بعد أربعين عاما من جهود فى دول الغرب وغير الغرب «لتمكين المرأة»، تعلن نساء كثيرات أنهن أقل سعادة مما كن عليه قبل أربعين عاما. يعترفن بأنهن حصلن على كثير من الحقوق التى طالبن بها.
إذ زالت ــ أو كادت تزول ــ الفروق فى الأجور بين الرجال والنساء، وتعددت أمام النساء فرص التعليم وزادت بعد أن عشن فى مجتمعات كثيرة محرومات من قسط كبير أو قليل من التعليم أو من فرع أو آخر من فروع المعرفة.
ثم إن نسبة كبيرة من نساء الغرب تتمتع الآن بحرية الاختيار فى الاحتفاظ بجنين مفروض عليهن أو مهدد بإعاقة أو مرض وراثى وقد صارت بلا شك أقدر من أى وقت سابق على اتخاذ قرار الإنجاب من عدمه.
ويقر بعض النساء الآن بأن العمل المنزلى صار أقل وطأة بعد ان كثف الخبراء وأصحاب مشروعات الصناعة المنزلية الجهد والمال لتسهيل حياة النساء فى مطابخهن ومغاسلهن. خلاصة القول: حقق النساء فى أقل من نصف قرن حلما ظل يراود جداتهن وأمهاتهن منذ القدم.
ومع ذلك يشتكين. يشتكين لأنهن لا يشعرن بالسعادة التى كان يجب أن تأتى مع هذه المنجزات. المرأة الحديثة امرأة غير سعيدة. هذا هو ما يتردد فى الغرب على الأقل.
وأظن أننى أستطيع أن أفهم وبخاصة بعد ان نشرت دراسات حديثة تؤكد هذا الظن وتلك الشكوى، منها دراسة أجريت فى اثنتى عشرة دولة أوروبية بناء على عدد من مقاييس لقياس سعادة الفرد.
وجدت الدراسة ان نسبة كبيرة من نساء أوروبا أقل سعادة من الرجال. وفى تعليقه على هذه النتائج كتب اندرو أوسوالد الأستاذ بجامعة وورويك وهو الرجل الذى كتب فى موضوع السعادة وتخصص فيه أكثر من أى رجل آخر، يقول إن نتائج الدراسة أذهلته فعلا.
وحاول أن يقدم تفسيرات لهذه الظاهرة المناقضة لجميع التوقعات فى الغرب. اعترف أوسوالد كما اكتشفت الدراسة، أن النساء عموما، وفى جميع انحاء العالم، زادت دخولهن ووصلت كثيرات منهن إلى مراكز مهمة واشتغلن ساعات طويلة كالرجال.
ومع ذلك ظل عبء العمل المنزلى ملقى على عاتقهن لم ينخفض منه إلا القدر الذى أسهمت فيه التكنولوجيا الحديثة، وهو ليس كبيرا كما يتصور البعض، فالتكنولوجيا مهما تقدمت لن ترعى الأطفال ولن ترتب ما يخلفه الرجال من فوضى فى المنزل ولن تقضى آناء الليل وأطراف النهار تفكر فى حال العائلة ومستقبلها وسلوكيات الأزواج داخل البيت وخارجه.
كان الظن السائد قبل أربعين عاما أن خروج المرأة للعمل خارج البيت سوف يعفيها من جانب كبير من العمل فيه، ولم يتحقق الظن، رغم كل التسهيلات التى قدمتها وتقدمها الصناعة الحديثة والخدمات التى تعطى الانطباع بأن هدفها الوحيد إعفاء المرأة من العمل فى المنزل، ومنها خدمة توصيل الطلبات إلى المنازل.
قيل أيضا فى أسباب شعور المرأة «الحديثة» بأنها غير سعيدة، إن الدخل الزائد الذى حصلت عليه نتيجة خروجها للعمل ذهب فى حالات كثيرة إلى تغطية جانب كبير أو صغير من مصروف البيت، وبالتالى لم تكسب من ورائه استمتاعا وإشباعا لحاجات أخرى غير الحاجات التى يجب أن يتحمل عبئها رجل البيت.
أما النساء اللائى ينفقن على أنفسهن فى بذخ وبقدر من الاستمتاع فقد رجحت الدراسة أن نسبة لا بأس بها منهن يصبن بحالات تأنيب ضمير غالبا ما ترجمت نفسها فى حالات تعاسة دائمة أو متقطعة داخل المنزل.
هناك فرق بين امرأة تعشق التبضع لذاته، وأكثرهن هذه المرأة، وأخرى تعشق التبضع للإنفاق.
وفى الحالتين، ثبت أن المرأة بوعى أو بدون وعى تستخدم التبضع وسيلة لضبط عواطفها وتنظيمها والتخلص من الإرهاق العصبى أو التوتر الذى يتسبب فيه الضغط المزدوج الذى تتعرض له، تارة من العمل فى البيت ورعاية الزوج والأطفال والتعامل مع «شقاواتهم»، وتارة من ظروف العمل خارج البيت ومشقاته وعلاقاته، وبعض هذه العلاقات من نوع جديد لم تألفه من قبل وتجد الغالبية منهن صعوبة فى التعامل معه.
يبدو أن المرأة تكتشف الآن أن المساواة بالرجل لم تكن هدفا كافيا لهذه الحرب الضروس التى شنتها على مدى أربعين عاما ضد هيمنة الرجل، أو بمعنى آخر، ضد عالم يهيمن عليه الرجال. ويبدو أنها اكتشفت بالفعل أن الرجل مثلها يعانى من مشكلات عدم المساواة، ليس فى علاقته بالمرأة، ولكن فى علاقاته الاجتماعية والسياسية.
أميل إلى الرأى القائل بأن المرأة الحديثة عادت تتعاطف مع الرجل لأنها تراه مقهورا مثلها وربما أكثر. كلاهما، وفى أكثر المجتمعات، مقهور سياسيا، وكلاهما فى أغلب الظروف والحالات مقهور فى العمل خارج المنزل. وكلاهما يحاول بين الحين والآخر «تنفيس» بعض هذا القهر فى بيت الزوجية.
كان أمل المرأة فى وقت من الأوقات ان يؤدى التقدم المستمر فى الاختراعات ومظاهر الحياة الحديثة إلى مساعدة المرأة فى الحصول على استقلالها ثم تعزيز هذا الاستقلال والإقلال من اعتمادها على الرجل وتحرير إرادتها وزيادة حريتها لتبدع فى مجالات أخرى غير مجال الأسرة والبيت أو إلى جانبهما.
إلا أن الشهادات التى سجلتها الدراسات الحديثة عن تراجع «سعادة» المرأة مثل الدراسة التى نشرها المكتب القومى للبحوث الاقتصادية التابع للحكومة الأمريكية وقام بإعدادها المؤلفان بيتسى ستيفنسون وجاشتين وولفرز، تكشف عن أن المرأة ربما خسرت أكثر مما كسبت من وراء التقدم أو التطور التكنولوجى.
هنا فى مصر مثلا، يشكو بعض النساء من أن التوسعات الحضرية فى مدينة القاهرة وخروج المرأة إلى سوق العمل واستمرارها فيه إلى سن متقدمة من العوامل التى قضت على مزايا «العائلة الممتدة» أو المتقاربة جغرافيا حين كانت الجدة والعمة والخالة تخفف من عبء «أمومة» الزوجة العاملة.
يشكون أيضا، وكذلك الرجال، من حالة «النهم الاستهلاكى» الذى هيمن على الإنسان المصرى، وبخاصة النساء. يشكو الرجال من تدهور «الخدمة» المنزلية وتشكو النساء من تدهور شعور الرجل بالمسئولية والتصاقه شبه الدائم بالريموت كنترول وتفضيله إياه على كثير من فرص الاستمتاع الموجودة فى المنزل. ويعترفن أن كثيرات ينتقمن بقضاء الوقت فى المولات يتفرجن ويتبضعن وينفقن.
همست إحداهن قائلة «تحررنا منكم ليستعبدنا المول malls وها هو الآن يذل أعناقنا ويشعل الحرائق فى بيوتنا».