها من النقد والمعارضة حيث تحضر النصوص الدينية (القرآن والحديث)، في سياق تبريري ليسند التراثيات الفقهية والسلطانية، فالإسلاميون يناقضون أنفسهم حتى عند القول بتمثيلهم "الدين"، ومن الصعوبة بمكان أن تلمس في طروحاتهم مشروعاتهم نقاطا محددة قابلة للضبط والقياس وفق معاير الأداء، فجلها عبارات إنشائية ومبادئ عامة تفتقد لبنية نظرية متسقة تصلح لأن تترجم سياسيا.
كما أن حركات الإسلام السياسي حين تماهي بين مشروعاتها السياسية وبين الدين، فإنها تغلق الباب أمام إمكانية النقد أو الاختلاف السياسي، بحيث يفترض أن كل نقد يوجّه إليها هو إساءة للدين، وهي نفسها لا تتحرّج من القيام بالفعل ونقيضه تبعا للظرف السياسي، وتجد في الحالتين السند الشرعي. ومما يسهّل على الإسلامين ذلك معرفتهم أن معظم ما يسمّى "أحكام الشريعة" هو نتاج فهم الفقهاء واجتهاداتهم، ما يعني أنه تأويل من بين تأويلات عدة محتملة، وهذا يفسر وجود اختلاف في التفاسير والأحكام بين فقيه وآخر حيال مسألة واحدة، فلن يكون من الصعب سحب ذلك على السياسة والميل حسبما تميل الريح، "على بركة الله".
لذلك رأى الكواكبي -وهو أول المصلحين بعدما أدرك خطر الخلط بين الدين والسياسة- أن هذا الخلط هو سبب حالة التخلف والاستبداد، لذلك أراد الفصل بين الدين والسياسة ودعا إلى تدبر أمور الدنيا بالفكر، وترك أمور الأخرة للدين.
***
واختتم الكاتب مقاله بأنه يجدر الانتباه والحذر من أسلوب تورية الخطاب، الذي تلجأ إليه بعض الحركات الإسلامية التي تدعب الاعتدال، ونبذ التطرّف، كالإخوان المسلمين مثلا من قبيل الحديث عن "دولة مدنية بمرجعية إسلامية". فطالما كان ثمة إصرار على مرجعية دينية للمشروع السياسي؛ فالمحصّلة ستفضي إلى "دولة دينية" على نحو ما، انطلاقا من أن الدولة الدينية هي الدولة التي تعتبر الدين أساسا شاملا لجميع ميادين الحياة فيها، فتضع ميدان السياسة ضمن دائرة السلطة الدينية.
أو تجعل السلطة الدينية مستوعبة للسلطة السياسيةً استيعابا كاملا، فتشرف عليها أو تستخدمها كما تشاء". فهل يخرج عن ذلك محتوى الإيديولوجيا الثاوية بين طيّات برامج الإخوان وسواهم من إسلامين "معتدلين"؟
إن السياسة تنطوي على صيرورة تغير وتطوّر مستمرّة، مقابل ما يتسم به الدين من ثبات في أحكامه وقواعده ومرجعيته المعرفية، فكيف يمكن لما هو ثابت في جوهره )الدين الإسلامي) أن يقدم التصوّرات والقواعد والحلول والرؤى في ميدان معرفي وعملي متجدد ومتنوعٍ في بنيته وآليات تشكله ومواضيعه كالحقل السياسي .
ما لم يقرّ الإسلاميون ويقتنعوا بهذه الحقيقة، وأنه يتعذر خوض غمار عالم السياسة النسبي بدلالة المطلق، أي الدين؛ فسنبق ندور في حلقة مفرغة، نستبدل مستبدا بآخر. وهذا يقتضي منهم الكفّ عن العبث بمقدسات المسلمين المؤمنين ومشاعرهم الدينية، وتوظيفها في خدمة طموحات سياسيّة، أو التستر خلف نصوص الإسلام وتحويلها إلى إيديولوجيا للهيمنة والتسلط، بدعوى أنهم يرمون إلى "تطبيق شرع الله". فهل سيفعلون، رأفة بعباد الله؟

النص الأصلي 

https://goo.gl/BqwHUx
التعليقات