داهمتنا الأحداث والمصائب والكوارث على حين غرة، وفى وقت كان من المفترض أن نحيى فيه شهداء مجزرة محمد محمود، تضخمت قوائم الشهداء واتسعت من غزة إلى أسيوط، غير أن ذلك لن يمنعنا من تذكر الجريمة البشعة.. وحتى لا ننسى أعيد نشر سطور كتبتها فى هذا المكان صباح ٢٤ نوفمبر من العام الماضى:
إنهم ذاهبون إلى مزبلة التاريخ، أعنى الجنود والضباط والقادة الذين أشرفوا على عملية ذبح الثورة والثوار فى ميادين الكرامة، من أصغر جندى وأصغر ضابط سحلا المتظاهرات على الأسفلت وألقيا بجثث المتظاهرين فوق أكوام القمامة، إلى أكبر مسئول أصدر الأوامر بشن الحرب على شعب أعزل.
وفى مزبلة التاريخ أماكن لآخرين من نخبة كاذبة تمسحت يوما فى الثوار، ثم تخلت عنهم حين جلست على موائد التفاوض، لتبدأ بعدها عمليات الإبادة الجماعية بالغازات السامة، فيما سيق الأفاقون إلى شاشات التليفزيون وميكروفونات الإذاعة ليكملوا عملية قصف الثوار بكلام ساقط ومفضوح عن اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن، فى محاولة لتصوير الأمر وكأنها معركة بين فريقين متساويين فى القوة.
لقد جرى شحنهم إلى التفاوض مع المجلس العسكرى حول مجموعة مطالب ثورية محددة، كان أول مطلب فيها إيقاف المجزرة الدائرة ضد الشعب الأعزل، والذى حدث بعد الاجتماع أن مؤشر الإجرام والهمجية ارتفع إلى حد استخدام غازات قاتلة، ولم نسمع أن أحدا من الذين اجتمعوا مع المجلس توجه إلى الميدان ليعلن تضامنه مع الثوار.
وكان من المطالب الإعلان عن تشكيل حكومة إنقاذ وطنى فورا تتولى إدارة شئون البلاد، والذى حدث أن بيان المشير تضمن وعدا بذلك فقط دون تحديد لأسماء.
وكان منها أن يصدر اعتذار فورى للشعب المصرى على الفظائع والجرائم التى ارتكبتها الآلة العسكرية بحقه، وكانت الاستجابة فورية بمزيد من الرصاص والغاز السام المحرم دوليا، ليسقط شهداء جدد وآلاف المصابين.
لقد كانت آلة القتل تعمل بكامل طاقتها فيما انشغل أصحاب المائدة بالسفسطة والتنظير دون أن يقدم أحد على خطوة محترمة من شأنها إيقاف المهزلة، وكأنهم يتفرجون على مشاهد تجرى فى الأراضى المحتلة، ومن ثم تكفى مصمصة الشفاه.
لقد اختفى الذين كنا نحسبهم آباء الثورة فيما خلت الساحة الفضائية لعبيد المجلس العسكرى، الذين كانوا عبيد نظام مبارك، وسيكونون عبيد أى نظام قادم، ليتحدثوا بوقاحة عن أصابع خارجية، ويستهجنون أن يطلق على ما يجرى توصيف «الموجة الثانية من الثورة»، ويذهب أحدهم إلى أبعد من ذلك متمرغا فى تراب الميرى ليقول إنه مخطط أجنبى، على الرغم من أن رد فعل البيت الأبيض يوفر غطاء للمجزرة ويعلن أن ما تم الإعلان عنه يكفى.. ويخرج آخر ليصادر على إرادة الشعب ويقول إنه لو جرى استفتاء سيختار الناس بقاء العسكر.
إنها لحظة الانكشاف والتعرى، والصمت على الجريمة، فيما كان المنتظر أن تنزل نخبة المائدة إلى الشارع لتعلن للعالم كله أنها خدعت، وساهمت فى الخداع.