من حق المواطن أن يعرف ويفهم الإجابات عن الأسئلة التالية: ما هى النواقص التى تعانى منها مواد الدستور التى تطرحها الجمعية التأسيسية؟ هل تحتاج إلى تعديل؟ وهل هذا التعديل ضرورى؟ وهل سيحدث فرقا فى حياته اليومية؟
و عليه، يقع على عاتق قوى المجتمع المدنى تكريس وقت وجهد لضمان مشاركة مجتمعية واعية وبناءة فى عملية وضع الدستور المصرى الجديد. وضمان هذا النوع من المشاركة ليس مسئولية الجمعية التأسيسية وحدها. فالهدف النهائى لجميع المصريين هو أن يخرج الدستور توافقيا لا يفرض فيه أى من الأطراف موقفه على الآخر. فالدستور ليس معركة بين رابحين وخاسرين، بل هو بناء جماعى إذا انهزم فيه طرف خسرنا جميعا. بالتالى، يصبح على كل طرف من الأطراف سواء فى داخل الجمعية أو خارجها تحمل مسئولياته.
●●●
وفى هذا الإطار، اجتمع عدد من جمعيات المجتمع المدنى المتخصصة فى مجال الحقوق والحريات والواجبات العامة الواردة فى الدستور بمقر مركز العقد الاجتماعى. وكان المخرج الرئيسى من ورش العمل الثلاث مقترحات تفصيلية لمواد باب الحقوق والحريات والواجبات العامة فى دستور مصر القادم، سواء تم الاستفتاء على المسودة الحالية أو على مسودة أخرى، وتمت صياغتها فى شكل قانونى دستورى سليم بمساعدة قانونيين متخصصين. وتأتى أهمية هذه المبادرة من عدة اعتبارات أهمها أن المشاركين فيها ليسوا فقط من المتخصصين ولكن أيضا من العاملين على أرض الواقع فى الدفاع عن هذه الحقوق والحريات على المستوى المركزى فى القاهرة وعلى المستوى المحلى فى المحافظات. مثّل المشاركون فى ورش العمل أكثر من ثلاثين منظمة من منظمات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية بالإضافة إلى عدد من الأكاديميين والشخصيات العامة وممثل عن الأزهر. واعتمدوا فى عملهم على «مسودات» الدستور المطروحة التى طرحتها الجمعية التأسيسية، بالإضافة إلى مقتطفات من 22 مبادرة لكتابة الدستور أفرزتها جهود بعض الجمعيات والفاعلين فى المجتمع المدنى وبعض المواد التى أعدتها النقابات والجهات المتخصصة دون انتقائية بين المبادرات على أساس الانتماء الفكرى أو السياسى لأصحاب المبادرة.
وبما أن الهدف الأول والأخير هو تمكين المواطن من القراءة النقدية لكل مواد الدستور، نعرض هنا للتعديلات والإضافات المقترحة فى ورش العمل الثلاث فيما يخص الحقوق والحريات والواجبات الاقتصادية والاجتماعية كما وردت فى المسودة الأخيرة من باب الحقوق والحريات والواجبات العامة. وقد تضمنت المخرجات مجموعة من الملاحظات التى تخص هذا الباب بشكل عام بالإضافة لبعض المقترحات الخاصة بكل مادة على حدة والتى وجد الحاضرون أنها تغيب عن النص المطروح للمادة.
بعض الملاحظات العامة على باب الحقوق والحريات والواجبات العامة
أولا: هناك حاجة للتأكيد فى صياغة باب الحقوق والحريات بشكل عام على إلزام الدولة بحماية الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور، وعلى مسئولية العاملين فى أجهزة الدولة عن ضمان ممارسة هذه الحقوق. ثانيا: من الأصلح أن يكون الاستناد فى إعمال أحكام الشريعة الإسلامية فى الحالات قطعية الثبوت وقطعية الدلالة. ثالثا: ينبغى أن يتجنب الدستور الحالات الاستثنائية لأنها تفتح باب الاعتداء على الحقوق والحريات العامة التى يجب أن تكفلها الدولة لجميع المواطنين. رابعا: تحتاج مصر إلى تأكيد التزام الدولة الصريح والواضح بجميع المعاهدات الدولية التى صادقت عليها مصر فى مجال حقوق الإنسان وخصوصا الميثاق الدولى لحقوق الإنسان وبما يشمل التحفظات السابقة للدولة المصرية. خامسا: إن استخدام صياغات واضحة للتأنيث يخدم التأكيد على تمتع المرأة المصرية بجميع الحقوق والحريات التى يكفلها الدستور لكل مواطن مصرى وعلى تحملها لمسئوليتها فى القيام بالواجبات التى يفرضها الدستور على كل المواطنين. سادسا: إن دساتير الدول قديمة العهد بالديمقراطية تحد من الاعتماد على القوانين المنظمة لممارسة الحقوق والحريات الواردة فى الدستور إذ إنها تفتح الباب أمام الانتقاص من أصل الحق كما ورد فى النص الدستورى.
