فى مسودة الدستور.. لا ولاية لشعب مصر على أرضه - وائل زكى - بوابة الشروق
الخميس 19 ديسمبر 2024 12:20 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى مسودة الدستور.. لا ولاية لشعب مصر على أرضه

نشر فى : السبت 20 أكتوبر 2012 - 8:10 ص | آخر تحديث : السبت 20 أكتوبر 2012 - 8:10 ص

ما جاء فى المسودة الأولية لمشروع دستور مصر يخص أراضى الدولة فى باب الدولة والمجتمع انحصر فى المادة 14 والتى نصها «الزراعة مقوم أساسى للاقتصاد الوطنى، وتلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها وتنمية المحاصيل والأصناف النباتية والسلالات الحيوانية والثروة السمكية وحمايتها، وتحقيق الاكتفاء الذاتى منها، وتوفير متطلبات الإنتاج الزراعى وحسن إدارته وتسويقه، ودعم الصناعات الزراعية والحرفية. وينظم القانون استخدام أراضى الدولة بما يحقق العدالة الاجتماعية، ويحمى الفلاح والعامل الزراعى من الاستغلال.

 

فى المادة 15 التى نصها «كل الثروات الطبيعية ملك الشعب، وعوائدها حق له، وتلتزم الدولة بالحفاظ عليها وحسن استغلالها دون إخلال بمقتضيات الدفاع والاقتصاد الوطنى، ومراعاة حقوق الأجيال القادمة فيها؛ وكل مال لا مالك له يؤول لملكية الدولة. ولا يجوز منح التزامات أو امتيازات باستغلال أراضى الدولة أو أى من مواردها الطبيعية أو المرافق العامة إلا بقانون».

 

المادة 15 تتحدث فى صدرها عن الثروات الطبيعية إنها ملك الشعب، يُفهم من ذلك أن المرجعية فى حق التصرف فى الثروات الطبيعية مرده الشعب، يؤخذ رأيه فى تحويل إحدى الثروات الطبيعية الكامنة فى أرضه إلى مورد يُدر دخلا متى ثبتت جدوى استخراجها وتشغيلها، بل ويحدد الشعب الكمية التى يمكن التصرف فيها والاحتياطى الذى يبقيه للأجيال القادمة والاستراتيجيات الوطنية، وفى نهاية المادة يأتى ذكر الأراضى والموارد والمرافق كعناصر استغلال ثروات الشعب دون أن يرد الأمر للشعب بل بناء على قانون. قد تتساءل، مادام هناك قانون ينظم فماذا يضيرنا فى ذلك؟

 

●●●

 

إذا إليك أهم القوانين المنظمة، فالقانون 143 لسنة 1981 فى شأن الأراضى الصحراوية التى يعرفها بأنها الواقعة خارج الزمام بعد مسافة كيلو مترين والزمام هو حد الأراضى التى تمت مساحتها مساحة تفصيلية وحصرت فى سجلات المساحة وفى سجلات المكلفات وخضعت للضريبة العقارية على الأطيان، وبالنسبة للمحافظات الصحراوية يعتبر الزمام كردون المدن والقرى القائمة، أى أن كل أرض مصر خارج زمامات المدن والقرى والأرض الزراعية هى صحراوية بما فيها «أراضى البحيرات التى يتم تجفيفها أو الداخلة فى خطة التجفيف لأغراض الاستصلاح والاستزراع» (مادة 1 من القانون)، وبداية من المادة الثانية يضع القانون إدارة واستغلال والتصرف فى الأراضى الصحراوية فى يد وزير الدفاع، فهو الذى يصدر قرارا بتحديد المناطق الاستراتيجية ذات الأهمية العسكرية من الأراضى الصحراوية التى لا يجوز تملكها، ثم فى ذات المادة يحدد وزير الزراعة ما له من أراضى بعد أخذ رأى وزارة الدفاع، أى بعد أن حددت وزارة الدفاع المناطق الاستراتيجية، ثم يأتى دور هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لتحديد احتياجاتها من الأراضى بالتنسيق مع وزارة الدفاع، ثم بعد كل ذلك وعلى الرغم منه يقوم مجلس الوزراء بناء على طلب وزير الدفاع بنزع ملكية الأراضى الصحراوية والعقارات المقامة عليها أو الاستيلاء عليها استيلاء مؤقتا إذا اقتضت ذلك دواعى المحافظة على سلامة الدولة وأمنها القومى الخارجى أو الداخلى أو المحافظة على الآثار، فى النهاية وعمليا وتطبيقيا وواقعيا ومهما تفلسفت معى ورقيا وكلاميا فإن وزير ووزارة الدفاع هى المتصرف الأول والأخير والمانح والنازع لجميع أراضى الدولة خارج الزمامات.

