تحلت المنظمات الدولية والإقليمية بدرجة كبيرة من الصبر وهى تتابع الأحداث فى سوريا، والمجازر التى يرتكبها النظام السورى فى حق شعبه على امتداد ستة أشهر. أما وأن النظام قد استمر فى غيه، ووضح أن الاصلاحات التى تبناها ستبقى شكلية فى ظل سيطرة البعث ــ بحكم الدستور ــ على مقاليد الأمور دون منازع، فقد بدأت هذه المنظمات فى التحرك. أصدر مجلس الامن بيانا رئاسيا أدان فيه استخدام العنف ضد المدنيين، وانتهاك حقوق الانسان. كما أصدر أمين عام جامعة الدول العربية بيانا عبر فيه عن القلق البالغ تجاه تطور الأوضاع فى سوريا، مطالبا بالوقف الفورى لأعمال العنف. ودعا مجلس التعاون الخليجى بدوره إلى وقف سفك دماء الأبرياء.
أما على المستوى الثنائى العربى فقد أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانا يؤكد أنه ليس ثمة حل عسكرى للأزمة فى سوريا، وأكد البيان استعداد مصر للاسهام فى جهود التوصل إلى حل سلمى، مشيرا فى نفس الوقت إلى ارتباط الموقف فى سوريا بالأمن القومى المصرى. وقررت السعودية استدعاء سفيرها من دمشق. كما اتخذت كل من قطر والكويت والبحرين إجراءات مماثلة.
وعلى المستوى الثنائى الدولى قررت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى اتخاذ مجموعة من الإجراءات فى حق المسئولين السوريين شملت تجميد أرصدتهم، وحظر تنقلاتهم، وكذلك فرض عقوبات على المؤسسات المالية. أما وزيرة الخارجية الأمريكية فقد رفعت البطاقة الحمراء فى وجه النظام بالإعلان أن الاسد قد فقد شرعيته لحكم سوريا، وأن سوريا ستكون أفضل حالا بدونه. كما عبر الرئيس الروسى عن القلق العميق لما يحدث، محذرا الاسد بمستقبل مظلم إذا لم يقم بالإصلاحات الضرورية.
أما تركيا فيبدو أن الأحداث الجارية على أرض جارتها الجنوبية قد أصابت فى مقتل شعار وزير خارجيتها بتقليص المشاكل مع دول العالم إلى «الصفر». فبعد فترة مضطربة فى العلاقات بين الجارتين فى نهاية تسعينيات القرن الماضى، حققت العلاقات بينهما قفزة كبرى فى مختلف الميادين. أما الآن فقد نزح آلاف السوريين إلى الاراضى التركية، وأصبحت القوات السورية على مرمى حجر من الأراضى التركية وهى تطارد المحتجين السوريين. ويبقى وضع الأكراد فى سوريا كقنبلة موقوتة قد تنفجر فى أى وقت.
●●●
إذن فالعالم الآن، بعد طول تردد، أصبح على استعداد للتعامل مع الموقف السورى بشكل أكثر حزما بعد أن طفح به الكيل. ولكن إلى أى مدى يمكن للعالم أن يذهب فى تحركه تجاه سوريا؟
لاشك أن الاعتبار الاول الذى سيكون موضع تقدير القوى الإقليمية والدولية هو محورية الدور الدور السورى على مسرح الاحداث فى المنطقة. لم تُقم سوريا حتى الآن سلاما مع إسرائيل، حيث مازالت الأخيرة تحتل أجزاء من الاراضى السورية. اقتصر الأمر على عقد اتفاقية لفض الاشتباك عام 1974، لم تحل دون قيام إسرائيل بمهاجمة أهداف سورية مرات عدة. لذلك فإن أية أخطاء فى الحسابات أو محاولات إسرائيلية لاستغلال الوضع لتحقيق مكاسب، يمكن أن تؤدى لعواقب وخيمة. ثم انظر معى إلى العلاقات الاستراتيجية بين سوريا وروسيا، والى التحالف السورى ــ الإيرانى الذى فى ظله لا يمكن لإيران أن تقف موقف المتفرج تجاه أى عمل عسكرى غربى ضد سوريا. وإذا انتقلنا إلى لبنان فلا يجادل أحد أن سوريا تعد لاعبا مؤثرا على الساحة هناك، بالإضافة إلى علاقات سوريا الوطيدة بحزب الله. إذن فسوريا ستكون عصيّة على أى تدخل أجنبى. ولا يمكن لأى عربى مخلص لعروبته أن يقبل أو يشجع على مثل هذا التدخل.
نذكر جميعا أن مجلس الجامعة العربية قد اتخذ فى 13 مارس الماضى قرارا استهدف توفير الحماية للشعب الليبى فى مواجهة الحرب التى شنها النظام. طالب القرار مجلس الامن بفرض منطقة حظر جوى على حركة الطيران الحربى الليبى. غير أن هذا الإجراء اقتضى القيام بهجمات جوية لتدمير الدفاعات الجوية الليبية. ثم تطور الأمر إلى قذف كل ما يخدم المجهود الحربى للنظام، كما تم إمداد الثوار بالسلاح من الجو. فى ضوء ذلك أعلن الامين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربى فى اجتماع مجموعة الاتصال الخاصة بليبيا الذى انعقد فى استانبول فى منتصف الشهر الماضى، أن الوقت قد حان لمراجعة الموقف برمته وتقييمه، حتى لا نضل الطريق، ونبتعد عن هدف حماية الشعب الليبى، مؤكدا أن استمرار العمليات العسكرية قد أصبح أمرا غير مقبول، ومحذرا من تداعيات الأزمة على أمن واستقلال ليبيا والدول المجاورة.
●●●
ولا شك أن الاحداث فى سوريا مرشحة لأن تأخذ المنحى ذاته إذا لم تمسك الدول العربية بناصية الأمور، وتقطع الطريق على من يضمر الشر للبلد الشقيق. وربما يكون حاكم دمشق على استعداد لأن يهتدى بالحكمة الخالدة لمؤسس الدولة الأموية معاوية بن أبى سفيان: «لا أضع سيفى حيث يكفينى سوطى، ولا أضع سوطى حيث يكفينى لسانى، ولو أن بينى وبين الناس شعرة ما قطعتها، إذا مدّوها خلّيتها، وإذا خلّوها مددتها».