القرار فى يد أوباما - بسمة قضماني - بوابة الشروق
الأحد 20 أبريل 2025 6:10 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

القرار فى يد أوباما

نشر فى : الأربعاء 20 أكتوبر 2010 - 10:17 ص | آخر تحديث : الأربعاء 20 أكتوبر 2010 - 10:18 ص

 يتحمس المراقبون الأجانب عندما يزورون واشنطن لأنهم يرون فى ذلك فرصة لفهم تفاصيل الخطة الأمريكية لترتيب المنطقة والخطوات لتنفيذ هذه الخطة. هناك يكتشفون وجود رؤية متكاملة وسليمة على عكس ما كانت عليه الأمور أيام إدارة الرئيس السابق جورج بوش.

فالمسئولون فى الوزارات المختلفة وفى البيت الأبيض هم من الخبراء الجديين الذين درسوا المنطقة جيدا إما من خلال أنشطة فى أحد المراكز البحثية المرموقة أو بفضل إقامتهم فى دول المنطقة. هم إجمالا ليسوا من المجنّدين من قبل أصدقاء إسرائيل وهذا يكفى لكى تكون مقاربتهم متفهّمة للوضع المأساوى الفلسطينى ويكونوا مقتنعين بأن الصراع الفلسطينى الإسرائيلى هو المشكلة المحورية التى تعيق التعامل مع سائر القضايا الأخرى وأن الصراع ليس بين طرفين متساويين بل هناك طرف ضعيف يحتاج إلى رعاية مباشرة وحماية من محتل تقع مسئولية مواجهته على الولايات المتحدة بشكل رئيسى.

بهذا المعنى هؤلاء لا يختلفون كثيرا بالرأى عن أقرانهم فى أوروبا الذين يعتبرون أن المفاوضات ليست بين إسرائيل والفلسطينيين بقدر ما هى بين إسرائيل ونفسها لكى تقرر ما الذى يمكن أن تتنازل عنه. هؤلاء يشرحون نيّة الإدارة وجهودها وينصحون الأوروبيين بأخذ زمام المبادرة فى البحث عن وسيلة للخروج من مأزق غزة ويبدون انفتاحا فى النقاش حول ضرورة إشراك حركة حماس فى العملية السياسية بشكل من الأشكال أو عندما يحين الوقت المناسب لذلك ويتمنون أن تساهم البلدان العربية فى التعامل مع القضايا التى يصعب على الإدارة الأمريكية أن تطرحها بنفسها.

 


أما بالنسبة للمسئولين عن الدوائر التى تدير برامج الإصلاح ودعم التحول الديمقراطى والتى أنشئت خلال رئاسة بوش فهى إجمالا أقل انشغالا وتعترف بأن ميزانياتها قد انخفضت ونُزع من برامجها الفتيل السياسى الذى كان يثير غضب الأنظمة. لكن هذا موضوع آخر وأصبح معروفا عند الأنظمة والناشطين السياسيين فى البلدان المعنية. الإدارة إذا منشغلة بشكل أساسى فى هذه المرحلة بالقضية الفلسطينية الإسرائيلية.

بل ولم تبعد الحسابات السياسية الداخلية، خاصة الانتخابية، الرئيس أوباما عن الانخراط فى عملية مفاوضات جديدة رغم خطر الفشل، بل لعله السبب الداعم لقراره.

ويعود ذلك لأمرين، أولهما أن رئيس الوزراء الإسرائيلى وأصدقاء الليكود فى واشنطن كانوا يطالبون الإدارة بإلحاح ويضغطون على الرئيس كى يرغم السلطة الوطنية الفلسطينية على العودة إلى المفاوضات المباشرة لكسر عزلة إسرائيل وما يرونه خطر نزع شرعيتها، وثانيا، لأن الحزب الجمهورى اتخذ موضوع السلام فى الشرق الأوسط وعدم قدرة أوباما على التقدم فيه ذريعة لمهاجمته ومحاولة كسب أصوات فى انتخابات الكونجرس فى شهر نوفمبر القادم حيث لم يعد الملف العراقى قضية يمكن استغلالها، على الأقل فى الوقت الراهن، بعد الانسحاب الجزئى للقوات الأمريكية منه فى صيف 2010.

هذا الموقف جعل المعادلة معقدة بالنسبة للإدارة ويفسر صعود بعض المستشارين وازدياد نفوذهم وتراجع نفوذ بعضهم الآخر. لقد استقال الجنرال جيم جونز من منصبه كرئيس لمجلس الأمن القومى بعد أن كان الرئيس قد كلفه بتحضير الخطة الأمنية المتكاملة التى قد ترافق حل سياسى للصراع وتجعله ممكنا. وصعدت أسهم دينيس روس المستشار الدبلوماسى لوزيرة الخارجية هيلارى كلينتون.

فبينما كان روس يصارع بين المبعوث الرئاسى جورج ميتشل ورام عمانويل فى البيت الأبيض وآخرين بحثا عن دور محدد، وهو مكلف رسميا بقضايا الخليج وإيران، أصبح رأيه هو الأكثر تأثيرا فى الرئيس والوزيرة على حد سواء. وذلك يعود ليس إلى ذكائه فحسب، فهو ذكى بلا شك ومحنّك ولديه خبرة طويلة فى التعامل مع هذا الملف رغم أنه لا يستطيع أن يدعى أى إنجاز فعلى، لكن الأهم من ذلك هو اتصالاته بالكونجرس وعلاقاته الحميمة مع أصدقاء إسرائيل فيه بشكل خاص.

هكذا أصبح روس الشخص الأهم بالنسبة للإدارة لأنه قادر على مساعدتها فى الإبحار فى المياه الانتخابية الخطرة واجتياز هذه المرحلة الحرجة بالنسبة للحزب الديمقراطى وللرئيس أوباما بأمان. أما الشخصية الثانية التى تتمتع بنفوذ هائل لدى وزيرة الخارجية بشكل خاص، مع أنها ليست من مستشاريها الرسميين، فهى رئيس وزراء بريطانيا السابق وممثل الرباعية الدولية طونى بلير الذى يقال عنه إنه نجح أيضا فى فرض نفسه على الممثلة العليا للسياسة الخارجية الاوروبية كاثرين أشتون كمصدر رئيسى للأخبار وللأفكار فى ملف الصراع.

المقلق فى الأمر هو أن دينيس روس عبّر عن قناعته فى عدة مناسبات بأن الملف غير قابل للحل فى الوقت الحاضر وأن الإدارة قد تستنفد طاقاتها ورصيدها السياسى دون التوصل إلى نتيجة. أما وأنها اضطرت إلى ذلك للأسباب التى ذكرناها، فيصبح المطلوب هو البحث عن حل مؤقت مبنى على ترتيبات أمنية واقتصادية بشكل أساسى يضمن الهدوء النسبى ويسمح بتأجيل الحل النهائى إلى العقد القادم وفى التقويم السياسى هذا يعنى إلى أجل غير مسمى. أما بالنسبة لطونى بلير، الموكل بالتنسيق بين أعضاء الرباعية الدولية للإشراف على تطبيق خارطة الطريق، فلا نراه ينسق بين الأعضاء أو يحاول ضمان تمثيل موقف كل منهم ولم يخاطر يوما فى إلقاء اللوم على إسرائيل بسبب عدم احترام الشروط التى وضعتها خارطة الطريق.

وهكذا، وجد الرئيس الأمريكى نفسه وقد انهمك فى عملية تفاوضية لا يتحكم بمعطياتها. ما حدث فى الواقع هو أنه فى اللحظة التى قرّر أوباما أن يضع جهده فى إحياء المفاوضات، رغم وجود نتنياهو فى الحكم، فإنه قرّر أن يعتمده كشريك ومنذ تلك اللحظة تبنّى إكراهاته وكأنها إكراهات أمريكا.

وذهب إلى أبعد مما ذهب أى من أسلافه فى تقديم وعود لإسرائيل لمجرّد الحصول منه على موافقة على قرار لتمديد تجميد الاستيطان لمدة ستين يوما. حتى إنه أثار انتقادات بعض المسئولين السابقين المعروفين بولائهم لإسرائيل مثل مارتين إيندك، المسئول السابق فى الخارجية الأمريكية فى عهد كلينتون، الذى حذر الرئيس من «إنفاق عملته الإستراتيجية من أجل الحصول على مكاسب تكتيكية».

لقد فهم نتنياهو تماما أنه لا شىء قد يحصل ولا أى ضرر يمكن أن يلحق بإسرائيل نتيجة سياساتها فما هى ضرورة تجميد الاستيطان؟ وإذا كان على يقين أنه سيحصل على وعود بمكافآت فلماذا لا يستمر؟ فى مقابل ذلك، تقول الإدارة الأمريكية للرئيس عباس إنه «عليك أن تنفق كل ما لديك من أوراق ما زالت تضمن لك بعض المصداقية فنحن وأجهزة الأمن موجودون لحمايتك» ناسين أو متناسين أن الفلسطينيين قبلوا بالعودة إلى المفاوضات على أساس الثقة بهذه الإدارة وهى ستخسرهم إذا خيبت أملهم.

من بين الخبراء الذين استبعدتهم الإدارة بسبب معارضة اللوبى الصهيونى تعيينهم، هناك مجموعة تحّذر من أنه إذا كان الفلسطينيون والعرب والأوروبيون يعتقدون أن الحل فى يد واشنطن، فهم مخطئون. وبأن الإيحاء بأن خطة تحسين شروط معيشتهم، وهى الوحيدة التى تسمح إسرائيل بتنفيذها، يمهد الطريق للتوصل إلى حل الدولتين، فهذا وهم. وعلى الطرف الفلسطينى أن يدرك هذا الوهم ويكف عن الاعتماد على الولايات المتحدة فى كل شىء لأن هذه الاستراتيجية قد أثبتت فشلها.


فى ظل المنحى الذى أخذته عملية المفاوضات هذه، فإن الخطر الأكبر أصبح يأتى من نجاحها وليس من فشلها. ماذا فعل الأمريكيون بأمنهم؟ لأنه عندما يصرح الرئيس أوباما بأن حل الصراع قضية مرتبطة بالأمن القومى الأمريكى ثم يمتنع عن الضغط على إسرائيل، فكأنه يقول إن أمريكا قد قررت أن تضع أمنها القومى فى يد إسرائيل. يروّج المحللون فى واشنطن لفكرة أن الولايات المتحدة، رغم أنها أول قوة فى العالم، فهى لم تعد قادرة على معالجة قضايا كثيرة لوحدها مثل أفغانستان. أما بالنسبة للاحتلال الإسرائيلى فالقوة العظمى هذه تحتاج إلى إرادة سياسية لقلب المعادلة فى وقت وجيز. فهل ينتقم اوباما من نتنياهو بعد انتخابات الشهر القادم؟

بسمة قضماني  مدير مبادرة الإصلاح العربي
التعليقات