وحشتينى - عماد الغزالي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:59 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وحشتينى

نشر فى : الأحد 22 مارس 2009 - 7:48 م | آخر تحديث : الأحد 22 مارس 2009 - 7:48 م

 كان اليوم الذى عرفت فيه طعم الموت، ورأيت أطيافه القاتمة تحوّم حول روحها الطيبة.
لم أكن أدرى أن التفاتتها التى تنتزع ابتسامة رضا من وجه صبوح أنهكه المرض هى الأخيرة، حين دفنت وجهها فى صدرى ظننت أنها ستغفو قليلا، بسملت، وشرعت أعدّل وضعها كى تنام مستريحة، لكن رغاوى ظهرت فجأة على جانب فمها الطيّب أفزعتنى، كان علينا أن ننقلها فورا إلى المستشفى.

«نزيف بسيط فى المخ.. والحمد لله أن جاءت فى الوقت المناسب». نزلت كلمات الطبيب على قلبى بردا وسلاما، ثمة أمل إذن، علىّ فقط أن أحضر هذا الدواء، الذى قال الطبيب إنه شحيح فى الأسواق.

أمضيت اليوم كله متنقلا بين الصيدليات، أجمع أكبر قدر من «أمبولات» الدواء النادر، عدت قبل منتصف الليل بقليل، يغمرنى شعور بالراحة لم أذق مثله فى حياتى، طلبت من زوجتى أن تعد لى فنجانا من القهوة، كى أكافىء نفسى على الجهد الذى بذلته طوال اليوم، قطع استمتاعى بالرشفة الأولى صوت الهاتف، كان أخى يردد فى حروف مرتبكة «إنا لله وإنا إليه راجعون».

من ثقب الباب ـ باب غرفة العناية الفائقة ـ كنت أتابع المشهد الأخير، عاملا الغرفة يسحبان الجسد بهدوء من فوق سرير المرض ليضعاه على «التروللى»، السيدة ذات القسمات الجامدة تنزع أنابيب المحاليل وجهاز التنفس من الجسد الخامد، ثم تتجه ناحية الباب، فاجأها وجهى المثبت على منتصفه، قالت بأسى مصطنع: البقية فى حياتكم، حد يوقع الورقة دى.

أزحتها واندفعت كالمجنون ألقى بنفسى على الجسد المسجى بلا حراك، كانت بقايا دماء وجروح ـ أفديها بعمرى ـ على جانبى الفم والأنف بفعل أنابيب المحاليل وأجهزة التنفس، كانت دموعى تنساب بلا انقطاع، رأيت قدرة الله فى هذه اللحظة الفارقة، رجوته أن يعيدها، أن يأخذ نصف عمرى وتعود، وسأمضى مابقى منه فى محراب طاعتك، أرجوك يارب.

رحت ألثم الوجه الكريم فى كل موضع، خلت أنها تنظر إلىّ وتواسينى، كان وجهها جميلاً وضاءً كالعادة، لم تفارقه ابتسامة الرضا، لكنه ـ لدهشتى ـ كان معلقا فى مكان آخر.

جرى ذلك قبل 7 سنوات، حين كنّا نستعد للاحتفال معها بعيد الأم.

كل سنة وأنت طيبة يا أمى.

وحشتينى.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات