مساء يوم العاشر من مايو الحالى، استضافت شبكة سى.إن.إن (ذات الميول الليبرالية) الرئيس الأمريكى الجمهورى السابق دونالد ترامب، كرر الأخير خلال اللقاء أكاذيبه بشأن سرقة الانتخابات الرئاسية فى عام 2020، كما دافع عن أنصاره المتهمين باقتحام مبنى الكابيتول (مبنى الكونجرس) فى 6 يناير 2021، وغيرهما من التصريحات. العجيب أن حديثه لاقى تصفيقا حارا من الحضور. بعد هذا اللقاء، نشر موقعEurasia Review مقالا للكاتب روبرت رايش، يقول فيه إن الخطر يحدق بديمقراطية الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من أى وقت مضى، خاصة بعد الصمت الذى رافق تصريحات ترامب من جانب أعضاء الحزبين الجمهورى والديمقراطى، بالإضافة لدفاع وسائل الإعلام الأمريكية الأخرى عن حق شبكة CNN فى استضافة ترامب، كمرشح رئاسى، وإعطائه مساحة كغيره، إذ إن كل هذا يساهم فى إقناع الأمة الأمريكية بأكاذيبه، مما يدعم فرص وصوله للسلطة فى 2024... نعرض من المقال ما يلى:
شهد مساء الأربعاء، 10 مايو الحالى، البداية غير الرسمية لحملة دونالد ترامب لإعادة انتخابه رئيسا للولايات المتحدة، حينما استضافته قناة سى إن إن التى لطالما وجّهت له الإهانات.
لقد أمضى أكثر من ساعة أمام حشد من محبيه دعا خلالها ترامب إلى ضرورة تخلف أمريكا عن سداد ديونها (صفق الجمهور)، وأنه لا ينبغى لها الدفاع عن أوكرانيا أمام روسيا (تعالت الهتافات).
خلال اللقاء، دافع أيضا ترامب عن نفسه فى قضية الاعتداء الجنسى والتشهير الأخيرة بحق الصحفية السابقة إى جان كارول، وسخر من شكواها (هتاف وتصفيق).
طبعا، كل هذا لم يكن سيئا بما فيه الكفاية. إذ، بالإضافة لما سبق، لفت الانتباه حديثه لإعادة كتابة تاريخ محاولته الانقلابية على الديمقراطية الأمريكية، إذ أكد أن 6 يناير 2021 كان «يوما جميلا» (المزيد من الهتافات)، وأن مثيرى الشغب فى الكابيتول كان لديهم «حب فى قلوبهم»، وأنه إذا تم انتخابه، فسوف يعفو عن المحكوم عليهم (تصفيق كبير).
كذلك، ادعى ترامب أنه لم يطلب من مسئولى الانتخابات فى جورجيا «إيجاد» العدد اللازم من الأصوات لهزيمة بايدن فى الولاية. كما جادل أن نائب الرئيس السابق، مايك بنس، كان لديه السلطة لإلغاء الانتخابات. ووصف مايكل بيرد ــ ملازم شرطة الكابيتول أسود البشرة ــ الذى قتل أشلى بابيت (إحدى أنصار ترامب) بينما كان يحمى أعضاء الكونجرس أثناء اقتحام المبنى ــ وصفه بالسفاح!
كما كرر أن انتخابات 2020 سُرقت منه، ورفض ــ بشكل خطير ــ الالتزام بنتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2024 (تصفيق أكثر).
• • •
ما هو رد الفعل على هذا القذارة؟ بداية، لم يدن أى عضو جمهورى ما قاله الرئيس الأمريكى السابق ــ باستثناء ميت رومنى من ولاية يوتا (كان مرشح الحزب الجمهورى للرئاسة فى عام 2012) . أما بقية الحزب الجمهورى ــ رئيس مجلس النواب كيفن مكارثى، وزعيم الأقلية فى مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، وزعماء جمهوريون آخرون فى الكونجرس، وحكام جمهوريون... فلم يتفوهوا بكلمة.
بالنسبة لأعضاء الحزب الديمقراطى، فإلى جانب التشكيك فى نوايا شبكة سى. إن. إن فى منحها هذه المساحة والفرصة لترامب، تقول المصادر فى إدارة بايدن إنهم «مسرورون» بما قامت به سى إن إن لأنه أعطى بايدن «مزيدا من الذخيرة» ضد ترامب، إذ ستدفع تصريحات الأخير المزيد ممن ينتمون للحزب الديمقراطى والمستقلين إلى صناديق الاقتراع للتصويت لصالح بايدن العام المقبل. لكن ماذا لو حدث العكس، إذا قامت تصريحاته بإقناع المزيد من الشعب الأمريكى بأكاذيبه وبقوته التى لا أساس لها؟!
على كل حال، بذلت شبكة CNN جهودا مفرطة للدفاع عن نفسها (ورئيسها التنفيذى، كريس ليخت) لمنح ترامب المنصة. بعد كل شىء، قالت شبكة CNN مرارا وتكرارا، إن ترامب هو الجمهورى الرائد فى السباق على تولى منصب الرئاسة، وللجمهور الحق فى رؤيته والاستماع إليه. زعم آخرون فى وسائل الإعلام أنه سيكون من غير المسئول «تجاهل» ترامب و«إبقاؤه بعيدا!»
ومع ذلك، هذه ليست القضية.. كانت المشكلة هى قرار سى إن إن بإعطاء ترامب ما يريده بالضبط ــ أكثر من ساعة، مع جمهور مختار بعناية، ومذيعة واحدة لم تستطع تصحيح سيل أكاذيبه، مثلا بعد أن سألته كايتلان كولينز (المذيعة) مرارا وتكرارا عن الوثائق السرية التى وجدها مكتب التحقيقات الفيدرالى فى منزله، وصف ترامب المذيعة بـ«الشخص السيئ»، مما أثار هتافات الجمهور.
• • •
المشكلة الآن التى تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية أكبر من صمت أعضاء الحزب الجمهورى، ورد الفعل التكتيكى المتعجرف للجانب الديمقراطى، ودفاع وسائل الإعلام عن شبكة CNN.
المشكلة هى أنه بعد عامين ونصف من استدعاء ترامب أنصاره إلى واشنطن، وحشدهم خارج البيت الأبيض، مع العلم أنهم كانوا مسلحين، لوقف سرقة الانتخابات فى الكابيتول هيل (مبنى الكونجرس) ــ حيث قاموا بأعمال شغب، وهددوا حياة الأعضاء من الحزبين، وتسببوا فى خمس وفيات ــ المشكلة لم تتم محاسبته (ترامب) حتى الآن!
صحيح، وُجد متهما فى جريمة تحرش جنسى بامرأة والتشهير بها ووجهت إليه تهمة دفع مبالغ مالية لأخرى. لكنه حرض على محاولة انقلاب فى الولايات المتحدة على مرأى من الجميع. فأين القانون؟
على الولايات المتحدة الانتباه إلى أنها لم تعد تتعامل مع السياسة كما عهدتها؛ الحزب الديمقراطى مقابل الحزب الجمهورى، والتيار الليبرالى مقابل المحافظ، واليسار مقابل اليمين. فى هذا الشكل القديم من السياسة، كانت التسوية متوقعة وكانت ضرورية فى كثير من الأحيان. إنما الآن إنها الديمقراطية مقابل الاستبداد. ففى ظل هكذا وضع، لا يمكن أن يكون هناك حل وسط، ويجب ألا يكون هناك صمت.
ترامب فى عام 2016 لم يعد ترامب بعد تركه السلطة فى 2020، لقد استولى على الحزب الجمهورى، وحوله إلى حزب مناهض للديمقراطية يضم العديد من الأعضاء الذين اشتروا وضاعفوا كذبته الكبيرة حول الفوز بانتخابات 2020.
أولئك الذين وقفوا فى وجه ترامب تم تطهيرهم الآن. أوضح معظم الأعضاء الجمهوريين الباقين أنهم سيتجاهلون أى قانون يعترض طريقهم. كما أدت عنصرية ترامب، والتمييز على أساس الجنس، ورهاب المثلية الجنسية، وكراهية الأجانب، إلى ارتفاع كبير فى جرائم الكراهية فى جميع أنحاء أمريكا.
ترامب جعل الأمة الأمريكية أكثر انقساما كما ازداد ثقة بالنفس فى إخبارهم بأكاذيبه. خطابه أكثر خطورة، إذ قال فى مؤتمر العمل السياسى المحافظ الأخير: «اليوم، أنا بطلكم. أنا محقق العدل. وبالنسبة لأولئك الذين تعرضوا للظلم والخيانة، فأنا المنتقم لكم».
باختصار، إذا استمر الصمت الفاتر فى أمريكا، فلدى ترامب فرصة قوية ليصبح رئيسا مرة أخرى فى عام 2024.
• • •
إجمالا، ليس لدى الولايات المتحدة رفاهية الانتظار 18 شهرا حتى انتخابات 2024. الخطر محدق. يجب عليها محاسبة ترامب بالكامل على ما فعله، وإدانة وسائل الإعلام لسماحها له بظهوره وتضخيم أكاذيبه وإضفاء الشرعية عليها.
على صناع القرار أيضا فى الولايات المختلفة رفض وضع اسمه على ورقة الاقتراع، بموجب القسم 3 من التعديل الرابع عشر من الدستور الأمريكى، الذى يمنع أى شخص من تولى منصب بعد أن أقسم اليمين لدعم الدستور وانخرط فى تمرد ضد الولايات المتحدة.
باختصار على أمريكا إثارة المشكلات، أو كما قال السياسى الأمريكى وزعيم الحقوق المدنية، جون لويس: «علينا الاحتشاد لحماية الحقوق المتساوية والحفاظ على سيادة القانون. النزول إلى الشوارع، إذا لزم الأمر، للدفاع عن الديمقراطية الأمريكية».
ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى:
http://bitly.ws/EUMK