نائب الرئيس سفيرًا - عماد الغزالي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 6:43 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نائب الرئيس سفيرًا

نشر فى : الإثنين 21 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 21 يناير 2013 - 8:00 ص

حين أعلن المستشار محمود مكى استقالته من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية، قال لنا فى أسباب الاستقالة إنه اكتشف أن العمل السياسى لا يناسبه، وأنه يفضّل أن يعود لسيرته الأولى كقاض، يحكم بين الناس بالعدل والقسطاس المستقيم.

 

وعرفنا فيما بعد، أن الرجل تقدم باستقالته أكثر من مرة ورفضها الرئيس، بما يعنى أنه كان مصّرا على موقفه، وأنه لم يكن سعيدا ولا مستريحا فى منصبه الجديد، لأن طبيعة السياسى وعمله وتقديراته ومواءماته، تختلف مع طبيعته كقاض لايرى ألوان الطيف، فالأمور عنده «يا أبيض.. يا أسود».

 

لكنه حين عرض عليه رئيس الجمهورية منصب سفير مصر فى الفاتيكان لم يتردد، وافق فورا، أو هكذا بدت لنا الأمور، لأنه لم يصرح لأى وسيلة إعلامية بأن ضغوطا مورست عليه ليقبل المنصب، ولم يصدر بيانا يوضح لنا لماذا قبل وظيفة «سياسية»، بعد أن أقر بكامل وعيه وإرادته أن هذا النوع من الأعمال لايناسب طبيعته الجادة الصارمة، وأنه طلّق للأبد ساس وسيس ويسوس.

 

طبعا لا أحد ينازع رئيس الجمهورية فى اختيار من يراه سفيرا، هذا حقه بموجب الدستور، وهو الحق الذى سبق له استخدامه لتعيين النائب العام السابق عبدالمجيد محمود فى المنصب ذاته، وإن اختلفت الأسباب فى الحالتين، ففى الحالة الأولى أراد أن يبعد محمود عن المشهد القضائى والسياسى دون أن يبدو متجاوزا فى حق السلطة القضائية، وهو ما رفضه النائب العام السابق وجموع القضاة.

 

أما فى الحالة الثانية، فقد أراد الرئيس أن يكرّم مكى لأسباب يقدرها هو ولا نعلم نحن عنها شيئا، فمنحه هذه العطية التى يحق له بموجب الدستور أن يمنحها لمن يشاء من رعاياه، حتى لو رأى البعض أن الترشيح للمناصب الدبلوماسية، حق أصيل لوزارة الخارجية المصرية، وهى وزارة عتيدة لها تقاليد راسخة، حتى لو طالها ما طال جميع مؤسسات الدولة من ترهل وفساد.

 

لكن ما استوقفنى فعلا ليس ما فعله الرئيس، فقد اعتدنا منه أفعالا كثيرة من هذا النوع، وبلغنا منه أنه يقول الشىء ويفعل نقيضه، وأنه يظهر عكس ما يبطن، ويميل مع هوى الجماعة والأهل والعشيرة، كما أنه عمل بوكالة ناسا ولم يعمل بها فى نفس الوقت كما قال لنا!.

 

ما استوقفنى حقيقة هو موقف نائب الرئيس المستقيل، ويحيرنى سؤال لا أتوقع منه إجابة عليه: إذا كنت لا ترى فى نفسك ما يؤهلك للعمل فى السياسة، فلماذا قبلت منصب السفير، أليست هذه الوظيفة عملا سياسيا بالدرجة الأولى، أم أن لك فيها قولا آخر؟ وإذا كنت تعتقد أن تكوينك النفسى والأخلاقى وخبراتك القانونية والمهنية لا تؤهلك لهذه الوظيفة، ألا يستفزك ضمير القاضى لتتراجع عن قبولها وتتركها لمن هو أجدر وأحق منك بها؟ أليس من شيم القضاة الترفع عن المغريات مهما كانت، والزهد فى العطايا مهما علا شأن مانحها، أليست العدالة «عمياء» إلا عن الحق والحقيقة؟

 

القضاة كما نعرفهم ونحب لهم أن يكونوا لا يغريهم ذهب المعز ولا يرهبهم سيفه.

 

فلماذا أقبلت على ما تكره، ودنوت مما كنت عنه تنأى؟

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات