●● فى النصف الأول من القرن العشرين قال أمير الشعراء أحمد شوقى:
«لكل زمان آية.. وآية هذا الزمان هى الصحف».. لكن الآية الإعلامية أصبحت التليفزيون ثم يبدو أنها اليوم الإنترنت..
وكنت قد قرأت قصة الصحافة فى جريدة الشرق الأوسط التى تصدر فى لندن منذ سنوات فى تقرير ممتع.. إذ يمكن القول إن نابليون هو الذى أنشأ الصحافة العربية عندما أصدر جريدة التنبيه فى مصر عام 1800 ورأس تحريرها إسماعيل بن سعد الخشاب، لكنها استمرت عاما واحدا وأغلقت بعد انسحاب الحملة الفرنسية عام 1801.. وكانت جريدة الوقائع المصرية هى ثانى الصحف العربية وتأسست عام 1828 وعلى مدى عقود عاشت الصحافة وما زالت، بالتفاصيل، ففى أحيان لا تتسع المساحة أمام آيات هذا الزمن الإعلامية (التليفزيون والإنترنت) لكثير من التفاصيل أو للعرض اللغوى بأسلوب ينتزع الإعجاب.. إلا أن هرولة الإعلام والتسابق، والبحث عن الإنفراد، وشد المشاهد والانتباه توقع بعض الإعلام فى أخطاء تثير اللغط والحنق والغضب..
●● والواقع أن أى وسيلة إعلامية تنشر وتنثر أخبارا غير مؤكدة وغير موثقة فى مثل هذا الوقت الصعب والخطير التى تمر به البلاد ترتكب جرما حتى لو كانت لا تقصد، فيجب أن تكون كلمة الإعلام بميزان من ذهب.. وهذا الميزان، غير متاح أحيانا، فالبعض يعتمد أخبارا وصورا من الفيس بوك، ويبثها بطريقة خبيثة فى صيغة سؤال: هل هذه المعلومة صحيحة.. وهو يعلم أن أى طفل يستطيع أن يضع رأس هتلر فوق جسد مارلين مونرو؟
●● خطاب إعلام المنابر والنصائح والخطب الصماء و«الكلام الحنجورى» لم يعد يصلح فيجب أن يستند الآن على الحقائق والمعلومات والتوثيق والتدقيق.. لا يمكن أن يشارك الإعلام فى البناء بخطابه القديم غير المهنى، لم تعد الآراء الانطباعية مجدية، ولم يعد التمثيل ولم يعد الافتعال مقبولا، ولم يعد انتعال الحقيقة قابلا للتصديق، ولم تعد المزايدة وسيلة لاختراق قلوب الناس، وإنما ما يجدى هو المعلومات والجدية فى التعامل مع القضايا، وللأسف إن الإعلام ما زال خطابه محشودا بالخطابة؟
●● على أى حال شر البلية ما يضحك، فمن عجائب التليفزيون الرسمى، أن تعرض القناة الأولى قبل نشرتها الرئيسية فى التاسعة مساء برنامج بعنوان عقل مصر، وهو عبارة عن مساحة زمنية تمنح لشخصية تقدم النصح والتوجيه. ولا يهم مضمون البرنامج الآن، وإنما المهم تلك الصورة التى تدور فى الخلفية، لرسم بألوان العلم المصرى على هيئة مخ، ويبدو أن صاحب فكرة البرنامج يخلط بين العقل، وبين المخ، فالصورة للمخ.. بينما العقل ليس له صورة فالعقل لوصف الوظائف العليا للدماغ البشرى مثل: الشخصية، التفكير، الجدل، الذاكرة، الذكاء
●● لقد ظن صاحب فكرة البرنامج أن ألوان علم مصر تغمس برنامجه فى مشروب الوطنية الذى يحتسيه الكثيرون باستخدام العلم.. هكذا يظن برنامج عقل أو مخ مصر؟