من قائل هذه العبارة «نريد أن نغلق باب الحروب ونفتح الأبواب للتقدم والسلام والحب والتعاون والتنمية الحقيقية والحل هو دولتان على أن تكون القدس عاصمة دينية لكل العالم» طرحتُ السؤال على خمسة من الزملاء والزميلات فأصابتهم الحيرة، ليس لأنها عبارة غريبة بل لأنها من كثرة تكرارها على ألسنة عديدة أصبح البحث عن أب شرعى لها أشبه بالبحث عن قطة سوداء فى غرفة مظلمة.
بعضهم قال ربما كوندليزا رايس، أو مادلين أولبرايت، ويحتمل تسيبى ليفنى، ومن أردا الحل الأسهل منهم قال إنها عبارة تجرى على الألسنة بلا أى معنى منذ توقيع معاهدة «لا مؤاخذة السلام» كما يجرى لاعب فاشل بدون كرة طوال المباراة.
غير أن قائل العبارة للأسف ليس من رجال ولا حتى حريم السياسة الأمريكية، هو الزعيم أيمن نور الهدية التى أخرجها الله من السجن ومنحها للمصريين.
دقق فى العبارة مرة أخرى ستكتشف أنها من كثرة استعمالها فى مطابخ وحمامات السياسة الإقليمية والدولية تحولت إلى واحدة من الإفيهات المكرورة فى أرشيف السياسة، تماما مثل عبارة «الحب يا بنتى بييجى بعد الجواز» فى التراث السينمائى المصرى بامتداد القرنين العشرين والحادى والعشرين.
مبكرا للغاية يعلن «نور» عن نفسه، يتماهى إلى أبعد درجة مع مفردات الدبلوماسية الأمريكية والغربية ومحدداتها فيما يتعلق بالصراع فى الشرق الأوسط، علمته تجربة السجن أن أمريكا والغرب قد تغض الطرف أحيانا وكثيرا عن مسائل الديمقراطية والحريات، فهى تستخدمها وقت اللزوم لتطويع من تريد أو ابتزازهم والحصول منهم على أهدافها المحددة مسبقا، لكنها لا تتسامح إطلاقا مع أى خروج عن الأدوار المرسومة للجميع على مسرح إدارة الصراع العربى الإسرائيلى، يمكنك أن تتشدد ولكن تحت سقف معين، والويل لمتجاوزى هذا السقف، انظر مصير صدام حسين وغيره ممن بقوا يعتبرون إسرائيل عدوا.
باختصار، من تبنى دبلوماسية الدولتين فهو آمن، ومن دخل حظيرة ثقافة السلام فهو آمن، ذلك هو الدرس الذى وعاه كل من يريد البقاء لأطول فترة ممكنة فى السلطة، وكل من يحلم بأن يكون يوما فيها.
وفى حواره مع «الشروق» أمس يكشف أيمن نور أوراقه، ويثبت أن طريقه الثالث لا يختلف عن طريقهم الأول، وما بينهما من اتفاق أكبر بكثير من التناقض، مادامت كل السكك تؤدى إلى واشنطن، وكلها للأسف «سكك بطالة».