ثمة حلم قديم لإسرائيل هو التحاور علنا مع السعوديين كجزء من ائتلاف إقليمى مؤيد للأمريكيين فى مواجهة تعاظم القوة الشيعية. لم يرغب السعوديون فى هذه العلنية، لكنهم الآن قاموا بخطوة صغيرة ذات أصداء كبيرة: رئيس الأركان الإسرائيلى الذى ليس شخصية سياسية لكنه شخصية كبيرة على الصعيد القومى فى إسرائيل، يتحدث مباشرة إلى الجمهور السعودى عن المصالح المشتركة للدولتين، بما فى ذلك التعاون الأمنى.
هذا الحديث لا يمكن أن يكون مصادفة وهو موجه بصورة أساسية إلى ثلاثة أطراف: الإيرانيين والسوريين وحزب الله، وهى خطوة ضمن الحراك السياسى للعائلة المالكة السعودية، تماما مثل القصة التى أدت إلى إعلان رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريرى استقالته من الأراضى السعودية. على ما يبدو، يلوح من ثنايا هذه المقابلة أن وراءها تحريكا معينا للخطة الأمريكية للسلام التى يعمل على انضاجها منذ أشهر جرينبلات وكوشنير، موفدا الرئيس الأمريكى ترامب إلى الشرق الأوسط.
فى مارس المقبل، سيضطر الرئيس ترامب إلى أن يتخذ قراره المتمثل فى: ما إذا كان سيمضى قدما فى الخطة بكل قوته، أو أنه سيشعر بأن لا حظوظ له لتحقيقها فيتخلى عنها.. قبل بضعة أشهر تم التوصل إلى اتفاق سرى بوساطة أمريكية بين إسرائيل والسعودية يتعلق بمجموعة خطوات بانية للثقة بين الدولتين. طلب السعوديون من إسرائيل خطوتين علنيتين وخطوتين عمليتين: على الصعيد العلنى، طلبوا أن تعلن الحكومة الإسرائيلية قبولها فكرة دولتين لشعبين، ففى رأيهم إعلان نتنياهو القديم فى هذا الشأن ليس كافيا. والشىء الثانى الذى طالبوا به هو أن تعلن حكومة إسرائيل قبولها مبادرة السلام السعودية (التى أعلنت فى بيروت سنة 2002)، مع التعديلات المطلوبة.
الأمر الذى لم يحدث على الصعيد العملى، طُلب من إسرائيل القيام ببادرة تجاه الفلسطينيين، ونقل مساحة صغيرة من مناطق «ب» و «ج» إلى سيادتهم. وهذا لم يحدث أيضا، ولم ينجح رئيس الحكومة ووزير الدفاع فى الحصول على موافقة الحكومة من أجل شرعنة مبان «فلسطينية» غير قانونية حول قلقيلية. وكان الطلب السعودى العملى الثانى تحديدا هو ما التزمت به إسرائيل، وهو البناء داخل الكتل الاستيطانية فقط.
فى مقابل الخطوات الإسرائيلية، فإن على السعوديين أيضا القيام بثلاث خطوات عملية: فتح الأجواء السعودية أمام الطيران المدنى الإسرائيلى، وفتح خطوط الاتصالات بين إسرائيل والسعودية، والسماح لبعض رجال الأعمال الإسرائيليين بالعمل فى السعودية، وهذا لم يحدث بعد.
فى هذه الأثناء تبرز مؤشرات تقارب فى الفترة الأخيرة نشرت لعدد ليس قليلا من المعلقين فى الصحف السعودية، تعبر عن موقف الحكم التى أساسها «نحن أيضا لا نحب إسرائيل، لكن هذا لا يعنى أنه ليست لدينا مصالح مشتركة معها». ويعتبر هذا بمثابة تحضير للرأى العام السعودى، تماما مثل المقابلة التى أعطاها رئيس الأركان لوسيلة إعلام سعودية.
حاليا، لم يبق لنا سوى الانتظار لرؤية ما إذا كانت هذه المؤشرات تبشر بتقدم ومنعطف. حتى الآن ينتظر الأمريكيون خطوة إسرائيلية دراماتيكية لا تستطيع إسرائيل القيام بها بسبب تركيبة الائتلاف الحالى. من هنا، فإن قرار الرئيس الأمريكى بشأن توظيف جهد سياسى فى اتفاق إسرائيلى ــ أمريكى مرتبط إلى حد كبير بقرار رئيس الحكومة نتنياهو تغيير تركيبة ائتلافه، أو الذهاب نحو الانتخابات.