الفيس بؤس - أحمد مجاهد - بوابة الشروق
الإثنين 6 يناير 2025 11:01 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الفيس بؤس

نشر فى : الإثنين 20 سبتمبر 2010 - 10:32 ص | آخر تحديث : الإثنين 20 سبتمبر 2010 - 10:32 ص

 تحول الفيس بوك هذه الأيام إلى فيس بؤس، فلا يمكن أن أفتحه دون أن يصادفنى خبر محزن أو حدث مفجع.

وكان آخر الأخبار المحزنة التى صادفتنى هى إعلان موت المفكر العربى الكبير محمد أركون، فعلقت على الخبر بعبارة أقول فيها: «لا يوجد أبشع من أن يفقد العالم محمد أركون ومحمد عابد الجابرى ونصر حامد أبوزيد فى عام واحد، ويبقى له دعاة التكفير والإرهاب»، والمدهش أن أحدهم قد أرسل لى رسالة يستنكر فيها أن أترحم على مثل هؤلاء، ودعانى إلى أن أتقى الله وأراجع نفسى فيما قلت، شارحا لى أن محمد أركون قد كفره الشيخ القرضاوى، وأن محمد عابد الجابرى ينتمى لفرقة «القدرية» الضالة التى أسسها غيلان الدمشقى وقتله هشام بن عبدالملك بسببها، وأن نصر أبوزيد حاصل على دبلوم المدارس الثانوية الصناعية قسم اللاسلكى وأنه قد عاش مع زوجته فى الحرام بهولندا بعد حكم المحكمة بالتفريق بينهما، ومتنبئا بأنه لم يبق لى سوى أن أترحم بعد ذلك أيضا على المدعو «جمال البنا» بعد موته.

وهكذا أثبت المعلق صدق مقولتى، ومنعنى وأمثالى حتى من مجرد الترحم على أموات المسلمين، وحذرنى من تكرار هذه الفعلة الشنعاء مع آخرين من الذين يخالفهم فى الرأى، بعد أن نصب نفسه حكما على إيمان غيره من المسلمين وكأنه قد شق قلوبهم والله وحده أعلم بالسرائر. والمصيبة أن هذا الشخص كما يقول يعمل مدرسا للغة العربية، ولك أن تتخيل ما الذى سوف يلقنه لتلاميذه!!

والمدهش أن كل هذا يظل فى إطار الخبر المحزن، أما الحدث المفجع فيتمثل فى ظهور موقع يحمل عنوان «قاطع مسيحيا فى مصر تنقذ مسلما» وقد أنشئ هذا الموقع مساء الأحد 12سبتمبر مواكبا لصدور «بيان المقاطعة لجبهة علماء الأزهر»، حيث يقرر البيان أنه «بعد أن أصبحت الكنيسة المصرية مصدر إرعاب وإرهاب للدولة والأمة، وبعد أن تأكد للقاصى والدانى غطرسة تلك الكنيسة وتعاليها واحتقارها لجميع الأعراف والقوانين والضوابط العرفية والأخلاقية فضلا عن الشرعية والدينية، تلك الضوابط التى لاتزال تلك الكنيسة فى العهد الشنودى تعلن بوقاحة استخفافها بها واحتقارها لها وتطاولها عليها»، ولهذا فإنه «يتوجب شرعا على المسلمين جميعا وهم الأغلبية وأصحاب الدار والمستهدفون عدة أشياء محددة منها رد الدوائر التى بها قضاة نصارى، ومقاطعة جميع المشاريع الاقتصادية المملوكة للمسيحيين»، وأنه «باستطاعة شباب مصر أحفاد عمرو والليث والشافعى أن يبدأوا من الآن تدوين سجلات بأسماء تلك المؤسسات وإعلانها لتيسير أمر المسلمين نحوها».

والكارثة أن أصحاب الموقع قد استجابوا بالفعل، وشرعوا فى تحديد أسماء مجموعة من هذه المؤسسات لمقاطعتها مع اقتراح بدائل إسلامية لها، وعند أول محاولة للنقاش معهم صدمنى ردهم الرافض أساسا لمبدأ الحوار، على الرغم من أن الحوار الحر حتى فى الموضوعات الشائكة هو الغرض الأساسى من تقنية الفيس بوك التى أفقدها المتعصبون هويتها التقدمية، حيث قالوا «أى واحد من الإخوة الأحباب المسلمين لا يريد أن يقاطع معنا النصارى لا يدخل الصفحة ليثنينا عن المقاطعة ويثبطنا لأنه سيطرد، نحن لسنا نتصرف على هوانا نحن نستند على فتاوى جبهة علماء الأزهر».

وجمعية جبهة علماء الأزهر جمعية أهلية لا علاقة لها بالأزهر الشريف، بل هى معروفة بمهاجمة المعتدلين من كبار مشايخ الأزهر أنفسهم، حتى إنها قد هاجمت شيخ الجامع الأزهر الشيخ محمد سيد طنطاوى ــ رحمه الله ــ هجوما دفعه إلى الاحتكام للقضاء الذى أصدر حكما بحل الجمعية وإغلاق مقرها فى يونيو 1998، ثم تظلمت الجمعية وانتهى الأمر بصدور حكم المحكمة الإدارية العليا بحلها سنة 1999. وعلى الرغم من ذلك فمازالت الجمعية حتى الآن تصدر فتاواها ممهورة بخاتمها الرسمى الذى ينص على أنها مشهرة برقم 565 سنة 1967، مما يعد مخالفة صريحة وتحديا سافرا لأحكام القضاء يستوجب المحاكمة.

وأظن أن انتقال المشرفين على هذه الجمعية إلى دولة الكويت وإطلاق موقعها من هناك، لا يمنع محاكمتها على ما ورد فى بيانها الأخير من أقوال يجرمها قانون العقوبات وفقا للمواد 98 و102 و176 التى تجرم القول أو الكتابة بقصد الفتنة أو التمييز الدينى أو الإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة أو التحريض على ذلك كله والدعاية له، والرأى الأول والأخير فى هذا لفقهاء القانون.

وما أن انتهيت من متابعة هذا الحدث المفجع عائدا إلى صفحتى الشخصية حتى وجدت خبرا محزنا آخر يعلن وفاة الفنان التشكيلى الكبير عدلى رزق الله، هذا الفنان الجميل والإنسان الجميل الذى عاش ومات محبوبا ومقدرا من المسيحيين والمسلمين، ولم يعرف أحد حقيقة ديانته التى هى سر بينه وبين ربه إلا عندما خرجت جنازته من مسجد مصطفى محمود، فقد مات عدلى رزق الله، ويبدو أنه قد مات معه زمن التسامح الدينى النبيل الذى كان فيه الدين لله والوطن للجميع.

التعليقات