ماذا لو فشل الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى عملية اغتيال أسامة بن لادن؟ لقد تحطمت إحدى طائرتى الهليكوبتر اللتين قامتا بالهجوم. فماذا لو تحطمت الثانية أيضا؟ ماذا كان حل بالقوات الأمريكية التى اجتاحت المقر السرى لإقامة بن لادن؟
يحفل تاريخ العمليات العسكرية الأمريكية السرية بهذا النوع من الفشل. فالرئيس الأسبق جيمى كارتر دفع غاليا جدا من زعامته السياسية نتيجة فشله فى عملية تحرير رهائن السفارة الأمريكية فى طهران فى عام 1980. وكان سقوطه فى دورة الانتخابات الرئاسية الثانية أمام رونالد ريجان ثمنا لذلك. فقد هبت عاصفة رملية مفاجئة فى الصحراء الإيرانية حجبت الرؤية أمام طائرات الهليكوبتر المهاجمة فارتطمت ببعضها وتحطمت قبل أن تصل إلى هدفها المنشود. يومها ترددت فى إيران رواية دينية تقول ان الإمام المهدى ظهر فى أرض المعركة وانه هو الذى نفخ فى رمال الصحراء وأثار عاصفة هوجاء أطاحت بالقوات الأمريكية المهاجمة. الا انه تم تحرير الرهائن فيما بعد فى عهد الرئيس ريجان بموجب صفقة تمت بين واشنطن وطهران. وبموجب تلك الصفقة حصلت إيران على كميات من الأسلحة التى كان محظرا تصديرها اليها، وحولت الولايات المتحدة سرا عائدات الصفقة لتمويل حركة الكونترا اليمينية فى أمريكا الوسطى والتى كانت تشرف عليها وتوجهها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
لقد حاول الرئيس ريجان فى ذلك الوقت أن يجعل من سلبية حظر بيع الأسلحة لإيران، ومن سلبية تمويل حركة إرهابية تعمل ضد الأنظمة اليسارية فى أمريكا الوسطى إيجابية سياسية تتمثل فى تحرير الرهائن. وبالفعل تمت عملية التحرير، الا أنه سرعان ما دوت أصداء الفضيحة المزدوجة: بيع الأسلحة وتمويل حركة إرهابية.
كذلك فشل الرئيس بيل كلنتون فى الصومال فى عام 1993 عندما أمر بتنفيذ عملية «النسر الأسود» فى مدينة مقديشيو. وأدى الفشل إلى انسحاب أمريكى حتى من دون سحب جثث الجنود الأمريكيين الذين قتلوا أثناء العملية الفاشلة. فعمد عناصر الميليشيا الصومالية المحلية إلى التمثيل بهذه الجثث فى شوارع المدينة المدمرة بشكل وحشى مقيت. ومنذ ذلك الوقت تحولت الصومال إلى موئل خلفى لتنظيم القاعدة ثم إلى منطلق لعمليات القرصنة البحرية المستمرة حتى اليوم!!
●●●
ولكن خلافا للتجارب المرة التى مر بها الرؤساء الأمريكيون السابقون كارتر وريجان وكلينتون فان تجربة الرئيس الحالى أوباما تكللت صدفة بالنجاح. لقد أعطى الرئيس أوباما الأمر بالقيام بالعملية فى أبوت أباد يوم الجمعة 29 اكتوبر. ونفذت العملية يوم الأحد فى 31 أكتوبر. أما يوم السبت الواقع بينهما فقد حاول استدراج الاهتمامات الأمريكية والعالمية إلى قضايا عديدة أخرى تتراوح بين تضخم الديون الخارجية للولايات المتحدة، والصراع السياسى بين الحزبين الديمقراطى والجمهورى.
●●●
وكانت عملية صرف الأنظار عن تلك العملية السرية أحد أسباب نجاحها. مع ذلك لابد من التساؤل: ماذا لو كان مصيرها مماثلا لمصير سواها من العمليات الفاشلة؟ لو حدث ذلك لقضت على المستقبل السياسى للرئيس أوباما الذى أعلن ترشيحه لدورة رئاسية جديدة (لمدة أربع سنوات) من المقرر أن تجرى فى شهر نوفمبر ــ تشرين الثانى 2012.
