التعاون المفكك بين الخليج والمغرب العربى - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:44 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التعاون المفكك بين الخليج والمغرب العربى

نشر فى : الأحد 21 يناير 2018 - 9:30 م | آخر تحديث : الأحد 21 يناير 2018 - 9:30 م
نشرت مؤسسة صدى كارنيجى مقالا للكاتب «جاك روسيلييه» ــ أستاذ العلاقات الدولية فى الجامعة العسكرية الأمريكية ــ والذى يتناول فيه العلاقات المعقدة بين دول المغرب العربى والخليج، وأنه على الرغم من الهوية العربية المشتركة، لم تُترجَم بعض المصالح والهموم المشتركة إلى روابط استراتيجية عميقة بين المغرب العربى ودول الخليج، بالإضافة إلى مواقف الخليج والمغرب العربى المتباينة من بعض القضايا العربية المحورية وخاصة تدخل الناتو فى ليبيا والأزمة القطرية الأخيرة.

يستهل الكاتب حديثه عن قرار الإمارات العربية المتحدة، فى 22 ديسمبر الماضى بفرض حظر على سفر التونسيات دون سن الثلاثين على متن الرحلات التابعة لشركة طيران الإمارات، لأسباب أمنية كما أُشيع. تُرجِع هذه الخطوة صدى الغضب الإماراتى من الزيارة التى قام بها الملك محمد السادس إلى الدوحة فى نوفمبر الماضى، عندما نشرت وسائل الإعلام القطرية صورة مركَبة ومزيفة للعاهل المغربى يحمل لافتة كُتِب عليها: «لكم العالم ولنا الأمير تميم». يعكس الحدثان العلاقات الدبلوماسية المعقَدة بين بلاد المغرب العربى والخليج. حتى فيما بدأ الأفرقاء فى الخليج يسعون إلى تفاعلات تكتيكية فى بعض المسائل الأمنية فى المغرب العربى، مثل الأزمة الليبية، تبقى المقاربة التى يعتمدونها خاضعة لنموذج من المنافسة بين الإمارات وقطر على التأثير الأمنى فى شمال إفريقيا. غير أن هذا التعاون الضيق ربما يُنبئ بتفاهم استراتيجى متعدد الأطراف وطويل المدى وأكثر نضوجا بين المغرب العربى ودول الخليج.

العلاقات بين دول المغرب العربى والخليج كانت تُحركها فى ما مضى هموم اقتصادية وتجارية وسياسية متباينة إلى حد كبير كانت تتسبب أحيانا بمنافسة بين تلك الدول. بيد أن الاقتصاد المغاربى، وعلى الرغم من تميزه بعلاقات تجارية وثيقة مع الاتحاد الأوروبى، يزداد تعقيدا وتنوعا مع قيام المغرب على وجه التحديد بتعزيز روابطه الاقتصادية مع القارة الإفريقية – وقد يتشبه هذا الاقتصاد بصورة متزايدة بالمساعى الاقتصادية العالمية لدول الخليج فى المدى الطويل. على سبيل المثال، وفقا للبنك الأفريقى للتنمية، حل المغرب فى العام 2016، فى المرتبة الخامسة بين قائمة المستثمرين فى القارة الإفريقية حيث الإمارات هى ثانى أكبر مستثمرة (والمستثمرة الكبرى فى المشاريع الجديدة). كذلك، لم تعد المصالح الأمنية لبلاد المغرب العربى تكمن حصرا فى الصحراء والساحل. فعلى ضوء الهجرة غير الشرعية فى ليبيا، أصبح عدم الاستقرار فى دول الساحل محط اهتمام أوروبا، حيث أثار صعود الحركات الشعبوية مخاوف من الإرهاب ما دفع بأوروبا والولايات المتحدة إلى السعى إلى تعاون أكبر مع بلدان المغرب العربى من أجل كبح تدفق المهاجرين وتمهيد الطريق أمام تعزيز التعاون فى الشؤون الأمنية الأخرى.

***

ويضيف الكاتب أنه على الرغم من الهوية العربية المشتركة، لم تُترجَم بعض المصالح والهموم المشتركة إلى روابط استراتيجية عميقة بين المغرب العربى ودول الخليج. أبعد من الجغرافيا، فإن الالتقاء المعقد بين العوامل التاريخية والثقافية والمجتمعية يجعل من الصعب تحقيق اندماج أكبر بين المغرب العربى ودول الخليج. بالنسبة إلى المغرب والجزائر على وجه الخصوص، العلاقات مع الخليج أقل استساغة أيضا من الناحية الاستراتيجية بالمقارنة مع العلاقات مع الدول الأفريقية. واقع الحال هو أنه كانت لدول الخليج بصمة أمنية فى المغرب العربى، فقد دعا مجلس التعاون الخليجى حلف شمال الأطلسى إلى التدخل فى الحرب الأهلية الليبية فى العام 2011، وكانت هذه خطوة أولى نحو ممارسة تلك الدول تدخلا أمنيا متزايدا فى المغرب العربى من دون التنسيق مع الولايات المتحدة. غير أن ليبيا عالقة الآن فى رحى المنافسة التى تخوضها دول الخليج فى المنطقة، فقطر تدعم الحكومة المعترَف بها دوليا فى طرابلس فى حين أن الإمارات تدعم حكومة طبرق سياسيا، وتؤمن الدعم العسكرى للواء خليفة حفتر المناهض للإسلاميين.

على الرغم من أن الأزمة الليبية ــ وكذلك الخلاف بين قطر ومجلس التعاون الخليجى الذى يزيد من التعقيدات والعراقيل أمام المحاولات المغاربية للتوسط بين الفصائل الليبية ــ أرغمت المغرب العربى ودول الخليج على السعى إلى إقامة تعاون ضيق بينهما فى هذه المسائل الإقليمية، إلا أن التنسيق بين الجانبَين مجتزأ ويأتى فى إطار رد الفعل، وليس تنسيقا استراتيجيا.

عارضت الجزائر تدخل الناتو فى ليبيا الذى تم بدفعٍ من دول الخليج فى العام 2011، فهى تفضل أن تستخدم معرفتها بالأفرقاء المحليين الأساسيين من أجل تأدية دور الوساطة للتوصل إلى تسوية سياسية. وحيادها المعلَن فى الأزمة القطرية يُخفى وراءه استياء من رهانات أبو ظبى فى ليبيا، كما أنه ينطلق من المصالح الدبلوماسية والاقتصادية المشتركة مع الدوحة: فقد استثمرت قطر مليارَى دولار فى بناء مصنع للفولاذ فى شرق الجزائر مثلا، وتعاونت مع السلطات الجزائرية من أجل دفع منظمة البلدان المصدِرة للنفط (أوبك) نحو التوصل إلى اتفاق لخفض الإنتاج. هذا فضلا عن أن تردد الجزائر فى معارضة بشار الأسد فى سورية، ورفضها تصنيف حزب الله أو حماس فى خانة التنظيمات الإرهابية، وإحجامها عن المشاركة فى التحالف الذى تقوده السعودية فى اليمن، قدمت برهانا لقطر بأنها تستطيع البناء على شراكتها مع الجزائر من أجل دفع هذا البلد الذى هو من كبار مصدرى الغاز فى العالم، إلى استخدام سياسته الخارجية المستقلة ونفوذه الاستراتيجى من أجل التصدى للأجندة السعودية والإماراتية فى الخليج. قد يدفع ذلك بالرباط إلى توطيد علاقاتها مع السعودية فى محاولة للوقوف بوجه الجزائر.

