تربية التعليم - أحمد مجاهد - بوابة الشروق
الإثنين 6 يناير 2025 11:09 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تربية التعليم

نشر فى : الإثنين 22 فبراير 2010 - 9:57 ص | آخر تحديث : الإثنين 22 فبراير 2010 - 9:57 ص

 تسبق كلمة التربية كلمة التعليم فى اسم الوزارة المسئولة عن التعليم قبل الجامعى فى مصر، وتأتى هذه التربية أحيانا فى صورة نصائح مباشرة مطبوعة على ظهر الغلاف الخارجى للكتب المدرسية، أو فى صورة غير مباشرة تتمثل فيما يمكن أن يكتسبه الطالب من قيم مستخلصة من المناهج المقررة، فإلى أى مدى يتم مراعاة هذا الدور التربوى بالفعل فيما يقدم للطلاب من مناهج تعليمية؟

والحديث ما زال موصولا عن منهج اللغة العربية المقرر على الصف الأول الثانوى، فعلى ظهر الغلاف الخارجى لقصة «أبوالفوارس عنترة بن شداد» لمحمد فريد أبوحديد مجموعة من النصائح التربوية تنتهى بالنصيحة التالية: «البصق وإلقاء القمامة فى الشوارع يقلل من شأن وطننا أمام الأجانب»، وتحليل الخطاب فى الجملة السابقة يجعل النظافة عنصرا مظهريا خارجيا مشروطا من أجل الغير، وليست قيمة سلوكية ثابتة يجب أن يتحلى بها الفرد أمام ذاته أولا. ففضاء النص فى الجملة السابقة قد يشى بدلالات سخيفة منها أنه إذا لم يكن لديك أجانب فيمكنك البصق وإلقاء القمامة فى الشوارع، وهذا للأسف هو السلوك السائد فى المجتمع، حيث تلقى القمامة بكثرة فى المناطق التى لا يمر منها الأجانب، ولا يهتم السكان أو المسئولون برفعها ما لم يكن هناك زائر مهم.

أما على المستوى الشخصى، فإن فضاء النص فى الجملة السابقة يسمح لك داخل شقتك بأن تقوم بكنس التراب الموجود فى المناطق الظاهرة فقط وتترك ما لا تراه العين، وإذا فاجأك ضيف فلا مانع من أن تخفى القاذورات أسفل السجادة.

وأنا لا أتهم كاتب تلك الجملة بأنه المسئول عن هذا السلوك الشائن الشائع، لكننى أدعى أن هذا السلوك كان متغلغلا داخله، فأنتج هذه الجملة التى تعمل على ترسيخه من حيث لا يدرى.

وإذا انتقلنا إلى الصفحات الداخلية لكتاب اللغة العربية فسنجد أنه يعدد أغراض الشعر الجاهلى قائلا: «الفخر والحماسة والمدح والغزل والوصف والرثاء والاعتذار.. إلخ»، ثم ينبرى للتعليق قائلا: «وقد قَلَّ شعر (الاعتذار) فى العصر الجاهلى، لأنه لا يتفق مع ما طبع عليه العربى من الإباء والاعتزاز بالنفس».

فهل فضيلة الاعتذار عن الخطأ تتعارض مع الإباء والاعتزاز بالنفس؟ ثم لماذا لم يفرق الشارح فى وضوح ــ إذا كان يدرك هذه التفرقة ــ بين السلوك البدوى الجاهلى المتعصب والسلوك الحضارى الذى يجب أن يتحلى به الإنسان العربى المعاصر؟

ويدخل ضمن هذا الإطار التربوى الصورة التى يرسخها المقرر للمرأة فى ذهن الطلاب، ففى قصة «أبوالفوارس عنترة» يرصد الشارح فى التذييل ثلاث مجموعات من الخصال الجاهلية التى وضعت القصة يد القارئ عليها، وهى على التوالى: بعض المسالب (وهى بالسين وليست بالثاء كما وردت بالكتاب)، وبعض الإيجابيات، وبعض العادات. وقد كان من اللافت لى شخصيا أن يضع الشارح «تعيير العبد باسم أمه ونسبه إليها» ضمن العادات الجاهلية المحايدة وليس ضمن المسالب.

وإذا انتقلنا إلى شرح معلقة عمرو بن كلثوم التى كتبها متفاخرا على عمرو بن هند، وتحديدا إلى شرح البيت القائل:

أبا هندٍ فلا تَعْجَل علينا وأَنْظِرنا نُخَبِّرُك اليقينا

فإن الشرح يشير إلى أن «الأسلوب الإنشائى فى النداء: (أبا هند) غرضه التحقير»، وإلى أنه «تبلغ السخرية والاستهزاء غايتهما فى قول الشاعر (أبا هند) لما فى ذلك من إهانة وتجريح»، وهذا الشرح صحيح وإن كان لا يشير إلى أن الانتساب إلى الأم كان يعد نوعا من الإهانة فى العصر الجاهلى لأنه يُشَبِّه السادة بالعبيد، فى حين أن عمرو بن هند هو عمرو بن المنذر اللخمى ملك الحيرة، وأن الكتاب لم يشر لذلك على أهميته.

وعلى الرغم من أن المقرر الشعرى فى العصر الأموى بالكتاب نفسه يتضمن قصيدة «جرير» التى مدح بها الخليفة عمر بن عبدالعزيز، والتى تتضمن نسب الخليفة نسبا صريحا إلى أمه، حيث يقول الشاعر:

وتبنى المجد يا عمر بن ليلى وتكفى المُمْحِلَ السنَةَ الجَمادا

أى تكفى الفقير طعامه فى العام الذى لا مطر فيه، فإن الكتاب يقول فى شرح النصف الأول من البيت: «وقوله: (يا عمر بن ليلى) نداء للتعظيم، ونسبته إلى (ليلى) تأكيد لهذا التعظيم، وإيماء بشرفه وكرم نسبه إلى سيدنا (عمر بن الخطاب) حيث كانت ليلى ابنة (عاصم بن عمر) رضى الله عنها».

حيث يكتفى الكتاب بهذا الشرح فقط دون الإشارة إلى أن الإسلام قد غيَّر نظرة المجتمع إلى المرأة تغييرا جذريا انعكس فى الإبداع الشعرى، فتحول نسب الشخص إلى أمه من سبة جاهلية إلى مديح إسلامى.

وقد أدى غياب هذا التوضيح إلى إمكان حمل تفسير النص على العصبية القبلية، أو قصر هذا التكريم للمرأة على نساء آل البيت والصحابة فقط، وهو فى كلا الحالتين لا يفى بإعطاء الطالب صورة للمرأة تقوم على المساواة، مما أسهم بصورة غير مباشرة فى أن تعترض نخبة المجتمع المسئولة عن العدل فى مصر بالقرن الواحد والعشرين على أن تكون المرأة قاضية بمجلس الدولة.

وإذا كان تدريس قواعد اللغة يدخل فى باب التعليم، فإن تطبيقها المتمثل فى صياغة الكتاب المقرر يدخل فى باب التربية والتدريب على الصياغة السليمة بوصفه نموذجا أعلى يجب أن يحتذى به الطالب عند الكتابة، فمثلا لا يجوز أن يبدأ الحديث عن خصائص الشعر فى عصر صدر الإسلام بعبارة: «درست نماذج من النصوص الشعرية تمثل خصائص الشعر فى عصر صدر الإسلام» فى حين أن الكتاب لا يضم من النماذج الشعرية فى صدر الإسلام سوى قصيدة واحدة لحسان بن ثابت.كما أنه لا يليق مثلا أن يتضمن كتاب اللغة العربية المقرر على الصف الأول الثانوى فى صفحة 71 عبارة تقول: «أما السابع من أصحاب المعلقات فهو عمرو بن كلثوم، وقد سبق تقديم ترجمة عمرو فى الدرس التالى صفحة73».

وبما أننى ابن مخلص للكتب المدرسية الحكومية، فهل يجوز لى أن أقول: أتمنى الالتفات إلى هذه الملاحظات التى علقت عليها فى المقال السابق؟

التعليقات