نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب وليد خدورى يحذر فيه من الأخذ بالتوقعات قصيرة المدى التى تبشر بتحسن أسواق النفط فى ظل غياب لقاح لفيروس كورونا... نعرض منه ما يلى.
تُلقى المرحلة التاريخية الصعبة لفيروس «كورونا» المستجد ظلالها المضطربة والمتباينة على مجمل الاقتصاد العالمى، ومنه القطاع النفطى. فتتناقض أو تتغير المعلومات والتوقعات يوميا خلال هذه الفترة حول أوضاع الأسواق النفطية. فمن ناحية، وكما توقع المدير التنفيذى لوكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، فإن تقليص إجراءات الحجز المنزلى فى دول عدة أخذ يعيد الصحة للأسواق النفطية. لكن حذّر بيرول فى نفس الوقت أن التحسن فى الأسواق هذا هو «تدريجى» و«هش». واستبعد بيرول فى تصريحاته لوسائل الإعلام إمكانية إعادة تجربة شهر «أبريل الأسود»، حيث تدهورت أسعار النفط الأمريكى المستقبلية إلى أقل من الصفر، وهى الأسوأ فى تاريخ الصناعة النفطية.
يتوجب أخذ الحذر من التوقعات القصيرة الأمد. فهناك نقص فاضح فى المعلومات عن فيروس «كورونا» المستجد. ولا يتوفر حتى يومنا هذا اللقاح للحد من انتشار الفيروس ولا الدواء لمعالجة المصابين. كما يجب الأخذ بنظر الاعتبار بعض المتغيرات التى ستحصل نتيجة الحجر فى البيوت. فهل سيتقلص السفر الجوى لرجال الأعمال خلال هذا العام، وتستبدل الاجتماعات المشتركة من خلال «المؤتمرات الهاتفية» الجارية الآن. وهل ستحاول المؤسسات الدولية تغيير طريقة اجتماعاتها من سفر المشاركين من أرجاء العالم للمساهمة فى اللقاءات، أم الاكتفاء بـ«المؤتمرات الهاتفية» لتقليص النفقات فى هذا الوضع الذى تعانى منه العديد من المؤسسات من تقليص فى موازناتها. وما تأثير هذه المؤشرات المحتملة على السفر الجوى ووقود الطيران. وهل سيعم الاطمئنان لدى السكان فى السفر بمركباتهم أو الطيران لمناطق سياحية داخل بلادهم أو خارجها واستخدام الفنادق... من السابق لأوانه الكلام عن النتائج الآن. فهناك خوف حقيقى عند المواطنين فى مختلف أرجاء العالم نتيجة فقدان اللقاح والدواء.
يتوجب الحذر خلال هذه المرحلة الصعبة من التوقعات، إذ يمر العالم بفترة غير مسبوقة من عدم الاستقرار الصحى والنفسى وما نتج عنهما من انكماش اقتصادى عالمى. لكن يتوجب أيضا التمعن بدقة فى معنى وأهمية المعلومات المتوفرة. وما النقاش الجارى فى مختلف دول العالم ما بين المؤسسات الطبية المتخصصة والمسئولين السياسيين فى هذا البلد أو ذاك حول كيفية ومدى تقليص الحجز إلا مثال لما يمكن أن نشاهده لأشهر مقبلة، فى غياب اللقاح والدواء. ومن حسن الحظ أن صحة الإنسان قد أخذت الأولوية هذه المرة. وأن الأطباء المتخصصين يلعبون دورا مهما فى اتخاذ القرارات تحت سقف شعار «صحة الإنسان أولا». كما أن هناك النزاع والمنافسة ما بين الدول الكبرى حول تحديد مصير الجائحة وما هو العلاج لها وما مدى التعاون فى القضاء عليها عند نشوبها، ما هذه الخلافات إلا مؤشرات لنزاعات جديدة إما داخل