الانتخابات الرئاسية الأمريكية من منظور عربى - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 7:53 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الانتخابات الرئاسية الأمريكية من منظور عربى

نشر فى : السبت 22 أكتوبر 2016 - 9:25 م | آخر تحديث : السبت 22 أكتوبر 2016 - 9:25 م
أى مهتم بالسياسة فى أى مكان من العالم، سواء كان هو نفسه سياسيا أو مواطنا عاديا فى هذه الدولة أو تلك، أو كان دارسا لعلم السياسة بفروعه المختلفة، يتابع بدرجات متفاوتة من المواظبة الانتخابات الرئاسية فى الولايات المتحدة كل أربع سنوات، وهى مواظبة ترتفع درجتها نسبيا بالضرورة كل ثمانى سنوات عندما لا يكون واحدا من المرشحين عن الحزبين الجمهورى والديمقراطى رئيسا بالفعل يرشح نفسه لفترة رئاسية ثانية. منذ مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين تعاقب على رئاسة الولايات المتحدة 12 رئيسا منتخبا، رئيس واحد فقط كان يحق له الترشح لفترة ثانية ولم يترشح، هو ليندون جونسون، الذى آثر الانسحاب فى سنة 1968 تحت وقع الحرب فى فيتنام والمعارضة المتصاعدة لها، خاصة بين الشباب الأمريكى. فيما عدا جونسون، ترشح كل الرؤساء لفترة ثانية ولم يفشل منهم فى الحصول على فترة ثانية إلا جيمى كارتر فى 1980 وجورج بوش الأب فى 1992.

الجدل الانتخابى، وفى أعتى الدول الديمقراطية نفسها، كثيرا ما ينزلق إلى التراشق، بشأن موضوعات فرعية أو إلى تصورات تعدم أى أساس فى الواقع أو فى العلم، مثل «اقتصاديات ريجان» وشعوذته الاقتصادية التى ندد بها نفس منافسيه الجمهوريين فى انتخابات سنة 1980، ولكن النزال فى سنة 2016، هبط إلى مستوى من التبسيط والمزاعم والاستنتاج الفاسد والهجوم الشخصى على المنافس يصعب العثور على سابقة له. ومع ذلك، فإن القوة الأمريكية سياسيا، وعسكريا، واقتصاديا، وثقافيا، واتصاليا، تفرض أخذ الانتخابات الرئاسية الأمريكية بجدية، فهذه القوة الأمريكية تؤثر لا محالة فى سير النظام العالمى وفى تصديه للمسائل التى تعتريه فى بنيته العامة وفى النظم الفرعية الإقليمية التى يتكون منها، ومنها نظامنا الإقليمى العربى وتخومه الشرق أوسطية. بعد تناول جوهر أفكار المرشحين هيلارى كلينتون ودونالد ترامب وأسلوب كل منهما، نعنى فى هذا المقال بالفوارق بينهما فيما يتعلق بأزمات نظامنا الإقليمى، ثم بموقفهما من العملية الانتخابية برمتها. أى منظور عربى لا ينبغى أن يكتفى بمصالحنا المباشرة وحدها.

***

الجوهر فى أفكار هيلارى كلينتون، هو اتخاذ إجراءات لسياسات اجتماعية لمساندة مستويات معيشة الطبقة المتوسطة والتخفيف عن الفقراء، ومن هذه الإجراءات إتاحة فرص التعليم العالى لأبناء الطبقة المتوسطة، وخلق فرص العمل، عن طريق تحديث البنية الأساسية المتردية فى أنحاء الولايات المتحدة بين طرق أخرى، وهى تريد أن يموِل ارتفاع فى الضرائب على الأغنياء سياساتها الاجتماعية. والجوهر أيضا فى أفكارها هو مواصلة العمل فى إطار التحالف الأطلسى ومع حلفاء الولايات المتحدة خارجه من أجل الوصول إلى حلول لمشكلات العالم. هيلارى كلينتون هاجمت ترامب شخصيا على ازدرائه النساء وعلى سلوكه معهن، ونددت بتهربه من الضرائب، وأدانت موقفه من المهاجرين ومن الأمريكيين المسلمين. كلينتون تستفيد فى صياغة أفكارها وفى عرضها من خبرتها الطويلة فى الإدارة ومجلس الشيوخ الأمريكيين ومن قبل ذلك ولعشرات السنين فى منظمات المجتمع المدنى وفى حملات رئاسية منذ الستينيات من القرن العشرين.

