المستبد العادل - سيد قاسم المصري - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 7:43 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المستبد العادل

نشر فى : الأحد 22 أبريل 2018 - 10:05 م | آخر تحديث : الأحد 22 أبريل 2018 - 10:05 م

 فهل يستقيم العدل مع الاستبداد.. وهل يوجد عبر التاريخ أمثلة لحكم ديكتاتورى عادل أو رءوف أو محبوب أو مستنير..
طرحت هذا السؤال على «آل جوجل» فجاءنى الجواب:
هذا سؤال جيد.. أما أمثلة التاريخ القديم فهما «يوليوس قيصر والإسكندر الأكبر».. وفى الأزمنة الحديثة «جوزيف تيتو» فى يوجوسلافيا، و«لى كوان يو» فى سنغافورة، و«أتاتورك» فى تركيا، و«فيدل كاسترو» فى كوبا.
فقلت فى نفسى لعل أتاتورك هو أقرب النماذج لنا.. القرب التاريخى والجغرافى والثقافى والدينى.. واللافت للنظر أن كل هؤلاء الحكام المستبدين يرون أنهم مصلحون ويحبون أوطانهم ولا يحبون الديمقراطية وإن أعلنوا غير ذلك فهم يرونها ــ على الأقل مرحليا ــ أنها تتيح الفوضى وتعطل الوصول إلى تحقيق التنمية والاستقرار والأمن والنظام.
وقد كان أتاتورك نموذجا لهذا النوع من الحكام.. فقد قال فى عام 1932 صراحة: «فليترك الشعب السياسة جانبا فى الوقت الحاضر ولينصرف إلى الزراعة والتجارة».
وقال أيضا: «ينبغى أن أحكم هذه البلاد خمسة عشر عاما أخرى وبعدها أستطيع أن أطلق للناس حرية الرأى».
وقد قرأت هذه التصريحات فى كتاب نادر فى نسخة فوتوكوبى منه عنوانه «تركيا والسياسة العربية» من إصدارات سلسلة اخترنا لك (دار المعارف) ومن تأليف الأساتذة أمين شاكر وسعيد العريان ومحمد مصطفى عطا.
ويعتقد المؤلفون أن أتاتورك كان مؤمنا فى قوله: «إننى سوف أقود شعبى من يده حتى تتوطد أقدامه ويعرف طريقه، ومن ثم سوف يكون فى وسع مواطنىَّ أن يختاروا بأنفسهم الحاكم الذى يرتضونه، والخطة التى يجتمعون عليها، وعندئذ تكون مهمتى قد انتهت».
ولكن ألم يكن هناك طريق يرد بلاده إلى الحياة والقوة والاستقرار.. دون التضحية بالحريات؟
***
لقد شهد القرن الحادى والعشرين تراجعا سريعا ومطردا للديمقراطية وللحرية وأصبحت الشعوب تقبل طوعا التنازل عن الكثير من الحقوق الأساسية فى مقابل توفير الأمن ومواجهة الإرهاب.
ولقد رصدت وحدة الاستخبارات التابعة لمجلة الايكونوميست Economist Intelligence Unit حالة الديمقراطية فى العالم ووضعت قائمة احتلت النرويج فيها المركز الأول واحتلت كوريا الشمالية المركز الأخير وذلك على أساس 60 معيارا للقياس وخلصت إلى أن عام 2017 سجل أسوأ الأعوام؛ حيث تراجعت فيه الديمقراطية والحريات فى 89 بلدا فى جميع القارات.
أحيانا تقبل الشعوب تحمل المظالم والمشاق إذا رأت النتائج مبهرة، فقد قبلت سنغافورة مثلا البقاء تحت حكم «لى كوان» الشمولى عندما رأته ينقلها من مستنقعات التخلف إلى مصاف الدول الصناعية الكبرى بالرغم من صغر حجمها.. بينما ظل المصريون يرزحون تحت حكم مبارك السلطوى لنفس المدة ــ ثلاثون عاما ــ والبلاد تتقهقر وتتدهور.. كما قبل الأتراك تسلط أتاتورك عليهم غير المُقَنَعْ.. فقد قال لهم بصراحة «ليس لكم من الأمر شيئا» مكررا مقولة أحد الحكام السلطويين القدماء وأعتقد أنه إمبراطور النمسا الذى قال «الحكم للشعب ولكن ليس بالشعب For the People But Not By The People».
