من يؤثر على من؟ أصبحت السياسة الغربية تبحث عن طريقة للتفاوض مع نظام الأسد فى سوريا بعد أن كانوا نابذين النظام السورى وينعتونه بأنه نظام قاتل لشعبه وأن أكثر من مائتى ألف ماتوا وخمسة ملايين تشردوا أو تشتتوا فى بلاد العالم وإنه من رابع المستحيلات التفاهم معه.
ثم لاحظنا التراجع والآن يتم تجميل هذا التراجع وتصديره للإعلام لإقناع شعوبهم به، فمن يؤثر على من؟
هل هذا التراجع نتيجة المباحثات الإيرانية ــ الغربية (5+1) حول البرنامج النووى الإيرانى والتى على وشك الانتهاء ورفع العقوبات الدولية على إيران؟ فهل إيران نصيرة نظام دمشق والتى تمده بالرجال والعتاد والمال هى تشترط هذا التراجع على السياسة الغربية خاصة الأمريكية لاستكمال وانتهاء من المباحثات، أم السياسة الغربية تستفيد من تأثير النظام الإيرانى على السورى للضغط عليه حتى يأتى صائغا لطاولة المفاوضات وبذلك تضمن تحييد النظام الإيرانى فيكون النظام السورى وحيدا أمام الديناصورات الغربية؟ وكل ذلك يتم باستعمال فزاعة تنظيم داعش الإرهابى لتطويع السياسة التى تريدها الدول الغربية.
هذا التراجع سمعناه من لسان وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيرى الذى قال «علينا أن نتفاوض فى النهاية»، وكذلك تصريحات على هذا المنوال من دول غربية أخرى التى أكتشفت فجأة أن الحل السياسى هو الطريق الوحيد للخروج من الأزمة السورية ومعاناة شعبه.
والذى كشف هذا التراجع الغربى هو التذمر الأوروبى خاصة الفرنسى من مسار المفاوضات الأمريكية مع إيران حول مشروعها النووى والتى تبدو فيه فرنسا من الصقور تجاه إيران وتخشى من التنازلات الأمريكية أمامها خاصة أن الإدارة الأمريكية الحالية والرئيس باراك أوباما يحتاج إلى ما يرفع أسهمه وهو فى الطريق لاختتام إدارته بعد أقل من سنتين.
وبعد الفشل على أصعدة كثيرة منها تولى الحزب الجمهورى المعارض الأغلبية فى مجلسى الكونجرس والفتن العنصرية التى ظهرت على السطح فى أكثر من ولاية وناهيك عن الفشل الكبير فى أزمة الشرق الأوسط وفرض حل «الدولتين» التى كانت الولايات المتحدة متحمسة له وكانت الطامة الكبرى حتى لا أقول اللطمة هو خطاب نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل أمام الكونجرس الأمريكى وبدون دعوة من الرئاسة الأمريكية والتى حذر فيها نتنياهو من التصالح مع إيران والتساهل فيما يخص مشروعها النووى صارخا «بأن أمن إسرائيل مهدد إذا تحكمت إيران من صنع الأسلحة النووية».
لذا التفاوض السياسى مع النظام السورى أصبح وشيكا رغم أنه بدأ على المستوى الأمنى، كما تؤكده التسريبات ولا تنفيه الحكومات بحجة داعش وأخواتها.
فالعالم الغربى يريد تهدئة الأجواء مع سوريا واستمالة النظام الإيرانى ونزع العنف الذى يسببه الإرهابيون والمتطرفون لذا إذا نجحت الإدارة الأمريكية بالفعل من التفاوض مع إيران سنشهد مفاوضات مع النظام السورى خاصة أن المعارضة السورية مفتتة وليست لها رؤية عن «ما بعد الأسد» والذى مازال يحظى بظهير شعبى، كما سنشهد انحصارا للخطر الداعشى ليظهر ربما فى أماكن أخرى ليقوم بنفس الدور.
الأزمة السورية وما حولها ليست بعيدة عن مصر فالخطر يحدق بنا فى جميع الاتجاهات ومصر تتجه نحو الاستقرار خاصة بعد المؤتمر الاقتصادى الناجح وكثيرون لا يريدون لمصر وشعب مصر خيرا فلنظل متيقظين ونتكل على سواعدنا وعرقنا لبناء دولتنا الحديثة فمن لا يملك قوته لا يملك قراره هذه هى لعبة السياسة ومصالحها.