ملاحظات ومطالب توافقية حول المواد التى تخص الحقوق والحريات والواجبات الاقتصادية والاجتماعية
المادة ٢٨ الخاصة بالكرامة الإنسانية: هناك حتمية وواجب دولى ووطنى وأخلاقى لذكر مصطلح «التعذيب» صراحة والتوكيد على أن كفالة الدولة للكرامة والحماية من التعذيب لا تشمل مواطنيها فقط وإنما الانسان بشكل عام على أراضيها.
المادة ٤٨ الخاصة بمخاطبة المواطنين للسلطات العامة: ينبغى أن تكفل الدولة لكل شخص حق الشكوى ومخاطبة السلطات العامة كتابة وبتوقيعه، بل وتلتزم السلطات العامة بالبت فى موضوع الشكاوى والمخاطبات والرد كتابة خلال مدة لا تتجاوز شهر.
المادة ٥٠ والخاصة بالحق فى التعليم: إن التعليم أولوية قومية يجب أن توضع فى باب المقومات الأساسية للمجتمع وهو حق أساسى يجب أن تلتزم الدولة بكفالته لكل مواطن ومواطنة بما فى ذلك التعليم قبل المدرسى، على أن يكون التعليم على نفقة الدولة فى مراحله المختلفة فى مدارس الدولة وجامعاتها. كما كان هناك توافق عاما بين الحضور على إلزامية التعليم فى مرحلة التعليم الأساسى وعلى أهمية التزام الدولة باتخاذ جميع التدابير لمد مدة الإلزام إلى مراحل أخرى. أما بالنسبة لمحتوى المقررات، فطالب الجميع بتطبيق معايير الجودة العالمية فى مراحل التعليم المختلفة والتوسع فى التعليم الفنى وتشجيعه. ولا يكتمل دور الدولة فى التعليم إلا إذا أشرفت على الربط بين التعليم وبين حاجات المجتمع والإنتاج وضمان محتوى تعليمى يرسخ الهوية المصرية وقيم المواطنة وحقوق الإنسان وعدم التمييز وقبول التنوع والتعددية والاندماج والتماسك الاجتماعى. كما يجب أن تلتزم الدولة بالإنفاق على التعليم بنسبة من الناتج المحلى الإجمالى ونسبة من الإنفاق العام لا تقل عن المعدلات العالمية. ونحن فى أشد الحاجة إلى أن يحظر الدستور العنف البدنى والنفسى داخل المؤسسات التعليمية وأن يجرمه القانون.
المادة ٥٤ والخاصة بالتأمين الصحي: إن الصحة الجسدية والنفسية حق يجب أن تكفله الدولة لكل مواطن ومواطنة. والدولة مطالبة بأن توفر خدمات الرعاية والتأمين الصحى وفق نظام موحد شامل لجميع المواطنين. ويفرض واقع الظروف الصحية فى مصر أن يشمل نظام التأمين الصحى كل الأمراض بما فيها زراعة الأعضاء. كما أن هناك حاجة ماسة لأن يكون الدستور صريحا فى حظر حرمان أى شخص من العلاج الطبى لأى سبب فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة. ولن يكتمل هذا النظام الصحى دون أن يحقق النهوض بمقدمى الخدمة الصحية علميا واجتماعيا ودون أن تشرف الدولة والنقابات الطبية ومنظمات المجتمع المدنى على المؤسسات الصحية ومراقبة جميع الإجراءات. كما يجب أن تلتزم الدولة بالإنفاق على الرعاية الصحية بنسبة من الناتج المحلى الإجمالى ونسبة من الإنفاق العام لا تقل عن المعدلات العالمية.