لقد أحب الأتراك مصطفى كمال، بالرغم من كل ذلك ومنحوه لقب أبو الترك «أتاتورك»، بل وكتبوا فى دستورهم نصا يحظر استخدام هذا اللقب على أى شخص آخر، وذلك لأنهم رأوه يحقق لهم من الإنجازات ما يبرر الثمن الذى دفعوه من حريتهم وحقوقهم الإنسانية، ونفس الشىء بالنسبة لفيديل كاسترو الذى وفر للشعب عدالة اجتماعية ونظاما متكاملا للخدمات الصحية على درجة من الكفاءة جعل من كوبا قبلة العلاج فى أمريكا اللاتينية.
***
أما عبدالناصر فهو حالة خاصة جدا.. البطل المهزوم كما ظهر على غلاف مجلة تايم بعد الاستقبال الشعبى الأسطورى له فى قمة الخرطوم الشهيرة ذات اللاءات الثلاثة على إثر نكبة 1967.. وإذا كان ذلك مفهوما على الساحة العربية خارج مصر التى لم تعانِ من الحكم السلطوى لعبدالناصر فإن الغريب هو موقف الشعب المصرى الذى ازداد تمسكا به وأرجع أسباب النكبات الجسام ــ كما هى العادة ــ «إلى المؤامرة الخارجية والبطانة الداخلية».
لا أعتقد أن إنجازات عبدالناصر تبرر المكانة التى جعلت الشعب المصرى يقبل منه الحكم الديكتاتورى ويعذره على النكسة ويزداد تمسكا به..
وقد يقول قائل إنه حقق العدالة الاجتماعية التى طالما حلم به المصريون بقوانين الإصلاح الزراعى والتأميمات والقضاء على الاقطاع والرأسمالية المستغلة.. ولكن الواقع أنه عند وفاة عبدالناصر عام 1970 كان أجر الفلاح المصرى الأجير على الأقل فى مناطق شمال الصعيد التى أعرفها.. هو نفس الأجر الذى كان يتقاضاه عام 1952 قبيل الثورة.. ما بين ثمانية قروش وعشرة قروش فى اليوم..
وبالرغم من أن القانون الذى أصدرته الثورة حدد الحد الأدنى للأجر بـ25 قرشا إلا أنه لم يطبق حتى فى الأراضى التى استولت عليها الدولة وأصبحت تحت إدارة وزارة الإصلاح الزراعى، كما أن الذى أنشأ مظلة التأمينات الاجتماعية للفلاحين الأجراء هو السادات وليس عبدالناصر.
هل هو السد العالى.. هل هو تأميم القناة.. هل هو مناطحة الدول الكبرى ورفع شعار العزة والكرامة.. أم هو «إسعاد الفقراء بإفقار الأغنياء» كما قال محمود العقاد: « فى زمن الطفولة، كنت أسمع الفلاحين فى الريف يتحدثون بإعجاب عن المأمور «الحمش» الذى أخلى حجرة مكتبة من المقاعد حتى يكلمه الناس وقوفا ولا يجلس أحد أمامه.. يقولون راجل ماسك البلد بإيد من حديد.. أما الرجل الدمث الهاش الباش الذى جاء بعده فلم يحظ بنفس الاحترام أو التقدير.. بغض النظر عن التقييم الموضوع لأداء كل منهم... الشعب المصرى يحب القوة حتى ولو كانت قاهرة له.
ويبدو أن جينات الفراعنة متمكنة ولا زالت تسرى فى دمائنا.

سيد قاسم المصري مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات