شعار المرحلة الآن «أولع فى نفسى علشان أتدفى وأدفى مصر معايا» والحقوق محفوظة لزميلتنا علا الساكت مؤلفة الشعار.
ارتدى كتاب الحكومة زى الوعاظ وأطلقوا لحاهم وتحولوا إلى مفتين يحرمون الانتحار وقتل النفس التى حرم الله قتلها، وأفردوا الصفحات الأولى لرجال الدين ــ مسلمين ومسيحيين ــ للحديث عن حرمة الانتحار والنهى عنه فى كل الأديان السماوية.
وهذه طريقة قديمة وتقليدية للغاية فى توظيف الدين لمحاصرة أى ظاهرة سياسية أو اجتماعية تؤرق السلطة وتزعجها، وكأن إقدام مواطنين من مختلف الأعمار على الانتحار قضية دينية فقط، مقطوعة الصلة بعديد من المشاكل والمساخر السياسية والاقتصادية، التى أوجدتها سياسات حكومية مختلة وفاسدة.
يريدون أن ينشغل الجميع بالنصوص الدينية والفتاوى والأحكام، بحيث ينصرف المجتمع كله إلى مناقشة حكم الدين فى المنتحر، دون التطرق من قريب أو بعيد إلى الأسباب التى تدفع المواطنين إلى الانتحار على الطريقة البوعزيزية التونسية، التى أشعلت ثورة غير مسبوقة فى بلد كان خارج التوقعات الثورية تماما.
إن أحدا عاقلا لا يبرر قرار الإقدام على الانتحار، غير أنه يدخل فى باب النصب والتدليس السياسى إرجاع المسألة برمتها إلى ضعف الوازع الدينى عند الشباب، وتجاهل ضعف الحس السياسى وتبلد الشعور بالمسئولية الأخلاقية تجاه المواطنين، إلى الحد الذى يدفعهم لإشعال النار فى أنفسهم احتجاجا أو حتى ضغطا على من بيدهم القرار لكى يرحموهم من الفقر والبطالة والإهانة وغياب العدالة.
إن استدعاء الدين وتحويله إلى مطية وخادمة فى بلاط السياسة لعبة خطيرة أقرب إلى اللعب بالنار، خاصة إذا كان المقربون من السلطة لا يتذكرونه إلى عند الدفاع عن الحكومة، وبذاءاتهم ضد الدكتور البرادعى عندما التقى عددا من القساوسة وقيادات الإخوان المسلمين، واتهامهم له بأنه يمارس خلط الدين بالسياسة ليست بعيدة، فلماذا يحرمونها على المعارضين ويحللونها لأنفسهم؟
ولماذا لا يسمحون باستدعاء الدين ليقول كلمته فى عصابات الاحتكار السياسى والاقتصادى، ليفتونا فيمن يحتكر السلطة ويحتكر الحديد ويحتكر الماء والهواء؟
لقد وظفوا الدين عنوة لتبرير التصالح الآثم مع العدو الصهيونى، واختاروا آيات نزعوها من سياقها لتبرير ذلك، فيما استبعدوا الآيات التى تجعل الجهاد ضد العدو المحتل الغاصب فرضا على الجميع، وتضع التبادل التجارى والتنسيق السياسى وتبادل الأحضان والقبلات مع المعتدين فى مرتبة الجرائم والخطايا الأخلاقية والدينية.
وأظن أنه قبل أن نحاكم المحترقين على انتحارهم لابد أن نحاسب الذين سدوا فى وجوههم سبل الحياة الكريمة المحترمة، فصار الموت ملاذا وحيدا للخلاص.