هل يحق للرئيس الأمريكى باراك أوباما استعمال موقعه الرئاسى للترويج لحملة إعادة انتخابه؟
هل يحق له استخدام طائرة الرئاسة للانتقال من ولاية إلى أخرى لدعوة الناخبين إلى التصويت له؟.. وهل يحق له أن يدعو رجال المال والأعمال إلى التبرع لتمويل حملته الانتخابية؟ وهل يحق له توظيف الأولوية التى توليه إياها أجهزة الاعلام (لمجرد انه رئيس للولايات المتحدة) فى حثّ الناخبين على تأييده؟
ليس الرئيس أوباما هو أول رئيس يسعى للتمديد لنفسه. فقد سبقه إلى ذلك عديدون. نجح معظمهم، واستخدم جميعهم كل المواقع والإمكانات الرسمية التى توفرت لهم بصفتهم رؤساء دون أن تطرح هذه التساؤلات. أما الآن فإن كتابا جديدا صدر فى الولايات المتحدة يعالج هذه الظاهرة السياسية ــ الأخلاقية عنوانه «صعود الحملة المستمرة للرئيس: The Rise of the President’s Permanent Campaign» لأحد كتّاب الأكاديمية البحرية فى الولايات المتحدة برندان دورتى.
●●●
حتى القرارات السياسية أو العسكرية التى يتخذها الرئيس توظف فى حملته الانتخابية، الأمر الذى يرسم أكثر من علامة استفهام حول عدالة المنافسة مع المرشح الآخر. فالرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر فشل فى حملته الانتخابية لتجديد ولايته لدورة ثانية، لأنه فشل فى عملية تحرير الدبلوماسيين الأمريكيين الذين احتجزهم الطلاب الإيرانيون داخل مبنى السفارة الأمريكية فى طهران. يومها هبّت عاصفة رملية فوق صحراء لوط التى كانت هذه الطائرات تجتازها متوجهة إلى العاصمة الإيرانية، فاصطدمت ببعضها مما أدى إلى تحطمها وتاليا إلى فشل العملية. وقد دفع كارتر الثمن غاليا لمصلحة منافسه رونالد ريجان. أما الآن فإن الناخب الأمريكى يجد نفسه أمام سيناريو معاكس. فالرئيس أوباما نجح فى عملية تحديد المخبأ السرى لأسامة بن لادن، وفى إطلاق عملية عسكرية سرية نجحت فى قتله، ومصادرة الكثير من وثائقه السرية. وهو يوظف الآن هذه العملية الناجحة فى حملته الانتخابية. فهل إن فشل كارتر فى عملية السفارة الأمريكية بالعاصمة الإيرانية ــ طهران، والذى أفشل عودته إلى البيت الأبيض، يشكل أساسا للاعتقاد بأن نجاح أوباما فى قتل ابن لادن فى بوت اباد بالباكستان يؤشر لنجاحه فى العودة إلى البيت الأبيض؟
ليس صدفة أن تبدأ محاكمة المعتقلين من تنظيم القاعدة والمتهمين بالاشتراك فى التخطيط لعملية 11 سبتمبر 2001 فى نيويورك وواشنطن مع احتدام معركة انتخابات الرئاسة الأولى. ذلك ان هذه المحاكمة من حيث الشكل والمضمون تصب أيضا فى مصلحة الحملة الانتخابية للرئيس أوباما على حساب منافسه ميت رومنى.
وكان ملفتا جدا الأسلوب الذى استخدمه أوباما لإعلان اتفاقه مع الرئيس الأفغانى حميد كرزاى على سحب القوات الأمريكية من أفغانستان فى العام المقبل وتسليم القوات الأفغانية المسئوليات الأمنية تدريجيا. وهو أمر يشكل مطلبا شعبيا عاما فى الولايات المتحدة، أشبه ما يكون بالمطلب الشعبى بالانسحاب من العراق فى عام 2008. يومها خسر الحزب الجمهورى الانتخابات الرئاسية لأن الرئيس جورج بوش لم يستجب إلى هذا المطلب. وكان ذلك الخطأ السياسى الكبير من حظ المرشح أوباما الذى كان يتزعم حملة المطالبة بالانسحاب. وفى ضوء هذه الخلفية، فان الرئيس أوباما يدرك الآن أن من مصلحته ألا يرتكب خطأ بوش، وأن يجدد الموقف الذى اتخذه هو نفسه من العراق فى أفغانستان. فكان الاتفاق الجديد مع كرزاى. ولقد تعمد الرئيس أوباما ــ الشاطر جدا ــ توقيت إعلان الاتفاق من قاعدة باغرام العسكرية الأمريكية وليس من موقع الرئاسة الأفغانية. وأعلنه فى الساعة الرابعة صباحا بتوقيت كابول، الذى يصادف ساعة الذروة فى الولايات المتحدة بالنسبة لمحطات التلفزة والراديو.. فبدا الإعلان أشبه ما يكون بإعلان انتخابى من الدرجة الأولى!
●●●
لم ينتظر الرئيس أوباما الأشهر الستة الأخيرة من ولايته ليطلق حملته الانتخابية لدورة رئاسية ثانية. فالواقع أنه بدأ هذه الحملة مباشرة بعد فوزه بالرئاسة. ذلك أنه لم تكد تمر الأشهر الأربعة الأولى على دخوله البيت الأبيض، حتى قام بزيارات إلى 14 ولاية، منها 11 ولاية صوتت ضده بسبب سيطرة الحزب الجمهورى عليها. وكان واضحا أن تلك الزيارات كانت تستهدف المصالحة مع هذه الولايات تمهيدا لمعركة الدورة الثانية المحتدمة فى الوقت الراهن.
وخلال هذه الجولات، وما بعدها، استخدم الرئيس أوباما فى تنقلاته طائرة الرئاسة ــ ايرفورس وان ــ ومن هنا السؤال هل يحق للرئيس استخدام أموال دافع الضرائب الأمريكى باستعمال الطائرة الرئاسية فى تنقلاته للدعاية لنفسه؟
كان هذا التساؤل موضع شكوى رسمية ضد الرئيس رفعها الحزب الجمهورى فى شهر أبريل الماضى. وتقول الشكوى إن الرئيس الأمريكى يستخدم أجهزة الدولة (الطائرة الرئاسية) وما تتمتع به الرئاسة من أولويات، فى حملاته الدعائية. وتركزت الشكوى حول زيارتين انتخابيتين قام بهما الرئيس أوباما مستخدما الطائرة الرئاسية إلى كل من ولاية كارولينا الشمالية وكولورادو. ففى الولايتين كان العمل الرئيس الذى قام به، هو توجيه خطابات حماسية إلى مؤيديه وحثهم على الاقتراع له فى نوفمبر المقبل!
ولقد ردّ البيت الأبيض على هذه الشكوى بأن الزيارتين خصصتا لتمكين الرئيس من الاستماع مباشرة إلى مطالب الناس، خاصة الطلاب منهم الذين شكوا له من الفوائد المرتفعة على القروض الدراسية التى يحصلون عليها.. وفى اعتقاد منظمى الحملة الانتخابية للمرشح رومنى فإن تكاليف رحلة الرئيس إلى الولايتين تكفى لمعالجة شكوى الطلاب؟!
مع ذلك فإن منافس الرئيس أوباما المرشح الجمهورى ميت رومنى لا يشكو من نقص فى الأموال. فهو صاحب ثروة طائلة تقدر بعدة مليارات. وتؤيده طائفة المورمون التى وإن كانت قليلة العدد (حوالى 2 بالمائة فقط من عدد الأمريكيين) إلا أنها تضم مجموعة كبيرة من الأثرياء جدا الذين يدعمون مرشحهم ويمولونه. غير أن رومنى يشكو من أن الرئيس أوباما يستغل موقعه الرئاسى لجمع التبرعات المالية. وبالفعل فإن أوباما استطاع أن يجمع من التبرعات أكثر مما جمعه أى مرشح آخر فى تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
●●●
لا يوجد سقف للإنفاق على الانتخابات فى الولايات المتحدة. والمؤشرات تؤكد أن الانفاق يرتفع باستمرار. والتوظيف السياسى للتبرع ليس سرا. وليس عيبا. ذلك أن جوائز الترضية يقدمها الرئيس الناجح إما من خلال تعيينات فى مواقع سياسية أو دبلوماسية، أو من خلال اتخاذ مواقف سياسية استرضائية. ومن هنا يتسلل مال اللوبى الصهيونى.
إن كل ما قد يبدو حراما أثناء الحملات الانتخابية يصبح حلالا بعد وصول الرئيس إلى البيت الأبيض!