المادة ٥٥ الخاصة بالحق فى العمل: ينبغى أن يشمل الدستور نصا واضحا وصريحا بأن الموظف العام يعمل فى خدمة الشعب بحيادية تامة، وتكفل الدولة إتاحة الوظائف العامة على أساس الجدارة دون محاباة أو وساطة أو تمييز على أن تكون مخالفة ذلك جريمة يعاقب عليها القانون. وعلى الدولة المصرية أن تكفل لكل عامل وعاملة الحق فى الأجر العادل والإجازات والتقاعد والحماية ضد مخاطر العمل، والحق فى توافر شروط الصحة والسلامة المهنية فى أماكن العمل. كما يجب أن يكون من المبادئ الدستورية عدم جواز فصل العامل أو العاملة من العمل إلا فى الحالات المنصوص عليها فى القانون وأن الإضراب السلمى حق دستورى ينظمه القانون.
المادة ٥٧ عن التأمين الاجتماعى والضمانات الاجتماعية: من حق المواطنين أن تكفل الدولة لهم خدمات التأمين الاجتماعى بموجب نظام يقوم على الاشتراك ويكون الانضمام إليه إلزاميا لكل من يعمل. ويجب أن يغطى هذا النظام حالات المرض والإصابة والعجز والإعاقة وفقدان العمل والوفاة والشيخوخة. ولا يقل المعاش الذى تتحمله الدولة عن الحد الأدنى للأجور. كما تلتزم الدولة بأن تضمن استمرار معاشات التقاعد للأسرة حال وفاة المؤمن عليه. ولكل مواطن ومواطنة الحق فى الضمان الاجتماعى إذا لم يكن قادرا على إعالة نفسه أو أسرته بما يضمن حد الكفاية.
المادة ٥٩ والخاصة بحرمة جسد الإنسان: إن حرمة جسد الإنسان حق دستورى تكفله الدولة للإنسان على أراضيها حيا أو ميتا. ويعد الهدف من النص صراحة على حرمة جسد الميت استهداف التجارة غير القانونية فى الأعضاء فى مصر.
المادة ٦٠ عن الحق فى السكن: على الدولة أن تكفل لكل مواطن ومواطنة الحق فى الحصول على مسكن آمن وصحى يضمن إنسانية العلاقات العائلية والاجتماعية. كما أن المسكن يجب أن تتوافر فيه الخدمات الأساسية من مياه نظيفة وصرف صحى ومصادر الطاقة. وتعد كفالة الدولة لحق المواطنين فى الغذاء الصحى والكافى لكل مواطن ومواطنة مطلبا عاما.
المادة ٦٧ الخاصة بحقوق الطفل: شددت منظمات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية المتخصصة فى حقوق الأطفال على حيوية دور الدولة فى إعمال مبادئ عدم التمييز بين جميع الأطفال، ومشاركة الطفل ورعاية مصلحته الفضلى فى كل أمر يخصه. كما تلتزم الدولة بحماية الأطفال فى مصر من جميع أشكال العنف والإساءة والاستغلال، خصوصا الأطفال ذوى الإعاقة والأطفال المعرضين للخطر، وترعى الأطفال المحرومين من البيئة الأسرية وتوفر لهم رعاية بديلة آمنة وصحية. ويجب أن ينص الدستور صراحة على حظر تشغيل الأطفال قبل الانتهاء من مرحلة التعليم الأساسى أو قبل بلوغ سن 15 سنة، وأن يجرم القانون تشغيل الأطفال بعد هذه السن فى أعمال خطرة.
المادة ٦٨ والخاصة بحقوق المرأة: اجتمع الحاضرون على ضرورة حذف هذه المادة والاكتفاء بنص يشدد على دور الدولة فى تعريف الأمومة على أنها وظيفة اجتماعية تلتزم الدولة برعايتها وبتوفير خدمات الصحة الإنجابية مجانا/على نفقتها بالإضافة إلى عدم دستورية التمييز ضد المرأة الحامل أو الأم فى العمل. وعلى الدولة أن توفر لكل من الأمهات والآباء إمكانية الجمع بين أدوارهم الإنتاجية والأسرية.
المادة ٧٦ فى الدفاع عن الوطن والتجنيد الاجبارى: توافق الحاضرون على الحديث عن «خدمة وطنية» وليس تجنيدا إجباريا. والمقصود هنا هو العمل على تغيير الثقافة المتعلقة بالدفاع عن الوطن لدى المسئولين والمجتمع بحيث لا يتم النظر إلى الخدمة العسكرية على أنها إجبارية عن طريق «الغصب» وإنما على أنها خدمة يستحقها الوطن وندين بها له. كما أن هناك حاجة إلى تحديد مدة الخدمة الوطنية لمدة سنة واحدة وبدون تمييز على أساس مستوى التعليم، فالجميع فى خدمة الوطن والتضحية من أجله سواء، بالإضافة إلى الحاجة إلى حتمية حظر تشغيل المجندين خارج إطار الخدمة العسكرية.