القط شاعراً عامياً - أحمد مجاهد - بوابة الشروق
الإثنين 6 يناير 2025 11:41 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القط شاعراً عامياً

نشر فى : الإثنين 21 ديسمبر 2009 - 9:11 ص | آخر تحديث : الإثنين 21 ديسمبر 2009 - 9:11 ص

 بعد أن ألَّف الناقد والشاعر الدكتور عبدالقادر القط ديوانا شعرياً رومانسياً فصيحاً كتب قصائده بين عامى 1941 و1943، وصدر عام 1958، توقف تماماً عن كتابة الشعر ثم كتب بعد فترة طويلة من الانقطاع قصيدتين عاميتين فقط: الأولى تحمل عنوان «مستحيل» وقد كتبها فى 15/1/1997، والأخرى تحمل عنوان «حلم يقظة.. نجمتى الحلوة» وقد كتبها فى يونيو 1998.

ويلاحظ القارئ أن الشاعر قد اهتم فى القصيدة الأولى بتسجيل يوم كتابة القصيدة وليس الشهر والعام فقط، مما يدل على رغبته الشديدة فى توثيق هذا اليوم تأريخاً وشعراً.

وقد سألت أستاذى الدكتور القط الذى شرفت برعايته المحبة عن السر فى عودته لكتابة الشعر مرة أخرى بعد طول غياب، ولماذا كتبه بالعامية هذه المرة؟ فروى لى أنه قد ذهب لزيارة قريته بمحافظة الدقهلية وقابل مصادفة حبيبة الصبا، فانتفض قلبه ووجد نفسه مدفوعاً للتعبير عن هذه التجربة شعراً، وقد كتب هذا الشعر بالعامية لأنه رأى أنها الأنسب لطبيعة التجربة وروح العصر الذى ما عاد يحتمل كتابة قصائد رومانسية فصيحة.

وقد بدأ الشاعر قصيدته الأولى بمقطع يقول فيه:
من زمان.. عشت أحلم
واذكر الماضى السعيد
قبل ما ألبس قناع
وامشى فى سكه بعيد
للصعود.. والسقوط.. والصراع
دون وداع!
عشت أحلم.. لو قابلتك من جديد
بعد فرقتنا الطويلة
إيه ح أقول لك؟

والمقطع السابق يشير إلى تجربة عاطفية قوية كانت تلح على ذهن الشاعر على الرغم من انقطاعها منذ زمن طويل، وربما يرجع السبب فى هذا إلى أنها لم تكتمل أو قل لم تنته نهاية حاسمة، فظلت كالملف المفتوح الذى ينتظر الإغلاق الرسمى.

وقد صور الشاعر لحظة اللقاء فى مقطع آخر يقول فيه:
واتقابلنا.. فجأة شُفْتِك:
واجه الحلم الحقيقة
حيرة الدهشة ف عنينا
رهبة الفجأة ف إيدينا
عين بتبحث عن حبيب
إيد بتلمس إيد غريب..
وقفنا نسأل عن صبانا
والصبا ف حضن الغروب!

والمقطع السابق لا نلمح فيه عاطفة مشبوبة بقدر ما نلمح إلحاحاً على فكرة الزمن ومقابلة الماضى ومحاولة استعادته. وقد أكد لى الدكتور القط أن هذه الفكرة كانت أكثر تأثيراً فى نفسه من التجربة العاطفية ذاتها، ولهذا لم يكن غريباً أن يختم الشاعر قصيدته بالمقطع التالى:
كل دا عاد لى ف لحظه!

عاد..ولكن ف الخيال..
مستحيل إنه يعود
والزمان اللى نسيناه
من ورانا بعود حديد
علشان نسير ف طريق قدرنا
والهوى المشبوب ونارنا
فى صدورنا كوم جليد!
مستحيل إنه يعود
مستحيل!

وهكذا أغلق الشاعر قصيدته فى بنية دائرية تبدأ بالعنوان «مستحيل» وتنتهى بالكلمة ذاتها، محاولاً أن يؤكد للقارئ ـ أو ربما لنفسه ـ أن تلك التجربة قد انتهت عند هذا الحد، لكن هذا لم يحدث فى الواقع حيث إنها كانت ما زالت تضغط عليه بدليل أنه قد عاد للكتابة عنها مرة أخرى بعد عام ونصف فى قصيدة «حلم يقظة.. نجمتى الحلوة» وهى آخر ما كتبه من شعر قبل رحيله فى 16/6/2002.

وقد بدأ الشاعر قصيدته قائلاً:
باحلم وأنا صاحى
والناس حواليَّا تحلم وهيَّه نايمه
تتحوِّل الضلمه.. شباك من المرمر
فوقه ستار أخضر
يلعب مع النسمة وعطرها الهادى
وأبقى أنا.. نسمه وروح هايمه
تجرى ورا الماضى

وتأخذ الأحلام الشاعر إلى عالم الخيالات المرئية فى أحلام اليقظة، حتى إنه قد حدَّثها فى مقطع آخر قائلاً:
يا نجمتى الحلوة
هيَّه دى إنتى.. رجعت من الماضى
واللا الخيال ساقيه.. بتدور على الفاضى؟!

ثم تطور الأمر لتحدثه الخيالات أيضاً، فى حوار درامى عاطفى عذب يدور على النحو التالى:
أنا.. أنا هيه
سمعت صوت شوقك بيندهلى
وصحيت على شوقى بيتعذب
جيت لك على جناحه من الماضى
نعيش سوا لحظه.. قبل الحلم ما يهرب!
وليه نعيش لحظه؟
دا الحلم دا ساحر.. ع المستحيل قادر
كل المنى عنده.. فى الجاى والرايح
دا بلمسه من يده.. رجَّع لنا امبارح
يا نجمتى الحلوة.. دا حلمنا، وليه نخاف يهرب!

ما كان لنا أحلام.. على كيف الخيال تعجب
وكان لنا أنغام.. على ناى الجمال تطرب
الصبح يصحى على لحنها.. وينام على لحنها المغرب
راحت وخلِّت لك من حلمك الغالى وأنفاسك
ذكرى وناى مكسور
راحت وخلتنى.. لهفة وطير مأسور
وجناح من الشوق فى القفص يضرب!
وبعد دا نسأل: ليه حلمنا يهرب!

وعلى الرغم من انتباه الشاعر المفاجئ إلى أن كل هذا الحوار كان حلماً من أحلام اليقظة، وعودته إلى رشده مرة أخرى، فإنه يختتم النص قائلاً:
باحلم بك وأنا نايم
واحلم بك وأنا صاحى
يا نجمتى الحلوة!

ونخرج من هذين النصين بملاحظتين جوهريتين: الملاحظة الأولى فنية تتمثل فى قدرة عبدالقادر القط الفذة على التطور واستيعاب الأشكال الجديدة من التعبير الشعرى نقداً وإبداعاً. أما الملاحظة الثانية فتتمثل فى أنه من مواليد 10/4/1916، أى أن قلبه قد نبض مستعيداً عشقه القديم بعد أن تجاوز الثمانين من عمره، فقد كان ــ رحمه الله ــ طاقة لا تنفد من الحب والعطاء.




التعليقات