بينما كان البعض منا يجلب الدفء لأطرافه مستمتعا بفنجان من الشاى الساخن كانت الحياة تنحسر ببطء وإصرار من شرايين ثمانية من أعز شباب هذا الوطن وهم يصارعون عاصفة الموت الثلجية التى انفجرت فى وادى جبال سانت كاترين. فأى قدر ساقهم إلى هناك؟ جمعهم حب المغامرة والرغبة فى اكتشاف المجهول من أسرار تلك المنطقة الفريدة التى تتعقد فيها ملامح الجغرافيا لتبدو أكثر غموضا وأبهى سحرا وأشد جاذبية للراغبين أبدا فى البحث عن آيات الجمال المطلق.
اجتعت رغبة ثمانية من الشباب ضرب لهم القدر موعدا على شبكة التواصل الاجتماعى على أن يلتقوا فى جبال سانت كاترين هدفهم الوصول إلى «باب الدنيا». تتكرر الحكايات عن ذلك المنظر البهى الآسر الذى يفوز به من ينجح فى تسلق الجبل الراسى إلى أعتاب تلك الفجوة المطلة على الوادى لذا يطلق عليها باب الدنيا. حينما بدءوا فى السير على الأقدام بصحبة مرشد بدوى قليل الخبرة.. تهيأ لهم الخطر واستعد لتبدأ عاصفة ثلجية فى ظاهرة بيئية لم تعرفها المنطقة من قبل. يدمينى الألم وأنا أتخيلهم يتشبثون بخبراتهم الضئيلة فى مواجهة تلك الرياح الثلجية العاتية وهم محاصرون فى شعاب الجبل. ينسحب الدم من أطرافهم ليحفظ على أعضاء مهمة كالقلب والمخ دفء حياتها. تبدأ عضلاتهم وفقا لأهميتها بالتضحية بما يسرى إليها من دم لتضيف رصيدا جديدا لمخزون الحياة وعندما تفرغ تتخشب.
يتأرجح الضوء الخافت فى نهاية النفق وتتداعى مظاهر الحياة ووظائف الأعضاء الحيوية وينحدر ضغط الشرايين حتى يخفق القلب مرة واحدة أخيرة.
لن تغيب تلك الصورة المأساوية عن ذاكرتنا خاصة أننا بلاد لا تعرف الثلج أيضا لأن هناك العديد من علامات الاستفهام التى خلفت غيوما سوداء مربكة للرأى العام عن تقاعس عمليات الإنقاذ كون الضحايا مصريين وليسوا أجانب!
لا أتخيل على وجه الإطلاق وبالطبع لا أتمنى أن يكون هذا صحيحا. ما أتمناه أن تعيد الدولة حساباتها فيما يتعلق بأمان تلك الرحلات لا أن تمنعها.. أن تخضع لرقابة دقيقة واحتياطات أمان كافية وتوفر لها وسائل إنقاذ سريعة ووسائل اتصالات بلا أعطال.
رحم الله سبحانه من سعوا لباب الدنيا فلقوا حتفهم على أعتابه وعافى من عادوا وحماهم من تداعيات المحنة التى عاشوها.