نماذج طبق الأصل! - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
السبت 11 يناير 2025 4:44 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نماذج طبق الأصل!

نشر فى : السبت 22 يناير 2011 - 9:16 ص | آخر تحديث : السبت 22 يناير 2011 - 9:16 ص

 على الرغم من مظاهر الترحيب الحار الذى قابلت به الشعوب العربية ثورة الشعب التونسى، فمازالت الظروف المحيطة بها والتطورات الساخنة التى تنذر بحدوثها، تضعها أمام مستقبل غامض. لن تتحدد ملامحه بسهولة فى المستقبل القريب. ومازالت كثير من العوامل التى نقلت تونس إلى مرحلتها الراهنة تتفاعل على نحو يصعب التنبؤ بما ستؤول إليه.

ولعل أول مشكلة واجهت النظام الجديد فى بداية عهده وأوشكت أن تؤدى إلى تصدع حكومة الوحدة الوطنية التى شكلها الغنوشى، هى انسحاب أربعة من الوزراء بعد 24 ساعة فقط، ثلاثة منهم ينتمون إلى اتحاد الشغل (النقابات العمالية) والرابع من حزب التكتل الديمقراطى، احتجاجا على مشاركة الوزراء السابقين من حزب التجمع الدستورى الذى حكم برياسة زين العابدين بن على، والمطالبة بإقصاء الحزب كلية عن السلطة، باعتباره مسئولا.. مما أشعل حركة الاحتجاج من جديد، وأضاف مطلبا سياسيا قد يصعب تحقيقه.

ولكى يمتص الغنوشى ورفاقه قدرا من الغضب الشعبى على حزب التجمع الدستورى الذى يمثل كل سوءات بن على ونظامه، أعلن رئيس الوزراء المؤقت استقالته من الحزب، وكذلك رئيس الجمهورية بالإنابة فؤاد المبزع، ومضى الحزب الدستورى نفسه خطوة أبعد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فأعلن فصل بن على وأقاربه من الحزب، تنفيذا لمبدأ أعلنه رئيس الوزراء بفصل الحزب عن الدولة.

ويصل بنا هذا التطور إلى لب المشكلة. فالشعب التونسى بات ينظر إلى الغنوشى نفسه على أنه رأس الأفعى واليد اليمنى لـ«بن على». ويعتبر الحزب الحاكم بكوادره ومؤسساته التى سيطرت على عصب الدولة وتشابكت تشكيلاته مع الإدارات السياسية والإعلامية فى البلاد، مسئولا عن كل ما ارتكب من أخطاء ومظالم. وهناك مخاوف حقيقية من أن يستعيد رجال بن على قبضتهم على الأوضاع فى تونس. فهم منتشرون فى كل مكان.

كما أن ضعف أحزاب المعارضة سوف يجعل من الصعب إحداث التغيير المطلوب فى بنية النظام ومؤسساته. والتى لن تكون ممكنة التحقيق على الأرجح إلا بعد التوافق على إجراء الانتخابات خلال ستة أشهر والإفراج عن المعتقلين، وتحديد عناصر الإصلاح السياسى. وهى فترة كافية لاختطاف الثورة فى ظل انعدام الثقة إذا استمرت حالة الفوضى الراهنة.

الدرس الذى يجب أن نتعلمه من التجربة التونسية الملهمة، بكل تداعياتها، أن سيطرة حزب واحد هو التجمع الدستورى على مقدرات تونس وبقائه فى مقاعد الحكم أكثر من عقدين، بمباركة ودعم من بن على، جعل من الحزب ألعوبة فى يده.. بعد أن أفرغه من الكوادر الديمقراطية وملأه بالعناصر الانتهازية والمنافقين، ثم بأقاربه وأقارب زوجته. حيث كشفت التفاصيل عن تزايد نفوذها فى الدولة.

وأقر محمد الغنوشى رئيس الوزراء بأنها كانت الحاكم الفعلى، وأنها وأخوتها من عائلة الطرابلسى لابد أن يقدموا لمحاكمة عادلة.

طبعا لا أحد يعرف أين تبدأ مسئولية الغنوشى وأين تنتهى. ولعل هذا ما يثير ثائرة التونسيين ويدعم مطالبهم بضرورة التخلص من الغنوشى نفسه.

ولو نظرنا إلى الأحزاب الحاكمة فى معظم الدول العربية لوجدنا نماذج طبق الأصل لحزب التجمع الدستورى تنتشر وتحكم فى دول عربية تدعى أنها تطبق الديمقراطية التعددية. وتسمح بقيام ديكورات لأحزاب ورقية إلى جانبها. وتقمع قيام حياة سياسية تنافسية أو معارضة حقيقية. وتتبعها ميليشيات لصد موجات الغضب الشعبى. وفى كل هذه الأنظمة بدون استثناء يندمج الحزب فى الدولة ويتولى رئيس الدولة رياسة الحزب، وهو ما يفضى بالضرورة إلى نظم حكم لا تختلف عن نظام بن على ولابد أن تنتهى نهايته.

فليس صحيحا إذن ما يردده البعض من أن الحالة التونسية حالة فردية.. ذلك أن مقومات الوضع التونسى واختزال العمل السياسى فى حزب واحد لا يسمح بتداول السلطة، تتشابه مع أوضاع العديد من الدول العربية.. ولذلك فسوف يكون من الصعب الإبقاء على الغنوشى قائما بأعمال رئيس الوزراء. وسوف تزداد الضغوط لحل حزب التجمع الدستورى. وحينئذ فإن الإطاحة بالنظام تكون قد بلغت هدفها لإتمام عملية التحول الديمقراطى!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات