والمقصود هنا هو الرئيس السابق حسنى مبارك، وقبل أن أتهم بأننى من رعايا دول مباركستان، أبادر فأقول بأننى عضو بالجمعية الوطنية للتغيير ومن أوائل من جاهر بمساندة البرادعى ودعوته الإصلاحية وكتبت فى ذلك عدة مقالات منذ اليوم الأول، الذى ظهر فيه على ساحة السياسة الداخلية المصرية فى أوائل عام 2010، كما دعوته لاجتماع حاشد فى قريتى بمغاغة بمحافظة المنيا يوم 11 ديسمبر 2010 أى قبل استقالة الرئيس بشهرين كاملين وتعرضت لهجوم من رئيس تحرير الجمهورية لما سماه «مؤامرة المنيا التى دبرت بليل».
ومع ذلك فقد دهشت وأسفت لردود الأفعال التى تلت الكلمة التى وجهها مبارك من تليفزيون العربية دفاعا عن نفسه.. فمن قائل إنها استفزازية، وآخر يعجب كيف سُمح له بالكلام، وثالث يعتبرها قرينة على تواطؤ المجلس العسكرى معه.. فما لكم كيف تحكمون؟.. لقد قامت هذه الثورة لتزيل الظلم وتقيم دولة العدل.. لا لتنقل الظلم من كاهل إلى كاهل..
إن دولة العدل والحرية والديمقراطية، التى نريدها لا يمكن أن تكون انتقائية.. فهذا يحق له الكلام وذاك لا يحق له.. فليس من العدل أن توجه الاتهامات على عواهنها فى وسائل الإعلام لمدة شهرين دون أن يتاح حق الرد.. دعوا دولة القانون ترسخ أركانها.
لعل من أحسن جوانب محاكمة مبارك ونجليه أنها تتم وفقا للقانون الطبيعى والإجراءات القانونية العادية.. فلا محاكم ثورة ولا مشانق معلقة ولا صراخ «الموت للخونة».
لقد أضافت الثورة المصرية صفحة ناصعة البياض لسفرها المجيد الذى ستفخر به الأجيال القادمة.. فدعوها تكتمل وتواصل مسيرتها الراقية دون تشويش إعلامى، وضجيج الأخبار المتناقضة المربكة.. فعندما يبدأ التحقيق الرسمى فعل الإعلام أن يكف يده ويترك الأمر فى ساحة القضاء.
دعونا نفاخر العالم بديمقراطيتنا وثورتنا النقية التى لم ترسل جلاديها إلى المشانق معصوبى العينين بعد محاكمات شوارع.. فليأخذ القانون مجراه ومداه ولنوفر لهم محاكمة عادلة بكل الضمانات التى يتيحها القانون.. ولا يقل لى أحد.. «ولكنهم قتلوا أبناءنا ولم يستحيوا نساءنا ظلما وعدوانا».. فنقول لهم مثل ما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «ولكننا لسنا مثلهم».
حدث لم يسبق له مثيل:
إن ما حدث فى مصر يوم 13 أبريل 2011 هو حدث لم يسبق له أى مثيل فى التاريخ العربى.. فكم من ثورة عربية أدت إلى قتل رئيس الدولة (الإمام يحيى إمام اليمن وحسنى الزعيم فى سوريا) أو سحله فى الشوارع (فيصل ملك العراق)، أو هروبه إلى خارج البلاد (الشيشكلى وبن على)، أو التوصل إلى صفقة معه تتيح له الخروج الآمن (الملك فاروق)، أو محاكمته فى ظل احتلال أجنبى (صدام حسين).. أما أن يحاكم محاكمة عادلة فى بلاده وبطريقة طبيعية.. فهذا هو الجديد الذى كنا نحسد دولا مثل إسرائيل عليه.
وإن كان ما زال هناك فرق.. فإسرائيل تحقق مع رؤسائها وهم فى الحكم.. ولكننا على الأقل وضعنا أقدامنا بثبات على أول الطريق..
البورصة ترتفع والثورة المضادة تجرر أذيالها:
فى اليوم التالى لاستدعاء النائب العام للرئيس السابق ونجليه حدث أمر شديد الغرابة ــ على الأقل بالنسبة لى ــ فقد كنت أخشى انهيار البورصة نتيجة خوف رجال الأعمال وإحجام رأس المال التى يوصف بالجبان دائما على المخاطرة.. فالعواقب تبدو مجهولة والمستقبل يسوده الغموض، وما أن فتحت البورصة أبوابها فى اليوم التالى ــ بل بعد ساعات قليلة من إعلان قرار النائب العام ــ إذا بالاندفاع على الشراء يدفع الأسهم بالصعود صعودا صاروخيا مما دعا إلى وقف التعامل على بعض الأسهم التى جاوز ارتفاعها 5%، كما تقضى اللوائح بذلك.. وإذا أمعنا النظر فى رد الفعل هذا نجده طبيعيا.. فالوضع قبل اتخاذ القرار بمحاكمة الرئيس ونجليه كان هو الوضع المقلق، حيث النداءات بمليونية أخرى والزحف إلى شرم الشيخ.. وما قد ينجم عن ذلك من اضطرابات ــ ثم إنه باتخاذ هذا القرار تكون الثورة قد بلغت ذروة سنامها وحققت أهم أهدافها.. دون عنف أو قلاقل من أى نوع.. بل ثبت أنه لا يوجد حزب وطنى موال لمبارك ولا حتى فلول.. وحتى تعبير الثورة المضادة كان مبالغة كبيرة..
ولكن ذلك لا يعنى أن المصريين قد أصبحوا على قلب رجل واحد.. فهناك تيار منكب على مصالحه الحياتية وقلق على مستقبل الأيام، وهناك تيار ساخط على «وقف الحال»، وهناك من تحركه العاطفة ويألم لما آلت إليه الأوضاع للرئيس السابق فى شيخوخته.. كل هؤلاء لا يمكن أن يندرجوا تحت تصنيف معادٍ للثورة.. فهم مواطنون شرفاء لديهم قناعاتهم الخاصة وستتيح لهم القنوات الديمقراطية الجديدة التعبير السلمى عن آرائهم.
المهم الآن أن نسارع فى استكمال دعائم الثورة وأهم ما تبقى من مطالب الثورة هو تشكيل مجلس رئاسى مدنى يتولى المرحلة الانتقالية المقبلة فدعونا ننصت للدكتور البرادعى، وننظر فى خريطة الطريق التى ينادى بها، والتى تتضمن أولويات التحرك فى المرحلة الانتقالية، والتى تتمثل فى تأسيس مجلس رئاسى وإجراء حوار وطنى حقيقى ثم وضع دستور جديد يتم على أساسه إجراء انتخابات برلمانية على أساس القائمة النسبية، التى تضمن تمثيل القوى الحقيقية للمجتمع بما فى ذلك الفلاحين والعمال والأقباط والنساء بأفضل كثيرا من نظام الحصص.. مع إتاحة فترة انتقالية كافية تكفل التحول الصحيح من النظام الدكتاتورى إلى النظام الديمقراطى.. فصبر جميل حتى يأتينا الله بكل ثمار الديمقراطية.