***

حتى المغرب ــ الذى يُنظَر إليه بأنه يُقيم العلاقات الأوثق مع دول الخليج بين بلدان المغرب العربى ــ اتخذ موقفا محايدا فى المسألتَين الليبية والقطرية، فبدا لمرةٍ وكأنه يلتقى مع الجزائر، جارته ومنافسته اللدودة. وفى حين أن رغبة الجزائر فى التوصل إلى حل عن طريق الوساطة فى ليبيا هى أولوية وطنية نظرا إلى المشاغل الأمنية التى تقض مضجعها عند حدودها مع ليبيا الممتدة على طول 982 كيلومترا (610 أميال)، الدعم المغربى للوساطة لغياب البدائل الأخرى ــ والذى نجح فى التوصل إلى اتفاق الصخيرات فى العام 2015 لتشكيل حكومة وحدة فى ليبيا ــ أشد مرونة، إذ إنه يستند إلى رغبة فى تعزيز المكانة الإقليمية أكثر منه إلى المخاوف الأمنية القومية. لتونس أيضا، شأنها فى ذلك شأن الجزائر، مصلحة أمنية فى التوصل إلى تسوية للنزاع الليبى، لكنها كانت أقل حيادا فى أزمة الخليج. فقد تمتعت بعلاقات ودية مع قطر حتى مع تدهور علاقاتها مع الإمارات ــ ثانى أكبر شركائها التجاريين بعد ليبيا ــ على خلفية المحاولات الإماراتية للتدخل فى السياسة الداخلية التونسية بهدف كبح الإسلام السياسى وتأثير حزب النهضة. نظرا إلى الدعم المغربى للسياسات السعودية حول إيران والتدخل العسكرى فى اليمن، ليست للرباط أيضا القدرة نفسها كما الجزائر على الحفاظ على الحياد فى ما يتعلق بالحصار الدبلوماسى والاقتصادى على قطر –ــ على الرغم من أنها تفضل أن تتمكن من الاستمرار فى الحصول على الاستثمارات والمساعدات المالية من الدوحة.

***

لقد عمدت السعودية إلى توطيد علاقاتها مع المغرب، عبر التعهد بتقديم مئة مليون دولار فى ديسمبر الماضى لمؤازرة القوة المشتركة المعروفة بمجموعة دول الساحل الخمس، والمدعومة من فرنسا والمغرب، والتى تتألف من خمسة آلاف جندى من دول الساحل، والهدف منها محاربة المجموعات المسلحة ووضع حد للهجرة غير الشرعية. لا يؤدى ذلك فقط إلى توسيع الانخراط السعودى فى شمال إفريقيا، إنما يساهم أيضا فى التقريب بين المصالح المغربية والسعودية، ويتسبب بمزيد من التهميش للجزائر ــ التى ظلت خارج مجموعة دول الساحل الخمس جراء خصومتها مع المغرب. وقد يكون الدعم السعودى ــ وصفقات الأسلحة المحتملة مع فرنسا التى قد تتأتى عن الانخراط الفرنسى المتزايد فى المغرب العربى ــ محاولة أيضا لتحسين العلاقات مع باريس التى تأمل بأن تحل مكان لندن فى موقع القناة الموثوقة من الرياض فى الاتحاد الأوروبى عندما تنسحب المملكة المتحدة من الاتحاد.

فى غضون ذلك، ربما أكد الخلاف القطرى مع البحرين والسعودية والإمارات شكوك الدول الخليجية الأخرى بأن قطر مستعدة للتخلى عن الالتزام الأمنى الجماعى فى إطار مجلس التعاون الخليجى سعيا وراء تنفيذ سياستها الإقليمية الخاصة ــ مع العلم بأن تصرفات تلك الدول لم تبقِ من خيار آخر أمام قطر. تسبب الحصار على قطر بتعطيل قمة دول مجلس التعاون الخليجى فى مطلع ديسمبر الماضى، ما قوض أكثر فأكثر ادعاء المجلس بأنه المنتدى الأمنى الإقليمى الأساسى والحصن الأمامى فى المساعى الآيلة إلى احتواء إيران. 

وختاما يذكر الكاتب أنه بغض النظر عما ستؤول إليه الأزمة، غالب الظن أنها ستؤثر بدورها فى السياسات المغاربية تجاه الخليج، مع سعى الجزائر والرباط إلى الإفادة من تطلعات شركائهما الخليجيين المفضلين فى شمال أفريقيا من أجل تعزيز مصالحهما فى منطقة الخليج. بغية معالجة المشاغل العابرة للأوطان والأقاليم التى حلت مكان المقاربات الجيوستراتيجية للعلاقات بين الخليج والمغرب العربى، من الأجدى بالفريقَين التخلى عن دبلوماسية الصفقات وإطلاق حوار استراتيجى وأمنى أكثر نضوجا وشفافية.

النص الأصلي
التعليقات