رمضان حدائق القبة لا يختلف كثيرا عن رمضان بروكلين أو سان فرانسيسكو. رمضان الولايات المتحدة، إذا ما تغاضينا عن الاختلاف بين أبناء الجاليات المسلمة حول تحديد بداية ونهاية الشهر، يعتبر شهرا مثاليا تتجسد فيه المعانى الأصيلة والحقيقية للصيام خاصة إذا ما أضفنا إلى ذلك أن اختيار الفرد بالصيام والالتزام الأخلاقى الزائد الذى ينبع من قناعة شخصية، وليس من خوف من قوانين المجتمع أو تقاليد الأسرة كما هو الحال عند الكثيرين فى مصر.
أما فيما يتعلق بموعد بدء شهر رمضان، وكما هى العادة عندنا، يظهر هذا الانقسام بين مسلمى الولايات المتحدة حول أول أيام شهر رمضان الكريم، بما يعكس اختلاف بدايات رمضان من دولة إسلامية إلى أخرى. الكثير يبدءون صيام الشهر الكريم مع دولهم الأم، فى حين يقرر آخرون الانتظار إلى حين إعلان الاتحاد الإسلامى لدول أمريكا الشمالية (ISNA)، والتى تعد من أكبر المنظمات الإسلامية فى الولايات المتحدة وكندا، عن أول أيام الشهر الكريم. وكان الجمعة الماضى هو أول أيام الشهر الكريم رسميا فى أمريكا الشمالية.
وهناك بعض الاستعدادات غير التقليدية تتزامن مع حلول شهر رمضان فضلا عن الاستعدادات التقليدية لاستقبال الشهر الكريم. فقد اعتاد الشهر الكريم أن يشهد قيام قادة الجالية الإسلامية من خلال المساجد والمراكز الإسلامية بدعوة المسلمين إلى إحياء شعائر الشهر الكريم، وإعلان هذه المراكز عن برامج روحية وتثقيفية وترفيهية لمرتاديها من أبناء الجالية. كذلك يقوم الناشطون من رابطة الطلاب المسلمين فى مختلف الجامعات الأمريكية بإرسال برنامج الشهر إلى زملائهم من المسلمين وغير المسلمين ودعوتهم إلى المشاركة فى حفلات الإفطار الجماعية. كذلك تستعد المطاعم والمقاهى العربية لاستقبال أعداد كبيرة من الزبائن فى الفترة الممتدة من موعد الإفطار، الذى جاء فى أول أيام الشهر الكريم فى تمام الثامنة والنصف مساء، وحتى انتهاء وقت السحور قرب الرابعة والنصف فجرا. كما يحرص المسلمين على التوجه خلال الأيام التى تسبق حلول شهر رمضان لشراء احتياجاتهم خاصة من التمور والياميش إضافة إلى المشروبات التقليدية. كذلك يدعم المسلمون بعضهم بعضا فيما يتعلق بالاستعداد النفسى لتعديل مواعيد النوم والاستيقاظ، وانشغال الأسر فى التفكير فى قوائم المدعوين وأفضل الأوقات لدعوة المعارف والأصدقاء لتناول الإفطار أو السحور.
كما أن هناك استعدادات تقليدية تشهدها الأيام القليلة السابقة لشهر رمضان لا تتعلق بالجالية، ولكن بالحكومة والإعلام الأمريكى، حيث تحرص الإدارة الأمريكية منذ سنوات على توجيه التهانى للمسلمين فى الولايات المتحدة والعالم بحلول شهر رمضان، كما يستعد كل من البيت الأبيض ووزارة الخارجية بتوجيه الدعوة لرموز وقيادات الجالية المسلمة لحضور حفلى إفطار. ومنذ منتصف التسعينيات تعكس هذه الممارسات تكريما للمسلمين الأمريكيين والاعتراف بأهميتهم وأهمية الدين الإسلامى كدين سماوى يعتبر الأسرع نموا فى الولايات المتحدة. وهنأ الرئيس الأمريكى باراك أوباما المسلمين فى أمريكا والعالم بحلول شهر رمضان، معتبرا أن هذه المناسبة تذكر بدور الإسلام فى دفع العدالة والتقدم والتسامح.
أما الإعلام الأمريكى فيشهد كتابات ومقالات خاصة تلقى الضوء عن ماهية الصوم وأنشطة المسلمين الأمريكيين خلال شهر رمضان.
ويمكن لأى فرد أن يستشعر أجواء رمضان قبل حلوله بليلة أو ليلتين من كم الزحام والإقبال على المتاجر العربية والإسلامية لشراء احتياجات الشهر الكريم. وزاد الازدحام خلال الأسبوع الماضى خاصة فى المحال التى تبيع «اللحوم المذبوحة طبقا للشريعة الإسلامية»، وهى محال منتشرة أيضا فى أغلب مناطق تركز الجاليات الإسلامية. وتتضاعف المبيعات طول شهر رمضان وفى مناسبة استعدادا لتجمعات ودعوات الأهل والأصدقاء. ويؤكد أحد أصحاب المحلات العربية أن مبيعات الأغذية خلال شهر رمضان تعادل ثلث حجم المبيعات السنوية.
ولا تختلف طرق الاحتفال برمضان بين مسلمى أمريكيا عنها فى مصر، فبمجرد معرفة موعد بدء الشهر الكريم يتبادل المسلمون التهانى، وتمتلئ المقاهى والمطاعم العربية المنتشرة فى مختلف ولايات أمريكا بالشباب يتبادلون عبارات التهنئة سواء كانت باللغة العربية أو الانجليزية. كذلك يتم متابعة البرامج والمسلسلات العربية وكأنك فى مصر تماما.
ورغم عدم اعتبار المناسبات الدينية الإسلامية عطلة رسمية حكومية أو ذات طبيعة خاصة، إلا أنه مع تنامى معرفة المجتمع الأمريكى بالإسلام والمسلمين أصبح الكثير من المؤسسات التعليمية والاقتصادية وأصحاب الأعمال والشركات تتفهم حق المسلمين فى الاحتفال بأعيادهم والصيام وما يتطلبه ذلك من تعديل بعض مواعيد تناول الطعام، وترتيبات أوقات الصلاة. كذلك توصى إدارات الجامعات والمدارس الأساتذة بعدم عقد اختبارات فى أيام الاحتفال الدينية وعدم تكليف الطلاب بواجبات منزلية مجهدة.
وتقيم كل المساجد الأمريكية صلوات التراويح، وتكتظ بالمصلين من مختلف جنسيات العالم. وتتميز مساجد أمريكا بأنها أكثر من مجرد مكان للعبادة، فمعظم المساجد تحتوى على مكتبات كبيرة، ومدارس لتعليم اللغة العربية ولتحفيظ القرآن الكريم، إضافة لقاعات المناسبات الدينية والاجتماعية والترفيهية. وفى الوقت الذى كانت فيه مساجد أمريكا تتميز بصغر مساحتها خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضى، بدأ المسلمون خلال السنوات العشرين الأخيرة فى بناء مساجد ضخمة لتستوعب الأعداد المتزايدة منهم خاصة مع بروز الجيل الثانى من أبناء المهاجرين المسلمين.
ولا يعرف أحد بدقة أعداد المواطنين الأمريكيين المسلمين، لأن الإحصاءات الرسمية الأمريكية لا تأخذ الدين (العقيدة) بعين الاعتبار لأنه يعد أحد أهم الحقوق والحريات الإنسانية الخاصة التى لا يجب أن تتدخل فيها الدولة. إلا أن مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، وهو أحد أهم منظمات المسلمين الأمريكيين قدر العدد مؤخرا بحوالى 6 ملايين مسلم، فى حين قدرهم مركز بيو للدراسات، وهو أحد المراكز الجادة، بما يقرب من 2.35 مليون مسلم، لديهم ما يقرب من 2500 مسجد يتوزعون فى كل الولايات الأمريكية الخمسين.
رمضان حدائق القبة لا يختلف كثيرا عن رمضان سان فرانسيسكو عند الكبار منا. إلا أنه عندما يتعلق الأمر بطقوس ومظاهر ومعانى الشهر الكريم عند أطفال حدائق القبة، فلا يمكن مقارنته بأى رمضان آخر، لا أمريكى ولا غيره.