صارت عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية لعبة سخيفة. وبات واضحا أن جميع الأطراف مازالت تؤدى المشاهد القديمة نفسها فحسب، بالعبارات القديمة المبتذلة ذاتها، والتى لم يعد هناك أحد يصدق أيا منها. فلا توجد مشاهد رومانسية ولا لقطات إثارة أو حاجة ملحة، ولا يوجد حتى إحساس بالأهمية. فالواقع أن عملية السلام لا تسير اليوم إلا بالقصور الذاتى والروتين الدبلوماسى. نعم، لقد غادرت عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية عالم الدبلوماسية.
وهى الآن ليست سوى تمرينات رياضية، مثل حمل الأثقال، وتمرينات البطن، يؤديها الدبلوماسيون ليحافظوا على لياقتهم، وليس لأنهم يصدقون أن شيئا ما سوف يحدث أو يتغير. ومع ذلك، فبقدر ما نعرف، نحن المتفرجين، أن هذا صحيح، لن نستطيع أبدا التخلى عن أمل تحقيق السلام فى الأرض المقدسة. فتلك عادتنا. وفى الواقع، عندما تحدثت ذات يوم إلى صديق أردنى بهذا الشأن، قال: إن هذا كله يذكره بقصة قديمة.
قال هذا الصديق: «يشاهد شخصان فيلما عن رعاة البقر والهنود. وفى مشهد البداية يختبئ هندى خلف صخرة متربصا براعى البقر، فيقول أحد الرجلين للآخر: أراهن أن ذلك الهندى سوف يقتل راعى البقر، فيجيبه الآخر: «لن يحدث ذلك؛ فراعى البقر لن يقتل فى مشهد البداية. فيقول الأول: أراهنك بعشرة دولارات على أنه سيقتل. ويرد صديقه وأنا أقبل الرهان. وبالطبع يقتل راعى البقر بعد بضع دقائق، ويدفع الصديق الدولارات العشرة. وبعد انتهاء الفيلم يقول الرجل لصديقه: يجب أن أعيد لك الدولارات العشرة.. فأنا فى الواقع شاهدت هذا الفيلم من قبل. وكنت أعرف ما سيحدث. فيجيبه صديقه: كلا، يمكنك الاحتفاظ بالدولارات العشرة. فقد شاهدت الفيلم أيضا. لكننى ظننت فقط أنه سينتهى على نحو مختلف هذه المرة».
وفى فيلم عملية السلام، لن نشهد نهاية مختلفة لمجرد أننا نواصل أداء الرقصة نفسها. وقد حان الوقت لاتباع نهج جديد جذريا.. وأعنى هنا جذريا بحق. أى أن يكون شيئا لم تجرؤ أى إدارة أمريكية على القيام به، وهو أن تسقط لافتة «نحن نصنع السلام» وتعود أدراجها.
نحن الآن نرغب فى تحقيق السلام أكثر من أطراف الصراع أنفسهم، فهم جميعا اليوم لديهم أولويات أخرى. وقد صرنا بمواصلة إقحام أنفسنا مخدرا موضعيا لهم. فنحن نخفف الألم السياسى بالكامل عن صانعى السياسة العرب والإسرائيليين من خلال خلق انطباع لدى جماهير الطرفين بأن شيئا مهما يحدث. «انظر، وزيرة الخارجية الأمريكية هنا. انظر، إنها تقف إلى جانبى. انظر، إننى أؤدى أمرا مهما! التقط لنا صورة. ضعها فى الأخبار. إننا نمثل أمرا كبيرا فعلا، وأنا لاعب أساسى فيه».
وهو ما يتيح لزعماء الجانبين مواصلة أولوياتهم الحقيقية ــ وجميعها تدور حول الاحتفاظ بالسلطة أو السير وراء هواجس أيديولوجية ــ بينما يتظاهرون بدفع السلام، من غير دفع أى ثمن سياسى.
فلننسحب من الصورة فحسب. ولنترك جميع هؤلاء القادة فى مواجهة شعوبهم، ليقولوا لهم الحقيقة: «إخوانى المواطنون: لا شىء يجرى، ولن يحدث شىء. وليس هناك سوى أنا وأنتم والمشكلة التى تخصنا».
وفى الواقع، لقد حان الوقت كى ننفض الغبار عن فكرة جيمس بيكر: «عندما تكون جادا، اتصل بنا على رقم البيت الأبيض واسأل عن باراك. وإلا، فلتبق بعيدا عن حياتنا، فإن علينا إصلاح بلدنا».
والحقيقة أن المرات التى استطاعت فيها أمريكا دفع السلام ــ عقب حرب يوم الغفران ــ 6 أكتوبر، وكامب ديفيد، وما بعد حرب لبنان، ومدريد وأوسلو ــ كانت عندما بلغ الألم بالأطراف، لأسباب مختلفة، حدا جعلهم يستدعون دبلوماسيتنا، وكان لدينا رجال دولة من الدهاء بحيث يستطيعون اقتناص الفرصة مثل هنرى كيسنجر، وجيمى كارتر، وجورج شولتز، وجيمس بيكر، وبيل كلينتون.
أما اليوم، فمن الواضح أن العرب، وإسرائيل، والفلسطينيين، لا يشعرون بالألم بما يكفى للقيام معا بأى جهد جاد من أجل السلام معا؛ وهى حالة تلخصها على أفضل وجه عبارة تجسد جولات وزارة الخارجية: فالقيادة الفلسطينية «تريد اتفاقا مع إسرائيل دون أى مفاوضات»، والقيادة الإسرائيلية «تريد مفاوضات مع الفلسطينيين دون أى اتفاق».
ومن الواضح أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تعتقد أن بإمكانها الحصول على السلام مع الفلسطينيين والاحتفاظ بالضفة الغربية فى الوقت نفسه، ومازالت السلطة الفلسطينية الحالية لا تستطيع أن تقرر ما إذا كانت ستتصالح مع الدولة اليهودية أو تجرمها، وقيادة حماس الحالية تفضل أن يعيش الفلسطينيون إلى الأبد فى البؤس الجهنمى الذى تعيش فيه غزة، على ألا تتخلى عن خيالها المجنون بشأن إقامة جمهورية إسلامية فى فلسطين.
فإذا كنا لانزال نتوسل إلى إسرائيل كى توقف بناء المستوطنات، وهو أمر بادى الغباء، وإلى الفلسطينيين كى يدخل فى المفاوضات، الواضح أنها فى مصلحتهم، وإلى السعوديين كى يقدموا لإسرائيل مجرد إيماءة، فمن الواضح أن ذلك أمر مثير للشفقة لكوننا فى المكان الخطأ. وقد حان الوقت للدعوة إلى وقف هذه العملية المختلة التى تسمى مجازا «عملية السلام»، التى لا تفعل سوى تدمير مصداقية فريق أوباما.
وإذا كان الوضع الراهن مقبولا من الأطراف، فلينعموا به. ولكن كل ما أريده هو ألا ندعم ذلك، وألا نكون مخدرا له بعد الآن. نريد أن نصلح أحوال أمريكا. وإذا صاروا جادين، فعندها سوف يجدوننا. وعندما يصبحون كذلك، ينبغى أن نطرح على الطاولة خطة أمريكية مفصلة لحل الدولتين، مع حدودهما. فلنقاتل من أجل شىء مهم.
© 2009 New York Times News Service