خلال السنوات الثلاث الماضية ومنذ ثورة 25 يناير حتى الآن والإعلام لا يكف عن تحذيرنا من المؤامرات الأمريكية والأوروبية والأشتونية (كاثرين آشتون) سواء تأييدا لمبارك ونظام مبارك أو تأييدا للإخوان فيما بعد وحتى اللحظة.
لذلك فعندما انتقل الحوار الذى أجراه الإعلاميان الشهيران لميس الحديدى وإبراهيم عيسى إلى الشأن الخارجى، كان الناس تواقون إلى أن يعرفوا رأى المشير فى القناعات التى ثبتت فى أذهانهم حول أوباما الإخوانى وأخيه غير الشقيق المنتمى للتنظيم، وأوروبا التى أصبح أعز أحلامها أن ترى الإخوان على قمة السلطة فى مصر، وكاثرين آشتون المتآمرة مع البرادعى وزياراتها المريبة للإخوان فى السجون. وعندما طرح السؤال على الرئيس المرتقب كان التوقع لدى الكثيرين أن يقول السيسى فى أمريكا وأوروبا ما قال مالك فى الخمر ولكنه خيب ظنهم. فعن أمريكا كان رده فى شكل سؤال وهو ماذا تريد أمريكا من مصر وأجاب أنها تريد أن تكون مصر مستقرة وكذلك أوروبا، فقناة السويس شريان حياة بالنسبة لهم. وأبدى تفهما لموقف أمريكا من 30 يونيو والتمس لهم الأعذار مشيرا إلى أن «القوانين الأمريكية تعتبر أى تدخل للجيش لإزاحة رئيس منتخب انقلابا»، وهذا يدل على فهم دقيق للعلاقات الدولية وأسلوب صنع القرار فى الديمقراطيات الغربية.
وعندما سأل عن زيارة آشتون ووزير خارجية قطر لمرسى فى محبسه مما اعتبره المحاوران تدخلا سافرا فى الشئون الداخلية لمصر، قال: ليس قطر فقط بل الإمارات أيضا وهو ليس تدخلا بل جهدا يبذل من أجل التسوية.. إذن فالبرادعى لم يكن بدعا من البشر، وأظن أن السيسى قال إن الدنيا قد تغيرت، وهى قد تغيرت بالفعل.. مفاهيم كثيرة قد تغيرت والفارق أصبح كبيرا بين النظام العالمى الذى تأسس فى منتصف القرن الماضى والنظام العالمى فى القرن الحادى والعشرين ودول كثيرة قد قبلت طوعا التنازل عن جزء من سيادتها للنظام الدولى، فالمحكمة الجنائية الدولية ما هى إلا تدخل فى الشئون الداخلية واتفاقيات حقوق الإنسان التسعة المنضمة إليها مصر ما هى إلا قبول بولاية المجتمع الدولى فى نطاق هذه الاتفاقات.
•••
للأسف لم أسمع سؤالا عن المصالحة الفلسطينية وموقف مصر، وباعتقادى أنها تصب فى صالح مصر. لأن الذى حدا بحماس إلى قبول ما كانت ترفضه هو أنها فقدت جميع حلفائها.. فالحليفان الرئيسيان وهما سوريا وحزب الله منغمسان فى حرب وجود أو لا وجود.. ولا وقت لديهم لحماس أو للقضية الفلسطينية.. بل الأمر فى سوريا أخذ شكل التقسيم الشيعى السنى.. ولم يعد لحماس مكان فى هذا الخضم.. ولا شك أن المصالحة الوشيكة بين إيران والولايات المتحدة كانت أيضا فى حسابات حماس.. ولم يبق لحماس إلا قطر وهى بدورها تلملم نفسها تدريجيا بعد اتفاق الرياض.. إذن فلم تذهب حماس إلى السلطة الفلسطينية طوعا بل كرها.
إذا ما تمت هذه المصالحة وعادت السلطة الفلسطينية الشرعية لغزة فيمكننا إعادة فتح معبر رفح الرسمى بالشروط التى كان يدار بها قبل استيلاء حماس على السلطة، وهكذا تنتفى الحاجة إلى الأنفاق المخصصة لتهريب السلع والتى كانت تجارة ضخمة رائجة، ويسهل على قواتنا المسلحة السيطرة على عمليات تهريب السلاح والمخدرات. كما أن فتح معبر رفح يرفع عنا وزر المشاركة فى حصار إخوتنا فى غزة ويتيح لنا التركيز على الخطر الأكبر القابع على حدودنا الشرقية مع ليبيا، ولكن بشرط تعديل ملاحق معاهدة السلام بما يكفل تواجدا دائما وفعالا و«قانونى» للقوات المسلحة البرية والبحرية والجوية فى المنطقتين ب وج من سيناء.
•••
وقد كتبت كثيرا حول هذا الموضوع وقدمت مذكرات للخارجية وللسيد الرئيس عدلى منصور بل وأثرت الموضوع معه فى أحد الاجتماعات التى عقدها سيادته مع رؤساء الأحزاب. وأوضحت أن المطلوب ليس تعديلا للمعاهدة بل تفعيل لأحد بنودها وهو البند الخاص بمراجعة الترتيبات الأمنية الواردة بالملحق العسكرى الذى لم نستخدمه ولو مرة واحدة خلال الـ35 سنة التى مرت على معاهدة السلام. صحيح أن إسرائيل لم ترفض أى طلب لقواتنا المسلحة إذا ما دعت الحاجة للقيام بعمليات لحماية الأمن القومى فى المنطقة ج الملاحقة للحدود ولكنها فى كل مرة تشترط أن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل بدء هذه العمليات. ولذا فإنى أناشد من بيده الأمر ألا يترك الأمر معلقا على الموافقة الإسرائيلية التى قد تمنح أو تمنع وفقا للظروف السياسية السائدة.
أذكر للمستشار الرئيس عدلى منصور أنه أجابنى على طلبى بسؤال قائلا هل ترى أن الوقت مناسبا لإثارة هذا الموضوع؟ وأتفق تماما مع سيادته فى أهمية اختيار التوقيت المناسب وأرى أن التوقيت المناسب قد أصبح فى مرمى البصر بعد انتخاب الرئيس الجديد وانعقاد البرلمان الجديد.