صحيح ان العملية لا تدعو للفخر، خاصة أنها كانت عملية اغتيال شخص غير مسلح وغير مقاوم، جرى قتله من دون مساءلة أو محاكمة، ولكن الصحيح هو ان الولايات المتحدة ومنذ عام 2001، عام القيام بالعملية الارهابية التى استهدفت برجى التجارة العالمية فى نيويورك ومقر وزارة الدفاع فى واشنطن، تعيش فى ظل شبح التخوف من التعرض لعمليات ارهابية مماثلة بتوجيه وتمويل من بن لادن.
●●●
وتبين دراسة استطلاعية اجرتها مؤسسة «بيو» بالتعاون مع صحيفة الواشنطن بوست ان شعبية الرئيس أوباما ارتفعت من 47 بالمائة قبل عملية اغتيال بن لادن، إلى 56 بالمائة بعد اغتياله. كما ارتفعت التقديرات لسياسته فى مواجهة الارهاب 14 نقطة ولسياسته فى أفغانستان 16 نقطة. واذا نجح الرئيس أوباما فى استدراج حركة طالبان إلى مفاوضات سياسية تفتح الطريق أمام انسحاب أمريكى من أفغانستان، كما يحاول أن يفعل بعد اغتياله بن لادن، فان ذلك سوف يزيل آخر عقبة تعترض طريقه للبقاء فى البيت الأبيض لمدة أربع سنوات جديدة.
●●●
لقد كان نجاح الرئيس الأمريكى الأسبق ريتشارد نيكسون فى تسوية الحرب الفيتنامية وسحب القوات الأمريكية منها بعد معاناة دموية طويلة، بمثابة ورقة تجديد لرئاسته فى عام 1972. وهو ما يطمح الرئيس أوباما لتحقيقه أيضا. صحيح ان 55 بالمائة من الأمريكيين غير راضين عن سياسة أوباما الاقتصادية، الا انه ورث المشكلة الاقتصادية عن سلفه الرئيس جورج بوش الابن.. والرئيس بوش هو الذى اجتاح العراق واحتله لأسباب تبين للرأى العام الأمريكى ــ والعالمى ــ انها غير صحيحة، بل مختلفة عن سابق تصور وتصميم، وهو الذى فشل فى حربه على الإرهاب وحتى فى التخلص من بن لادن. وهو الذى أرهق الميزانية الأمريكية بالعجز لخوضه كل هذه الحروب والمعارك الخاسرة.
قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى العام التالى يأمل الرئيس أوباما أن يحقق أمرين على عكس ما فعله سلفه الرئيس جورج بوش. الأمر الأول هو سحب القوات الأمريكية من العراق. أما الأمر الثانى فهو انجاز التسوية السياسية مع طالبان فى أفغانستان. وبذلك يقدم نفسه للناخب الأمريكى على انه أخرج الولايات المتحدة من وحول حربين ورط الولايات المتحدة بهما الرئيس السابق بوش، وانه فوق ذلك نجح فيما فشل فيه بوش أيضا وهو التخلص من بن لادن. فهل يضمن بذلك الاستمرار فى البيت الأبيض؟.
●●●
هناك سابقتان توحيان بالعكس.
السابقة الأولى أمريكية. وهى ان جورج بوش الأب فشل فى الدورة الرئاسية الثانية رغم انه حقق انتصارا فى حرب الخليج الأولى (1990) التى أثمرت عن تحرير الكويت من الاجتياح العراقى بقيادة صدام حسين. أما السابقة الثانية فبريطانية. وهى أن ونستون تشرشل أقصى عن رئاسة الحكومة البريطانية بعد أن خسر الانتخابات العامة التى جرت بعد شهرين فقط من انتهاء الحرب العالمية الثانية التى تعتبر أحد أهم انجازاته التاريخية.
ثم ان أوباما ما لم ينتصر على بن لادن. لقد قتله فقط. أما تشرشل فلم يكتفِ بقتل هتلر، ولكنه انتصر مع الحلفاء على النازية. والمهم الآن هو الانتصار على البنلادينية!!.