نجاحات الدبلوماسية المصرية وإخفاقاتها - سيد قاسم المصري - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 7:03 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نجاحات الدبلوماسية المصرية وإخفاقاتها

نشر فى : الإثنين 20 يوليه 2015 - 6:25 ص | آخر تحديث : الإثنين 20 يوليه 2015 - 6:25 ص

حضر إلى وزارة الخارجية فى أحد الأيام فى حقبة التسعينات، سفير اليابان فى القاهرة لمقابلة المسئول عن الشئون المالية، ليسأله عن ميزانية وزارة الخارجية، وعندما علم الرقم عبر عن دهشته قائلا and you are making all this noise أى وتحدثون كل هذه الضجة «أى بهذا المبلغ الضئيل»، وكان هذا السفير يطلق على مبنى الخارجية اسم «مستودع الموارد البشرية».

فالدبلوماسية المصرية مشهود لها عالميا بأنها من أكفأ الأجهزة الدبلوماسية فى العالم، التى ترقى إلى مصاف الدول الكبرى.

وفى الفترات التى أتيح فيها لوزارة الخارجية المشاركة الفعالة فى صنع السياسة الخارجية. تألق الدور المصرى وعندما استبعدت الخارجية عن دائرة صنع القرار، تعرضنا لكوارث ونكسات.
وأكاد أقول إنه منذ ثورة عام 1952 تضاءل دور الخارجية فى صنع القرار، حيث كان رئيس الدولة يتولى منفردا أو مستعينا ببعض المستشارين المقربين رسم السياسة الخارجية. واستمر الحال على هذا المنوال باستثناء الفترات التى تولى فيها الوزارة «وزراء أقوياء» استطاعوا كسب ثقة الرئيس مما أعطاهم مساحة للحركة، مثل إسماعيل فهمى مع السادات وعمرو موسى مع حسنى مبارك، وقد استخدما هذه المساحة لحدودها القصوى وشاركا فى صنع جوانب السياسة الخارجية.

***

لم يكن لوزارة الخارجية أى دور فى اتخاذ القرار المصيرى بسحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء فى مايو 1967، وكان دورها ينحصر فى تلقى تعليمات لتنفيذ القرارات، بعد اتخاذها دون أدنى شرح للأسباب التى بنيت عليها هذه القرارات. ولندع الدبلوماسى المصرى الفذ إسماعيل فهمى، يوضح لنا ذلك حيث يقول فى كتابه «التفاوض من أجل السلام فى الشرق الأوسط»: «إن فقدان التخطيط والتحليل لنتائج الخيارات المتاحة وما قد ينجم عنها هو العلة الأساسية للسياسة الخارجية المصرية التى ساهمت فى هزيمة عام 1967، فقد كانت وزارة الخارجية هى آخر من يستشار وآخر من يعلم بمجريات الأمور، فقد اتخذ عبدالناصر – مثلا – قرار سحب قوات الطوارئ الدولية دون استشارة الخارجية، بل كلف وزير الحربية، ببساطة بإبلاغ الجنرال ريكى قائد القوات الدولية، بالقرار الذى رفض أن يتلقى أوامر إلا من خلال الأمين العام للأمم المتحدة. وعندها فقط تم إبلاغ الخارجية ليس لاستطلاع رأيها، ولكن لتكليفها بتنفيذ القرار الذى اتخذ بالفعل. أى إبلاغ الأمم المتحدة. صحيح أن إسماعيل فهمى الذى كان يرأس غرفة العمليات بوزارة الخارجية، حاول أن يوضح أخطار القرار وقدم تحليله فى هذا الشأن، ولكن دون جدوى.

وفى عهد عبدالناصر، لم يكن إهمال الخارجية قاصرا على استبعادها من رسم السياسة الخارجية، وإنما امتد ليشمل أيضا الدور التنفيذى. فتعددت مراكز صنع وتنفيذ القرار، حيث استقل الوزير محمد فايق بالشئون الأفريقية، وتولى السفير حسن صبرى الخولى، كثيرا من جوانب الشئون العربية، وتولت إدارة فلسطين بوزارة الدفاع الكثير من جوانب القضية الفلسطينية.

وأنشأت برئاسة الجمهورية إدارات موازية لإدارات وزارة الخارجية، وكان هذا هو الحال أيضا بالمخابرات العامة.

ومثال آخر لقرار مصيرى من أخطر القرارات فى تاريخ السياسة الخارجية المصرية، وهو قرار الرئيس السادات بالذهاب إلى القدس، صحيح أن إسماعيل فهمى كان الوحيد الذى استشاره الرئيس السادات، ولكن عندما اتضح له أنه معارض شديد لهذه الخطوة توقف عن إثارة الموضوع معه، وأخذ يخطط له مع مجموعة مستشاريه. ويقول إسماعيل فهمى، إن الذهاب للقدس كان يجب أن يتم بعد إتمام الصفقة، لأن البدء به أفقدنا كل الأوراق وحطم جسورنا مع الأمة العربية والإسلامية، وجعلنا فى عزلة تامة وليس أمامنا إلا قبول ما تطرحه إسرائيل والولايات المتحدة.

ويشير بعض الباحثين، أن ثورة الخمينى فى إيران والإطاحة بالشاه، الأمر الذى أفقد الولايات المتحدة أهم حلفائها فى المنطقة، هو الذى حدى بالرئيس كارتر إلى ممارسة أقصى الضغوط على إسرائيل، لإتمام الصفقة حتى لا تفقد السادات كما فقدت الشاه، وقد استمر هذا النهج فى عهد الإخوان، فعندما تقدم الرئيس السابق مرسى بمبادرته لتشكيل لجنة رباعية بشأن سوريا أمام القمة الإسلامية، كان الأمر مفاجأة لوزارة الخارجية، حيث أضيف الاقتراح فى الرئاسة وفوجئت به الوزارة كما فوجئ به المشاركون فى القمة، بما فى ذلك الدولة المضيفة – «السعودية».

وفى الواقع أن استبعاد الخارجية كان من أسباب فشل هذه المبادرة، حيث لم يسبقها تحضير جيد أو مشاورات تتناسب مع خطورة الموضوع، ولذلك فعندما طرحت الفكرة لم يعلق عليها أحد ولم يثنى عليها أحد، وخرج الجميع من الاجتماع وهم يعتبرون أن المبادرة ولدت ميتة.

وتعرض دور وزارة الخارجية إلى خطورة أشد فى عصر الإخوان، نظرا لوجود التنظيم الدولى لهم المنتشر فى بقاع كثيرة من العالم خاصة أوروبا والعالم العربى. والسيد عصام حداد مستشار الرئيس للشئون الخارجية، هو من أبرز أبناء هذا التنظيم. وكان هناك اتجاه للاعتماد على ما يرد من تقارير هذه الفروع.

وهذه الازدواجية جعلت دور وزارة الخارجية فى غاية الصعوبة، وهذا الوضع لا يقلل من دورها فى خدمة السياسة الخارجية المصرية، بل يعظم هذا الدور لأنها تعمل فى ظروف صعبة، وتنفذ سياسات لم تستشار بشأنها وتحاول فى معظم الوقت استخدام المهارات الدبلوماسية فى تقليل الخسائر وتعظيم المكاسب وإزالة الركام من الطريق، وتجميل المواقف السيئة والاستمرار فى تقديم التحليل والنصائح.

***

لقد سبق أن كتبت مقالا بجريدة «الشروق» بعنوان «الخارجية.. ذلك الباب الذى تهب منه الرياح»، أشرت فيه إلى استقالة ثلاثة من وزراء خارجية مصر من القامات الشامخة فى سجل الدبلوماسية المصرية، وهم إسماعيل فهمى ومحمد رياض ومحمد إبراهيم كامل، فى فترة وجيزة لا تتجاوز السنة الواحدة. وذلك رفضا لسياسات وتسجيلا لمواقف، حتى إن السادات عهد بملف التفاوض مع إسرائيل إلى الفريق أول كمال حسن على مدير المخابرات العامة فى ذلك الوقت، وحذره من «مناكفات» أعضاء الخارجية وسفسطتهم. ومع ذلك فقد تصدى أعضاء التفاوض المصرى من أبناء الخارجية للكثير من المقترحات الضارة وحتى بعد إبرام المعاهدة، ظلت وزارة الخارجية هى العقبة الكؤود أمام ضغوط التطبيع.

***

أود فى ختام هذا المقال، أن أكرر اقتراحى بأن يتولى مجلسا للأمن القومى برئاسة السيد رئيس الجمهورية يختص برسم السياسة الخارجية، وتقوم وزارة الخارجية بدور المقرر لهذا المجلس حتى تدار الشئون الخارجية بشكل مؤسسى.

سيد قاسم المصري مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات