بدأ استخدام عام ميلاد المسيح كبداية للتقويم اليوليانى الغربى على يد الراهب ديونيسيوس أكسيجوس فى القرن السادس الميلادى. إلا أن المراجعات الحديثة أثبتت خطأ طريقته فى حساب سنة ميلاد المسيح، حيث ثبت أن هيرودوس ملك اليهودية، والذى كان معاصرًا لحدث الميلاد مات سنة 4 قبل الميلاد وفقًا لحساب ديونيسيوس. بينما أنه من المعروف أن المسيح ولد قبل وفاة هيرودوس بنحو عامين، أى فى العام 6 قبل الميلاد. ولكن حال انتشار استخدام هذه الطريقة دون تصحيحها وبقيت مستخدمة معنا إلى الآن.
على الجانب الآخر ومع مرور السنين، لاحظ علماء الفلك فى الغرب أن الاعتدال الربيعى (أى اليوم الذى يتساوى فيه الليل بالنهار فى بداية فصل الربيع فى نصف الكرة الشمالي) لم يعد يقع يوم 25 مارس، كما تم ضبطه عند بداية إقرار التقويم اليوليانى فى العام 45 ق.م، حيث أصبح يوم 21 مارس فى القرن الرابع الميلادى وقت مجمع نيقية المسكونى ثم يوم 11 مارس فى القرن السادس عشر الميلادى. وتأتى أهمية موعد الاعتدال الربيعى كونه مرتبط مباشرة بطريقة حساب عيد القيامة الذى تم الاتفاق عليه بين الكنائس فى مجمع نيقية فى القرن الرابع. ولحسم هذه المشكلة قرر البابا جريجوريوس الثالث عشر بابا روما الاستعانة بعدد من علماء الفلك لحساب السنة المدارية بدقة حيث وجدوا أنها ليست ٣٦٥ يومًا و٦ ساعات كما كان يتم حسابها فى التقويم اليوليانى بل هى فى المتوسط 365 يومًا و٥ ساعات و48 دقيقة و45 ثانية. وهذا هو ما جعل الاعتدال الربيعى فى القرن السادس عشر يأتى متأخرًا 13 يومًا عن موعده عند بدء التقويم اليوليانى و10 أيام عن موعده وقت مجمع نيقية.
ولأن كنيسة روما كانت تريد أن يستمر حساب عيد القيامة كما هو، أى بناء على اعتدال ربيعى يقع يوم 21 مارس كما قرر المجمع. قرر البابا جرجوريوس حذف عشرة أيام من التقويم اليوليانى ليقع الاعتدال الربيعى يوم 21 مارس مرة أخرى بدلًا من 11 مارس. وتم التنفيذ فى أكتوبر ١٥٨٢ عن طريق حذف عشرة أيام من التقويم بجعل يوم ١٥ أكتوبر هو التالى مباشرة ليوم ٤ أكتوبر فى تلك السنة.
ولكى لا يحدث خطأ جديد فى التقويم تم إقرار تعديل للتقويم بجعل بعض السنين التى تقبل القسمة على ٤ ليست بسنوات كبيسة لتقليل عدد الأيام الزائدة وتعويض فرق الـ11 دقيقة هذا. وأصبحت القاعدة الجديدة للسنوات الكبيسة هى جعل السنوات التى تقبل القسمة على ١٠٠، ولا تقبل القسمة على ٤٠٠ سنوات ليست بكبيسة.
أقرت كل الدول التى تتبع الكنيسة الكاثوليكية هذا التعديل فورًا بداية من الإمارات البابوية وممالك ومدن إيطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال وكل الممالك الكاثوليكية الأخرى ومستعمراتها بالعالم الجديد ثم توالى اتباعه فى أوروبا البروتستناتنية تباعًا بعد مقاومة لعشرات السنوات، وسمى التقويم الجديد بالتقويم الجريجورى نسبة للبابا الذى تبنى هذا التقويم.
• • •
أما فى مصر فقد استمر الاعتماد على التقويم القبطى وفى الشرق واليونان وشرق أوروبا الأرثوذكسى استمر الاعتماد على التقويم اليوليانى كالمعتاد. وهو ما أدى إلى أنه فى تلك السنة التى حدث فيها التعديل الجرجورى للتقويم (عام ١٥٨٢) عندما حل يوم عيد الميلاد فى ٢٥ ديسمبر ١٥٨٢ كانت مصر ما زالت فى يوم 18 كيهك. وبالتالى أصبح عيد الميلاد الذى يحتفل به وفقًا للتقويم القبطى يوم ٢٩ كيهك موافقًا ليوم ٤ يناير فى التقويم الجريجورى. وبالتبعية أصبحت بداية العام القبطى (1 توت) توافق يوم 8 سبتمبر بدلًا من 29 أغسطس. بينما ظل العيد فى دول شرق أوروبا ٢٥ ديسمبر (وفقًا للنظام القديم) الموافق كذلك ليوم ٤ يناير فى التقويم الجريجورى الجديد.
لم نشعر فى مصر بهذا الفرق إلا عندما تبنى الخديو إسماعيل عام 1875 التقويم الجريجورى (الإفرنجى كما كانوا يسمونه وقتها) فى المعاملات الحكومية بدلًا من التقويم الهجرى وبديلًا عن التقويم القبطى فى الزراعة. وقتها كان قد أصبح يوم ٢٩ كيهك يوافق ٦ يناير نتيجة تراكم الفرق بين التقويمين. وبالمثل أصبح ٢٥ برمهات (الاعتدال الربيعى نظريا والذى بناء عليه يحسب عيد القيامة) يوافق يوم ٢ أبريل. وكذلك أصبحت رأس السنة القبطية توافق يوم 10 سبتمبر.
ولأن عام ١٩٠٠، وفقًا للتعديل الجريجورى ليس سنة كبيسة، بينما فى التقويم القبطى كل أربع سنوات هناك سنة كبيسة دون استثناءات زاد بعدها يوم إضافى للتقويم القبطى فتحرك عيد الميلاد إلى ٧ يناير بدلًا من ٦ يناير ورأس السنة من 10 سبتمبر إلى 11 سبتمبر. كذلك تحرك 25 برمهات الذى يوافق الاعتدال الربيعى النظرى إلى 3 أبريل، وهو ما جعل الفارق بين موعد عيد القيامة فى الشرق والغرب يزداد. بينما بقى الوضع كما هو فى القرن الواحد والعشرين كون سنة 2000 وفقًا للتعديل الجريجورى سنة كبيسة.
على مدى السنوات التالية لتبنى التقويم الجريجورى من قبل الكنيسة الكاثوليكية، بدأت الدول فى أوروبا والعالم فى تبنى التقويم تدريجيًا، وكان آخرهم فى أوروبا روسيا عام 1917 ثم رومانيا ويوجوسلافيا فى 1918، وأخيرًا اليونان عام 1923.
أصبح التقويم الجريجورى هو التقويم العالمى المتفق عليه، خصوصًا مع ثورة الاتصالات التى جعلت العالم كله وحدة واحدة، وأرغمت الجميع على اتباع تقويم موحد. إلا أن الوضع لم يكن كذلك على المستوى الدينى، فرغم قبول معظم دول شرق أوروبا بالتقويم واستخدامه فإن الكنائس الأرثوذكسية الشرقية بهذه الدول رفضت تبنى التقويم الجريجورى (لأنه فى نظرهم كاثوليكى).
• • •
لحل هذه المشكلة عُقد مجمع أرثوذكسى مسكونى فى القسطنطينية (اسطنبول) عام 1923 لمناقشة التقويم. تم فى هذا المجمع تبنى اقتراح العالم الفلكى الصربى ميلوتين ميلانكوفيتش بإصلاح التقويم اليوليانى الذى تستخدمه هذه الكنائس وإقرار تقويم يوليانى مراجع أدق حسابيا من التقويم الجريجورى عن طريق زيادة عدد السنوات القابلة للقسمة على 100 المستثناة من كونها سنوات كبيسة (كل السنوات التى تقبل القسمة على 100 ليست كبيسة عدا السنوات التى عند قسمتها على 900 يتبقى 200 أو 600) ووفقا للتقويم الجديد أصبحت التواريخ مطابقة مع تواريخ التقويم الجريجورى، وستستمر كذلك حتى العام 2800 حين يبدأ الفرق الحسابى الذى وضعه ميلانكوفيتش فى الظهور. وأقرت هذا التعديل تباعا كنائس القسطنطينية واليونان وأنطاكية وبلغاريا وبولندا ورومانيا وألبانيا والاسكندرية (للروم الأرثوذكس) ورفضتها كنائس القدس وروسيا وصربيا وجورجيا وأصروا على الاستمرار وفقا للتقويم اليوليانى القديم.
هكذا أصبحت اليونان ورومانيا على سبيل المثال تعيد الميلاد يوم 25 ديسمبر مثل الغرب، بينما روسيا وصربيا ما زالت تعيده يوم 7 يناير. ورغم تعديل التقويم وتحريك كافة الأعياد الثابتة لتوافق التقويم الجديد فإن كل الكنائس الأرثوذكسية الشرقية مازالت تحسب موعد عيد القيامة طبقًا للتقويم اليوليانى قبل تعديله ومعه كل الأعياد المتغيرة الأخرى.
استمرت الكنائس الأرثوذكسية المشرقية، وهى كنائس: (الإسكندرية للأقباط الأرثوذكس - أنطاكية للسريان الأرثوذكس - الرسولية للآرمن الأرثوذكس - التوحيدية الأرثوذكسية الإثيوبية - التوحيدية الأرثوذكسية الأريترية) فى استخدام التقويم اليوليانى أو تقويمها الخاص المشابه للتقويم اليوليانى مثل التقويم القبطى فى حالة الكنيسة القبطية والتقويم الإثيوبى فى حالة كنيسة إثيوبيا وإريتريا حتى الآن. ولكن بعد تبنى معظم الكنائس الشرقية للتقويم الجريجورى فى الأعياد الثابتة، بدأ هذا الموقف فى التغير فتبنت كنيسة الأرمن الأرثوذكس التقويم الجريجورى فى عام ١٩٢٣ وكذلك كنيسة أنطاكية للسريان الأرثوذكس التى تبنته عام ١٩٥٤. ولهذا ورغم اتفاق الكنائس المشرقية فى الإيمان فإنها تختلف فى موعد الاحتفال بعيد الميلاد، بينما تتفق فى موعد وطريقة حساب عيد القيامة وفقًا لتقويمها الخاص مثل الكنيسة القبطية أو وفقًا للتقويم اليوليانى. وبالتالى أصبح الغالبية العظمى من كنائس العالم تتبع التقويم الجريجورى (أو اليوليانى المعدل الشبيه به) فى الأعياد الثابتة وتحتفل بعيد الميلاد يوم ٢٥ ديسمبر. ولم يبقَ على التقويم القديم سوى كنائس الإسكندرية للأقباط الأرثوذكس والكنيسة التوحيدية الإثيوبية وكنيسة روسيا وكنيسة صربيا وكنيسة جورجيا.
ولكن هل يجب على الكنيسة القبطية تصحيح التقويم القبطى أو تعديله بعد اكتشاف هذا الخطأ المتراكم به؟ وإن كان ذلك ضرورى فبأى طريقة؟