أعداد/ أيمن أبو العلا
كتب أوليجر سارساندس تقريرا عن مقابلة أجراها مع إكارت ورتز الباحث الأول بمركز برشلونة للشئون الدولية، نشر بعنوان «تحدى التغير المناخى فى الشرق الأوسط» على الموقع الإلكترونى للمركز. وتعتبر مواضيع الأمن غير التقليدى عموما وموضوع الأمن الغذائى والمائى خصوصا من المواضيع التى تفتقر إلى الوعى المجتمعى بها، بل وإلى الوعى النخبوى وهو الأمر الذى قادنا إلى نقاشات ومؤتمرات نخبوية غير ذات جدوى مثل مؤتمر الحوار الوطنى الأخير.
يقول التقرير أنه ليس هناك خلاف بين المتخصصين حول مسئولية الإنسان فى ظاهرة الاحتباس الحرارى التى ظهرت نتيجة لارتفاع مستوى الغازات الدفيئة (غازات توجد فى الغلاف الجوى تتميز بقدرتها على امتصاص الحرارة ومنعها من التسرب خارج الغلاف الجوى). أما الخلاف فيوجد حول كيفية تأثير هذا الاحتباس الحرارى على الواقع السياسى والاجتماعى وحول سبل وإجراءات مكافحته.
●●●
بالنسبة للإجراءات فأفضل إجراء قامت به الجماعة الدولية حتى الآن جاء مع توقيع بروتوكول كيوتو 1997 الذى يعد تطبيقا لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وهى اتفاقية دولية تحدد شروط ملزمة للدول المتقدمة لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة. 191 دولة (كل أعضاء الأمم المتحدة ما عدا الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وجنوب السودان وأندورا) بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبى قاموا بالانضمام إلى البروتوكول.
الولايات المتحدة وقعت ولكن لم تصدق عليه، أما كندا فقد انسحبت من البروتوكول عام 2011. وهناك مجموعة من الدول تفكر الآن فى الانسحاب مثل بيلاروسيا وكازاكستان وأوكرانيا واليابان ونيوزيلاندا وروسيا.
فى بعض الدول المتقدمة نجد أن هناك رأيا عاما محليا قويا استطاع أن يجبر بعض الحكومات على تطوير إنتاج الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة استخدام الطاقة والحد من إزالة الغابات. لكن نجد فى الناحية الأخرى الدول النامية تؤكد على ضرورة تشديد الإلزام على الدول المتقدمة بينما تتهرب الدول النامية من أى إلزام قد يقع عليها.
أيضا بعض الدول التى يقع عليها إلزام بروتوكول كيوتو توجه صناعاتها المستنزفة للطاقة نحو الشرق، وهى بذلك ليس فقط تتسبب فى الظروف البيئية السيئة هناك وإنما تقود بطريقة غير مباشرة إلى ازدياد انبعاثات ثانى أكسيد الكربون على مستوى الكرة الأرضية.
●●●
بالنسبة لتأثير التغير المناخى على الدول، يرى التقرير أن هذا التأثير سيختلف فى حالة الدول المتقدمة التى تعتمد اقتصاداتها على قطاعات متعددة عن حالة الدول النامية التى يعتمد فيها الاقتصاد غالبا على قطاع واحد وهو القطاع الزراعى.
ويضيف أن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيكونون أكثر المتضررين من التغير المناخى إلا أن هناك استثناءات، فإسرائيل مثلا لن تجد صعوبة فى التكييف مع التغير المناخى حيث ستكون لديها صادرات من سلع غير زراعية يمكن أن تقدمها للأسواق العالمية وتقوم فى المقابل باستيراد ما ينقصها من السلع الزراعية. وعلى مستوى الكوكب فإن الاحتباس الحرارى قد يكون له آثار إيجابية على الإنتاج الزراعى لبلدان نصف الكرة الشمالى إلا أن أثره على زراعات البلدان الاستوائية والقاحلة فسيكون كارثيا.
نقطة أخرى تغفلها معظم النماذج البحثية وهى التأثيرات غير المباشرة للتغير المناخى الذى من الممكن أن يؤدى إلى أخطار أخرى مثل حدوث الفيضانات والأعاصير وانتشار الآفات. فالمزيد من ثانى أكسيد الكربون فى الهواء لن يؤدى فقط إلى زيادة درجة حرارة الجو وإنما سيكون له تأثير محفز لهطول الأمطار.
أيضا لن تستطيع المحيطات الاستمرار فى استيعاب ثانى أكسيد الكربون لأكثر من عقدين من الزمان، وهكذا خلص الباحث إلى أن بحلول عام 2050 سيكون تأثير التغير المناخى على الإنتاج الزراعى العالمى سلبيا، حتى فى حالة ارتفاع الإنتاج الزراعى فى دول نصف الكرة الشمالى.
ومن تأثيرات التغير المناخى أيضا أمرا آخر جعل الكثير من المحللين الاستراتيجيين فى مصر وتركيا وآسيا الوسطى يستعدون للصراع، وهذا الأمر هو أن بحلول عام 2030 سيعيش نحو 47% من سكان العالم فى مناطق بها نقص مائى شديد. وحول هذا الأمر يقول التقرير أن السدود الجديدة مثل السد الإثيوبى والسد التركى، أعطوا دافعا قويا لدول المصب مثل مصر فى حالة سد النهضة الإثيوبى وسوريا فى حالة السد التركى، للتفكير فى الصراع حيث تخشى أن تؤثر تلك السدود فى حصصها من المياه.
إلا أن الجانب المشرق هو أن الحروب على المياه كانت تؤخذ دائما فى الاعتبار إلا أنها لم تحدث حتى الآن. ويرى الباحث أن مشكلة المياه مشكلة عالمية لمجابهتها يجب أن نأخذ فى الاعتبار أمورا أخرى مثل المياه الجوفية وتكنولوجيا الحفاظ على الماء وتخزينه وتطبيق نظم تعريفية مناسبة للمياه، وتبنى استراتيجية تأخذ فى الاعتبار المياه الافتراضية (المياه المستخدمة لإنتاج السلعة والتى ستكون قد وفرت إذا تم استيراد تلك السلعة).
●●●
المشكلة أن المجتمع الدولى لا يفعل الكثير لمواجهة هذا الأمر، فأكبر بلدان يسببان انبعاث الغازات الدفيئة هما الصين والولايات المتحدة، ليس لديهما خطة لتقليل هذه الانبعاثات. ذلك بالإضافة إلى الضعف الذى أصاب بروتوكول كيوتو من جراء ابتعاد كل من كندا وروسيا واليابان عن الاتفاقية بطريقة أو بأخرى.
وأضاف التقرير فكرة أخرى وهى أن المعهد الدولى لأبحاث الغذاء بواشنطن قال إنه من الضرورى إضافة استثمارات بقيمة 7 بلايين دولار سنويا فى مجال المحاصيل الزراعية المقاومة للجفاف ولتحسين سبل الرى وذلك للتكيف مع التغير المناخى. والمشكلة هنا أنه حتى الآن الدول الأكثر تأثرا هى الدول الفقيرة التى لا يمكن أن توفر مثل تلك الاستثمارات.
وبالنسبة للشرق الأوسط فكان ولفترة طويلة منطقة قاحلة، وسكانه قاموا بتطوير العديد من التقنيات لمواجهة مثل هذا المناخ القاسى. فى معظم الحالات يكفى استدعاء الخبرة التاريخية للتغلب على صعوبات الموقف، فمثلا اليمن قامت بإنفاق الكثير على التوسع فى استخدام مضخات المياه التى تعمل بالبترول مع تخليها عن الزراعة المدرجة التى تعتمد على الأمطار. البنك الدولى الآن يعمل على تطوير الزراعة المطرية عن طريق تطوير العلم الزراعى التقليدى فى مرتفعات اليمن.
وفى الختام إذا كانت الولايات المتحدة بغناها وتقدمها عانت كثيرا من الآثار الكارثية التى سببها إعصار ساندى فى 2012، فالدول لن تستطع أن تصلح كل شىء يتضرر من الظروف المناخية شديدة القسوة، وبالطبع لن تكون قادرة على تحمل تلك الإصلاحات فى المستقبل عندما يصبح تردد هذه الكوارث أكبر وأكبر.