مررت هذا الأسبوع بتجربة أردت أن أشركك قارئ الصفحة الكريم فيها، فربما كان فى تلك المشاركة فائدة أرجوها إذا ما كان لك أن تمر بها لسبب أو لآخر فتتخطى ما قد يزعجك أو يفاجئك فيها.
كان علىَّ أن أجرى فحصا بالرنين المغناطيسى، الأمر الذى يجعلنى أدخل بالكامل فى الأنبوب المعدنى الذى يحيط بجسد الإنسان محدثا مجالا مغناطيسيا محسوبا يمكنه تصوير أعضاء الإنسان الداخلية بصور بالغة الدقة ذات طبيعة خاصة تكشف مواطن الصحة والمرض وعلاقة تلك الأعضاء بعضها ببعض.
استمعت باهتمام إلى تعليمات الفنى الذى سيجرى التصوير وتهيأت للفحص وتمددت على السرير الضيق الذى أعلم أن أنبوبة الجهاز ستتحرك حول جسدى لتصويره بينما أنا مستلقية فى هدوء كامل داخل تلك الحلقة المغناطيسية. أسلمت أمرى لصاحب الأمر وأغمضت عينى وبدأت استرجع سورة الملك وقبضت يدى على الزر الصغير الذى نبهونى إلى أنه يمكننى استخدامه بالضغط عليه إذا ما أردت إنهاء الاختبار لأى سبب.
لم يستغرق الأمر أقل من دقيقة إذ إنه بمجرد أن بدأ الأنبوب فى التحرك تجاهى حتى انتابتنى نوبة من الهلع لم يسبق لى أن مررت بها فى حياتى. تزايدت ضربات قلبى وتصبب العرق منى باردا واضطربت أنفاسى وارتبك ذهنى إلى الحد الذى معه أحسست أننى أنزلق إلى وحشة القبر.
بالفعل كانت تجربة بالغة القسوة لم أحتملها فضغطت بكل قوتى على زر التنبيه فأخرجونى فى الحال لكن الأمر استغرق بضع دقائق لأعود إلى طبيعتى وأسترد وعى فيهدأ خاطرى ويعاود قلبى الانتظام فى دقاته وتعود أنفاسى إلى سابق عهدها لكن مرارة الإحساس لازمتنى، كان الأمر دون احتمالى بالفعل.
حاول الطبيب ومساعدوه إعادة المحاولة لكن رغم كل ما بذلوه من جهد وما أعادوه من شرح إلا أننى أجبرت على إنهاء الاختبار فقد كان الشعور بالفعل طاغيا وردة فعلى عنيفة فاعتذرت للجمع وغادرت.
كنت أعرف أن الأمر بالفعل قاسيا وكنت دائما أتجنب ذلك الفحص فألجأ لغيره حينما أناقش الأمر مع مريض يتوجب على تشخيصه بالوسائل غير التقليدية المعروفة لكنى أبدا لم أتخيل أنه بتلك القسوة المفرطة التى واجهتها حينما أحاطنى الأنبوب الجهم بالكامل وسجنى لحظات فى حيز مصمت وعزلنى تماما عن أنفاسى.
هل أنا مصابة بالخوف من الأماكن المغلقة؟
سألت زميلى طبيب أمراض النفس والأعصاب الذى استقبلنى مبتسما ودودا محاولا طمأنتى بأن هذا أمر وارد خاصة مع اختبار الرنين المغناطيسى وسألنى بلطف عن إذا ما كنت أذكر أى تجربة مماثلة تشير بالفعل إلى لإصابتى برهاب الأماكن المغلقة فذكرت أننى بالفعل أكره أن أبقى فى مكان صغير مغلق، وأننى لا أغلق أبواب مكتبى أو حجرة نومى وأننى أفضل صعود السلالم بدلا من المصعد، وأننى أحب كثيرا النوافذ الواسعة فى المبانى، وأننى أرتاد المسرح والسينما. عرفت الكثير من إجاباتى على أسئلته التى تنوعت وتوالت فى صورة مدهشة أوضحت لى الكثير.
الخوف من الأماكن المغلقة بالفعل مرض معروف، وإن كنت والحمد لله لست مريضة به لأن ما تعرضت له قد يحدث دون أن يعزى إلى مرض، إنما إلى عرض قد يمر على الإنسان حماية لنفسه من إيذاء يتوقعه. ربما أيضا يكون الإنسان مصابا بالخوف من الأماكن المغلقة، فإنه يصيب الإنسان بنوبة من القلق الحاد كنوبات الهلع التى يواكبها أعراض مربكة أخرى مثل ارتفاع نبض القلب وزيادة حركة التنفس والدوار وربما فقدان الوعى.
الخوف من الأماكن المغلقة يدفع مرضاه لتجنب كل الأماكن التى قد تثير الفزع الأمر الذى يؤثر بالفعل فى حياتهم ومن يعيشون معهم ويحتاج إلى علاج نفسى بالفعل. العلاج يتضمن علاج سلوكيات تحت إشراف طبيب نفسى وعلاجات دوائية منها مضادات الاكتئاب التى يجب تناولها لفترات كافية للوصول لمرحلة الشفاء.
ما ينصح به أيضا ممارسة تمارين الاسترخاء بصورة منتظمة. حكى لى طبيب علم النفس أن العقيد القذافى يعد مثلا لمريض الخوف من الأماكن المغلقة لذا كان يحمل خيمته دائما لينصبها فى الخلاء ولم يسعَ إطلاقا للنزول فى الفنادق حتى فى زياراته الرسمية لبلاد العالم.
ابتسمت وأنا أذكر الصورة الشهيرة لخيمة العقيد فى ميدان الكونكورد فى باريس، فى إحدى زياراته لفرنسا والتى نشرتها الصحف والمجلات الفرنسية فى صفحاتها الأولى وحمدت الله كثيرا على أن العلم يتيح وسائل متعددة للتشخيص غير تلك التى تبعث فى النفس الخوف.
دمتم سالمين من كل خوف لأى سبب.