 

وتأتى جميع القوانين واللوائح المنظمة لعمل جميع الهيئات التى تتولى استصلاح الأراضى والتعمير والمجتمعات العمرانية والآثار والسياحة والطرق والتعدين والمرافق وانتهاء بالوحدات المحلية بعد ما يزيد على العشرين جهة ترسخ فى يد وزير ووزارة الدفاع حق المنح والمنع فى أراضى الدولة، وهى ذات الجهات التى لا تقل عن عشرين التى يجب أن تعطى موافقاتها على أى مشروع خارج الزمامات حتى ولو كانت بناء على طلب إحدى المحافظات للتوسع العمرانى، وحالات عدة صارخة فيما هو مفروض عليها من قيود قد تصل لحد الحصار العسكرى الذى يحرمها من التوسع العمرانى المخطط، ثم تتفلت الأراضى عليها مشروع يلى الآخر يملأ صفحات الجرائد ويتهافت على حجوزاته قطاع من أبناء مصر ليس بالضرورة هو القطاع ذو الأولوية الذى يتطلع الفرد فيه لمأوى يستر أحلام عيشه فى كرامة ولا يجد لأحلامه فى حواضر مصر سوى العشوائيات.

 

صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 152 لسنة 2001 بشأن تحديد المناطق الاستراتيجية ذات الأهمية العسكرية من الأراضى الصحراوية، أعقبه القرار 153 لسنة 2001 بإنشاء المركز الوطنى لتخطيط استخدامات أراضى الدولة، والذى حسبناه كمختصين فى العمران يُحدث توازن بين المخطط العلمى الذى يحقق التوجهات التنموية ويهتم بالتوسع العمرانى المدروس لاستيعاب الطلب على الإسكان وتقليل كثافات العشوائيات، غير أنه جاء فى مادته الثالثة «يكون للمركز مدير يصدر بتعيينه وتحديد معاملته المالية قرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على ترشيح وزير الدفاع»، كان من البديهى أن نتساءل ــ كمختصين ــ ما هو الاختصاص لمركز تخطيط استخدامات الأراضى دون تعارض مع مهام الهيئة العامة للتخطيط العمرانى، حيث أن استخدامات الأراضى ــ كما نفهم كمختصين ــ هى قاعدة التنمية والتخطيط العمرانى على المستوى الوطنى والإقليمى، ولكن بناء على تدخل وتداخل الدفاع فى كافة مناحى النشاط العمرانى والتنموى ومع التمسك بهذا التدخل والتداخل، كان المركز كوحدة تتبع رئاسة الوزراء إداريا وتتبع وزير الدفاع فنيا، مركز يتبع مجلس الوزراء ويرشح رئيسه وزير الدفاع قد يقوم على التنسيق وتنظيم تلك المسائل المتعلقة بالأرض ويخفف ذلك العبء عن وزير الدفاع، ويبدو أن الهدف هو «ضبط» استخدامات الأراضى من وجهة نظر وزارة الدفاع.

 

●●●

 

الأرض مصدر الثروات، كما هو الشعب مصدر السلطات، شعب مصر كأرضها لا سلطة نال ولا ثروة طال، فمعظم شعب مصر يقطن مكثفا فوق بعضه على ما لا يتعدى 10% على الأكثر من أرض مصر، أفلا يكفى الدفاع انتشاره الاستراتيجى على 30% أو حتى 60% بدلا من 90%؟، لن نقارن تلك النسب بمثيلاتها فى دولٍ أخرى، ولن آتى على ذكر أية تخصيصات بعينها ــ لا سمح الله ــ فى أراضى الدولة؟، ولا أية علاقات فاسدة ومساومات واستغلال نفوذ فى أى من قضايا الفساد فى الأراضى؟ دعونا لا نذكر هنا ما مضى، ولننظر إلى المستقبل لا نخوّن ولكن نحذر ونرفع عن كاهلنا شبهات الفساد ونسد أبوابه.

 

إن منظومة التخطيط وعلاقتها بالإدارة المحلية والوزارات المعنية بما فيها الدفاع تحتاج منا إلى إعادة نظر، لقد طالب وزير الإسكان فى إحدى ندواته بالنظر فى ضم الهيئة العامة للتخطيط العمرانى لمجلس الوزراء الذى يتبعه المركز الوطنى لتخطيط استخدامات أراضى الدولة، فهل هذا «زيادة فى التنسيق» فى غياب منظومة تحقق إرداة الشعب وتحكم إدارة الدولة فى أقاليمها تحقيقا لخططها التنموية؟، ربما تنضبط المادة إن صارت بدايتها «كل الأرض المصرية والثروات الطبيعية ملك الشعب..»، فماذا يمكن فعله فى المادة 14 من المسودة التى تدور حول الزراعة، إذ يأتى ذكر أراضى الدولة التى ينظم استخدامها القانون بما يحقق العدالة الاجتماعية!!، وإذ يأتى بعدها ذكر الفلاح؛ إذا ما هو مفهوم استخدام أراضى الدولة فى المادتين ومن يشرف على تحقيق العدالة الاجتماعية فيها، وهل المنوط بإدارة استخداماتها جهة واحدة أم هذه أراضٍ وتلك أخرى، فإن كانت زراعية فهى طبقا لقانون الأراضى الصحراوية ليست أراضى دولة، أم سيعدل القانون بعد إقرار الدستور لتصبح تلك الأراضى الزراعية.. أراضى دولة.. حيث «تلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية»؟

 

 

وائل زكى استشاري التخطيط العمراني وعضو مقيم عقاري بلجان طعون الضرائب العقارية، ويعمل كأستاذ للتخطيط العمراني وتاريخ ونظريات تخطيط المدن ومدرب معتمد إدارة المشروعات
التعليقات