الدول الصناعية نفسها، وإما الخلاف المتنامى ما بين الولايات المتحدة والصين وإمكانية تطوره إلى حرب باردة. وهناك لا تزال مناطق جديدة يمكن أن تغزوها الجائحة كالدول الإفريقية أو تنتشر بشكل أوسع كما هو الأمر فى روسيا. وهناك خوف ألا تُتَخذ الإجراءات المشددة لفحص المواطنين العائدين من الخارج، كما هو الأمر فى بعض الدول، حيث نلاحظ زيادة الإصابات نظرا لعدم دقة الفحوص الطبية اللازمة أو الانكفاء فى البيوت للمدة المطلوبة للعائدين إلى بلادهم. هذه جميعها تطورات يتوجب أخذها بنظر الاعتبار عند دراسة تأثير الجائحة على العلاقات الدولية مستقبلا، وما مدى تأثيرها على «العولمة» وانفتاح التجارة الدولية، مقارنة بالدعوات المتعددة لسياسة «الحمائية» الانكفائية النقيضة للعولمة ومدى تأثيرها على التجارة العالمية. إننا أمام انتكاسة اقتصادية عالمية، حيث هناك شح للموارد المالية بسبب معاناة عام 2020، من ثم يتوجب الحذر فى دقة التوقعات.
صرح السيد بيرول الأسبوع الماضى، بأن أسواق النفط تتجه بسرعة أكثر مما كان متوقعا سابقا للعودة إلى توازن العرض والطلب، هذا التوازن الذى أفقد استقراره فيروس «كورونا» المستجد. وتأكيدا لهذا الكلام، أشار التقرير الشهرى الأخير لوكالة الطاقة الدولية لأسواق النفط إلى أن الطلب على النفط بدأ يزداد مرة أخرى، فبدلا من التوقعات السابقة بانخفاض الطلب العالمى نحو 9,3 مليون برميل يوميا، فإن التوقعات الآن تشير إلى انخفاض الطلب نحو 8,6 مليون برميل يوميا لعام 2020.
فى نفس الوقت صرح بيرول «نجد مؤشرات أولية لإعادة توازن تدريجى لميزان العرض والطلب فى أسواق النفط. والسبب فى هذا هو عودة الناس إلى حياتهم الطبيعية وأعمالهم تدريجيا مع التقليص التدريجى للحجوزات فى البيوت». كما أخذ يتبين أنه رغم تدهور الطلب على وقود المواصلات من بنزين وديزل ووقود الطيران استمر الطلب على المنتجات البترولية فى الصناعات البتروكيماوية. وبالنسبة للإنتاج، فقد بدأ تنفيذ اتفاق مجموعة «أوبك بلس» بتخفيض 9,7 مليون برميل يوميا فى 1 مايو كما كان متفقا عليه. وقررت السعودية تخفيضا طوعيا إضافيا بنحو مليون برميل، مما يعنى أن معدل إنتاجها سيكون نحو 7,50 مليون برميل يوميا. كما انخفض الإنتاج النفطى لدول غير أعضاء فى مجموعة «أوبك بلس» كالولايات المتحدة وكندا وغيرهما مثل البرازيل والنرويج حوالى 3 ملايين برميل يوميا. يعنى هذا أن مجموع انخفاض الإمدادات النفطية منذ بداية الشهر الجارى قد بلغت نحو 12 مليون برميل يوميا ليصبح مجموع الإنتاج العالمى حوالى 88 مليون برميل يوميا (وهو أقل معدل للإنتاج منذ تسعة أعوام)، مقارنة بنحو 100 مليون برميل يوميا قبل نشوب الجائحة.
تزامن الإعلان عن الأرقام أعلاه، مع خفة الضغط على معدلات التخزين، فقد انخفض كثيرا التخزين فى الناقلات العائمة، وتوجه التخزين بدلا عن ذلك إلى مستودعات التخزين الاستراتيجى والخزانات التجارية الثانوية، الأمر الذى ساعد بدوره فى تحسن الأسعار الأسبوع الماضى.