أعترف بأننى دهشت لعودة الروح للرباعية المصرية بشأن سوريا.. فبالرغم من أن اقتراح الرئيس مرسى بتشكيل لجنة رباعية من كل من مصر والسعودية وتركيا وإيران هو اقتراح جيد فى حد ذاته إلا أنه لم يحدث له تحضير مناسب، ولم تسبقه مشاورات تتناسب مع خطورة الموضوع، فعندما طرح الرئيس مرسى الاقتراح فى خطابه أمام قمة منظمة التعاون الإسلامى فى مكة المكرمة لم يثنِ عليه أحد ولا حتى الدولة المضيفة ــ السعودية ــ وخرج الجميع من الاجتماع وهم يعتبرون أنه ولد ميتا أو بالتعبير الدبلوماسى لم يحلق Did Not Fly.
وأعتقد أن وزارة الخارجية لم تشارك فى الإعداد لهذا الاقتراح فهم يعرفون أصول «الصنعة»، ويعرفون أساليب إعداد الساحة لاستقبال مثل هذه المبادرات الكبرى، ويمكن أن يكونوا شاركوا لاحقا لإنقاذ الموقف.
وظنى أن المشاركين فى الاجتماع كانوا يتساءلون كيف يمكن لإيران أن تقبل اقتراحا مصريا بعد أن أعلنت مصر صراحة أنه لا مكان للأسد فى أى تسوية للأزمة وحملته المسئولية الكاملة عن دماء الشهداء، وطالبت برحيله فورا، ثم كيف تقبل السعودية اقتراحا يعطى إيران الفرصة لعمل إقليمى جماعى يكسبها احتراما ويخرجها من العزلة الدولية التى تُحكم حلقاتها عليها يوما بعد يوم..
ثم إن تركيا تحتضن المعارضة السورية وتقف فى مقدمة الصفوف المعادية للنظام السورى ولا ترى للأسد ونظامه أى فرصة للمشاركة فى الحل.
●●●
فما الذى جعل إيران تقبل ــ وهى الحليف الأكبر لسوريا ــ مبادرة من مصر بعد كل ذلك وتقبل أن تجلس مع أعداء حليفها السورى، بل ما الذى يجعل سوريا تقبل مثل هذا التصرف من حليفتها إيران (لأنه من المؤكد أن إيران تشاورت مع سوريا قبل الحضور للقاهرة).
لقد طُرح هذا السؤال من جانب قناة الجزيرة على المحلل الإيرانى السيد صدقيان، مدير معهد الدراسات العربية بإيران، وهو من المحللين القلائل الذين يفكرون بعقل هادئ بعيدا عن الصراخ والغوغائية التى تملأ الشاشات هذه الأيام، فرد بما معناه أنه صحيح أن الدول الثلاث لا ترى للنظام الحالى أى دور فى التسوية وصحيح أن إيران ترى عكس ذلك، إلا أن وجود قناة للتفاوض بين المختلفين فى الرأى قد يفتح الباب نحو حل وسط.
وأنا وإن كنت أرى فى ذلك علامة من علامات ضعف النظام إلا أننى أعتقد أنه لا يوجد حل دون مشاركة النظام القائم، فسوريا ليست مثل مصر التى حباها الله بشعب متماسك الأركان منذ آلاف السنين، الأمر الذى يعطيها حصانة قوية إزاء الهزات التاريخية الكبرى، أما فى سوريا فالأمر ليس كذلك، لذا يجب أن نحرص على وجود مرحلة انتقالية تضمن انتقالا سلميا منظما للسلطة يشارك فيها ــ بصورة ما ــ النظام القديم وإلا فهى الحرب الطائفية الطاحنة التى لا تبقى ولا تذر.. ليس فى سوريا ولبنان وحدهما بل قد تمتد إلى أوسع من ذلك.
ولإيران أيضا حسابات أخرى تتعلق بتوثيق علاقاتها بمصر وبالعالم السنى لعل ذلك يخفف من مخاوف الدول الخليجية وغلوها فى العداء
لإيران.
ولكن الملاحظ أن السعودية لم تحضر الاجتماع على مستوى وزارى ومن الواضح أنها تتعامل مع هذه المبادرة بحذر شديد.
●●●
وهناك عنصر آخر يدعو بعض المشاركين ــ خصوصا تركيا والسعودية ــ إلى الحذر.. وهو موقف المعارضة السورية التى ترفض الحلول الوسط والتى يغلب عليها التشدد والغلو النابع من الشخصية العربية التى لا تعرف الحلول الوسط وتتمسك بمبدأ كل شىء أو لا شىء والذى غالبا ما ينتهى إما إلى لا شئ وإما إلى كارثة، وقضية فلسطين الحزينة والطويلة تعد نموذجا لهذا النهج العربى فى التعامل مع قضايانا الكبرى.
ولا شك أن مصر قد خطت بهذه المبادرة خطوة أخرى على طريق عودتها إلى الساحة الدولية من أبوابها العربية والإسلامية وعدم الإنحياز.. واقترح – لدعم هذه الرباعية المصرية بشأن سوريا – إضافة المنظمتين العربية والإسلامية – إلى عضويتها أى إضافة الأمين العام للجامعة العربية والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامى إليها بحيث تصبح لجنة سداسية.. وهذا ليس بالأمر الجديد أو البدعة.. فإذا نظرنا للرباعية الدولية بشأن فلسطين لوجدنا أن الضلعين الآخرين فى هذا المربع بالإضافة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الروسى هما: الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى.. فلا غرابة أن تضم اللجنة التى تعالج شأنا عربيا مصيريا.. ممثلى المنظمات التى تمثل العالمين الأساسيين اللذين تسبح فى فضائها السياسة المصرية والعربية وهما العالم العربى والعالم الإسلامى.. فبالنسبة إلى الجامعة العربية فهى طرف أساسى فى مهمة الأخضر الإبراهيمى الذى أعلنت الخارجية المصرية أن المبادرة تهدف إلى مساندة جهوده، فهو الممثل المشترك للجامعة العربية والأمم المتحدة فى جهود السلام.. وبالنسبة لمنظمة التعاون الإسلامى التى تضم 57 دولة فى عضويتها، فإن تمثيلها فى اللجنة هو بمثابة إعلان للجميع بأن العالم الإسلامى يدعم هذه المبادرة، ويدرأ شبهة عدم تأييد القمة الإسلامية للمبادرة وهو الانطباع الذى تولد نتيجة خلو البيان الختامى من أى إشارة لها بسبب عنصر المفاجأة ــ كما أسلفنا.
●●●
ويلاحظ أن إيران ترغب أيضا فى توسيع العضوية ولكن فى اتجاه آخر ولتحقيق أهداف أخرى، فهى ترغب فى ضم العراق بوصفه الرئيس الحالى للقمة العربية وفنزويلا باعتبارها الرئيس القادم لحركة عدم الإنحياز.. وهكذا تضمن إعادة الكفة لصالحها أو على الأقل الا ترجح كفة على كفة حيث ستصبح اللجنة مكونة من ستة أعضاء: ثلاثة فى جانب الثوار هم مصر وتركيا والسعودية، وثلاثة فى جانب النظام أو على الأقل متفهمون لوجهة النظر الإيرانية الداعمة للنظام وهم العراق وفنزويلا وإيران.
وفى رأيى أنه إذا تحقق لإيران ما تريد فكأننا خلقنا آلية لإضاعة الوقت وخداع الشعوب، وعلى رأسها الشعب السورى الذى ينزف دما.
هذا من الناحية الموضوعية وهناك اعتبارات إجرائية أخرى فإيران تستند فى اقتراحها دعوة فنزويلا إلى أن وجود فنزويلا يتمم تروبكا عدم الإنحياز أى ثلاثية عدم الإنحياز، حيث إنها هى الرئيس القادم للحركة، ولما كانت كل من مصر (الرئيس السابق) وإيران (الرئيس الحالى) أعضاء فى اللجنة، إذن فلنضم فنزويلا (الرئيس القادم) حتى تكتمل الثلاثية.. وهكذا تخرج إيران المبادرة من إطارها الطبيعى الذى ولدت فيه وهو الإطار الإسلامى العربى وتضعها فى إطار عدم الانحياز. واعتقادى أن دور عدم الانحياز لم يحن بعد وأتصور أن دوره هو دور الداعم لتحرك فى الإطار الدولى عندما تنشأ الحاجة لذلك.. أما المرحلة الحالية ــ مرحلة استكشاف الأبعاد ومحاولة التوصل إلى أسس مقبولة لإنهاء الصراع فيحسن بقاء المبادرة فى إطارها الإسلامى والعربى.
وحول تمثيل العالمين العربى والإسلامى فى هذه اللجنة.. فأرى أن عضوية الأمين العام للجامعة العربية أكثر ملائمة من اختيار رئيس القمة أو رئيس المجلس الوزارى، لأنه ــ فى التحليل الأخير ــ فإن الأمين العام مقيد بالرأى الجمعى لجميع الأعضاء بينما الدولة التى ترأس القمة أو الوزارى هى فى النهاية دولة لها سياستها ومنطلقاتها ولا يمكن أن يتسنى لها الفصل التام بين «القبعتين» إن جاز التعبير.. والأمر ذاته يسرى بالنسبة لمنظمة التعاون الإسلامى.. بل هو أوقع، لأن رئاسة القمة ستذهب لمصر فى مطلع العام القادم التى هى بالفعل عضو فى اللجنة.. فكأننا لم نضف شيئا.
اعتقد أن لجنة سداسية بهذا التشكيل لديها فرصة أكبر، كما أن قراراتها ستحمل الوزن الكبير لكل العالم الإسلامى والعالم العربى.
●●●
وأخيرا.. استأذن القارئ بكلمة تخصنى درأ للظنون فأنا لا انتمى إلى تيار الإسلام السياسى فانتمائى الفكرى هو للتيار الليبرالى الديمقراطى المتمسك بالدولة المدنية القائمة على أساس المواطنة والمساواة، ومن أجل ذلك انخرطت فى حزب الدستور وكنت من أوائل من ساندوا الدعوة إلى التغيير قبل الثورة وكتبت مقالات عديدة فى هذا الصدد فلا يعنى تأييدى للخطوات الناجحة التى اتخذت فى مجال السياسة الخارجية، لا يعنى ذلك أننى أؤيد تيار الإسلام السياسى.. فبالرغم من أن الذين يعرفوننى يعتقدون أننى شديد الالتزام بالإسلام.. فإننى أربأ بأن يزج به فى المعترك السياسى ويصبح أيدلوجية فى الحكم تضاف إلى الأيديولوجيات الأخرى، وتقولب فى شكل أحزاب سياسية تتطاحن فى معترك تداول السلطة وتخطئ وتصيب وتحكم مرة ويطاح بها مرة أخرى، وأشفق أن تمر السنين على الحزب الذى يحكم باسم الإسلام «ودار بن لقمان على عهدها».. فلنتحرَ جميعا مقاصد الإسلام ومبادئ الإسلام عندما نتعرض للعمل العام.. دون أن نحوله لبرنامج سياسى.. لهذا فأنا أكتب من هذا المنطلق ومن منطلق خبرة السفير المتقاعد الذى يقترب من مشارف الثمانين عاما وليس له مطمع سوى رحمة ربه.