فى المقابل أفكار دونالد ترامب بسيطة. هو يدعو إلى «جعل أمريكا عظيمة من جديد»، معتبرا أنها فقدت عظمتها نتيجة للسياسات التى اتبعتها، اجتماعيا واقتصاديا وخارجيا، وهى سياسات المسئولية عنها تقع على عبء الرئيس باراك أوباما وغيره من الرؤساء الديمقراطيين، وهو يعتبر هيلارى كلينتون مسئولة عن هذه السياسات، لأنها كانت وزيرة فى إدارة أوباما. هيلارى كلينتون إذن من الأسباب التى جعلت أمريكا تفقد عظمتها. وترامب يقول أنه سينشئ «أعدادا فظيعة من الوظائف» بمعنى أعداد هائلة، دون أن يقول كيف سيفعل ذلك، بخلاف أنه سيخفض الضرائب خفضا معتبرا. أكثر من عرضه لأفكار محددة، أسلوب ترامب هو مهاجمة كلينتون فى كل مجالات السياسات، باعتبار أنها ستكون استمرارا لسياسات أوباما فى حالة انتخابها، ثم هو يهاجمها شخصيا مكررا أنها «فاشلة» و«كاذبة»، ويندد بزوجها، بل إنه ذهب إلى أنه فى حالة انتخابه رئيسا سيعمل على سجنها! أفكار ترامب هى ردود فعل أكثر من كونها ابتكارات إيجابية جديدة. ربما وجد المراقب أن أهم ما قاله ترامب هو أن هيلارى كلينتون ستكون فى حالة انتخابها استمرارا لأوباما. بالفعل، يبدو أن كلينتون وإن أدخلت تعديلات على بعض سياساته أو وضعت بعضها الآخر بين آخر أولوياتها أو تخلت عنها كلية، فإنها ستسير على النهج الذى اختطه أوباما فى خطوطه العريضة، خاصة داخليا مع استعداد أكبر نوعا ما لاستخدام القوة خارجيا.

***

لذلك فإن المتفحص فى خطاب كلينتون لا يجد جديدا يعتد به فى موقفها من الأزمات المستعرة فى إقليمنا. فى المأساة السورية وفى العراق، ما تعرضه المرشحة الديمقراطية هو الاستمرار فى محاربة «داعش» بغرض دحرها فى الموصل مثلا ثم مهاجمة روسيا على وحشية قصفها لحلب بدعوى تخليصها من الجماعات الإسلامية المتطرفة المسلحة، مع الدعوة إلى فرض حظر الطيران فوق منطقة لم تحددها، والعمل فى نفس الوقت على التفاوض مع روسيا، من أجل وضع حد للمأساة والوصول إلى حل سياسى تنتقل السلطة السياسية بمقتضاه من النظام القائم إلى نظام جديد يستبعد الجماعات المسلحة ولا يشترط التخلص من الرئيس الحالى قبل البدء فى تطبيقه. مقاربة الرئيس أوباما فى سوريا لا تخلو من تناقض وهى إن لم تكن قد نجحت حتى الآن فلماذا عساها تنجح غدا؟ أما عن «داعش»، فماذا هى فاعلة إزاءها بعد تحرير الموصل منها؟ تناقضات أوباما وحديث كلينتون ترجع إلى التحالفات الإقليمية للولايات المتحدة وإلى حقائق توزيع القوة فى النظام الدولى ولروسيا قدر لا يستهان به منها، هى بالإضافة إلى ذلك تستغله بمهارة.

بالنسبة لترامب المسألة بسيطة وموقفه منها يكشف تناقضات أكثر فجاجة من تناقضات كلينتون. طالما كانت روسيا ومعها إيران والنظام السورى تحارب «داعش»، «وداعش عدونا»، فلنتركها تفعل! تمدد «داعش» المسئول عنه هو أوباما وبالتالى هيلارى كلينتون لأن الولايات المتحدة انسحبت من العراق، وما كان لها أن تنسحب! ضعف أوباما وكلينتون هو الذى فتح العراق أمام إيران فوضعته تحت جناحها. لا ينتبه ترامب إلى أن احتلال الولايات المتحدة للعراق، على عهد الرئيس الجمهورى جورج بوش الابن وإبان سيطرة المحافظين الجدد، وإنشائها لنظام سياسى طائفى وعرقى فيه هو الذى فتت العراق إلى مكوناته ومكن إيران من أن تمد نفوذها فيه. كيف يستنكر ترامب النفوذ الإيرانى فى العراق، وفى الوقت ذاته يريد السكوت على مشاركتها فى النزاع السورى، فيشجعها عليها على الرغم من التداخل بين الأوضاع فى سوريا والعراق؟
ليس ثمة ما يذكر بشأن موقف هيلارى كلينتون من التحالفات فى الإقليم. مرة أخرى هو امتداد لموقف أوباما: ضيق مكتوم بمأساة اليمن وبالتدخل العسكرى السعودى فيها، مع الحرص على ألا يخرج هذا الضيق إلى العلن. أما ليبيا، فلا تغير هيلارى كلينتون فى موقف أوباما الذى يبدو أنه ترك لأوروبا أن تدير السعى إلى تسوية فيها. استمرارا فى تناقضاته، ترامب يستنكر على أوباما الاتفاق النووى الذى توصلت إليه الدول الست مع إيران وما ترتب عليه من زيادة مواردها المالية وهو فى نفس الوقت يدعو إلى أن تتحمل خصمها السعودية، مثلها مثل أوروبا واليابان وكوريا فى شرقى آسيا، تكاليف دفاع الولايات المتحدة عنها.

***

يلفت نظر المراقب العربى غياب القضية الفلسطينية تماما، وحتى ما يسمى عملية السلام، عن مناظرات المرشحين الديمقراطية والجمهورى. هل نجح السعى الدؤوب لأن يصبح ما كان صراعا، فصار تشاحنا على القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة، نزاعا ثانويا فى الإقليم يتوارى خلف الصراعات فى سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها؟ للعرب نصيب كبير من المسئولية عن هذا التوارى.

أزعج ترامب الجانب الأكبر من المراقبين الأمريكيين عندما ندد بكل العملية الانتخابية وادعى أنها مزيفة ثم أعلن أنه قد لا يعترف بنتيجة الانتخابات. مصدر الانزعاج هو أن فى هذا الموقف تقويضا لمجمل النظام السياسى الأمريكى. فى سنة 2000، تأرجح إعلان الفوز بولايات فلوريدا التى كانت حاسمة فى تقرير مصير الرئاسة الأمريكية بين آل جور وجورج بوش الابن المعلن. ولما أعلن انتخاب الأخير بعد فترة ممتدة من إعادة فرز التصويت فى الولاية، كان يمكن لجور أن يعترض عليها حيث لم يفز فيها بوش فى النهاية إلا بفارق 537 صوتا من إجمالى ستة ملايين صوت! لم يفعل جور ذلك لأن النظام أهم بالنسبة إليه وإلى المستفيدين منه من منصب الرئاسة. أغلب الظن أن ترامب هو الآخر سيقبل بنتيجة الانتخابات ولن يقوض النظام فهو من كبار المستفيدين منه. التغيير فى الأنظمة يكون على أيدى من يتطلعون إلى التقدم، وترامب على العكس منهم.

هيلارى كلينتون سياسية محترفة ومن قبل ذلك ناشطة فى المجتمع المدنى. أما ترامب فهو هاوٍ أتى من مجتمع الأعمال، إنتاج الأفكار وصياغة السياسات ليسا صنعته. سواء كنت متفقا مع توجهاتهم أو مختلفا فأنت تستطيع توقع مواقف السياسيين المحترفين، ولكن لا يمكنك ذلك مع الهواة البسطاء الذين تؤثر فيهم الرياح المتقلبة.

توقع المواقف والسياسات حيوى بالنسبة للفاعلين السياسيين فى كل مكان بما فى ذلك فى إقليمنا العربى.
إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات