ما وراء الدعوة المصرية لإجراء حوار فلسطينى جديد - طارق فهمي - بوابة الشروق
الخميس 19 ديسمبر 2024 6:12 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما وراء الدعوة المصرية لإجراء حوار فلسطينى جديد

نشر فى : الثلاثاء 22 نوفمبر 2016 - 9:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 22 نوفمبر 2016 - 9:15 م
بدعوة مصر رسميا لاستضافة ورعاية حوار وطنى فلسطينى بين مختلف القوى والفعاليات الفلسطينية والعمل على ترتيب البيت الفلسطينى، تكون مصر وضعت النقاط على الحروف فى نمط وتوجه تحركاتها الراهنة فى التعامل فى الملف الفلسطينى بكل تعقيداته، وترجمت خطواتها الأخيرة على أرض الواقع بتقديم خطوات وتسهيلات لقطاع غزة والاستمرار فى إجراءات فتح معبر رفح رسميا واستقبال وفد من حركة الجهاد الإسلامى. وهو ما يعنى أن أجواء جديدة تلوح فى نمط وتوجه العلاقات المصرية الفلسطينية، وهو ما يتطلب فلسطينيا التعامل معه بجدية ليس على مستوى الفصائل كل على حدة، ولكن من السلطة المسئولة رسميا بعيدا عن الرفض أو التحفظ أو تدوير زاوية التوجهات.

أوضح بعض النقاط:

1ــ تتزامن دعوة مصر بالدعوة لعقد الحوار الفلسطينى فى مصر، مع الإعداد لعقد المؤتمر السابع لحركة فتح، وهو المؤتمر الذى دعا إليه الرئيس محمود عباس، لحسم كثير من النقاط العالقة داخل الحركة، ومنها انتخاب لجنة مركزية ومجلس ثورى جديدين وبما تدعم الرئيس محمود عباس وتطلق يده فى اتخاذ قرارات جديدة، وبشهادة كثيرين ربما لن تحل الخلاف الراهن داخل الحركة بل ستعمقها. وبالتالى فإن استمرار حالة التشرذم والتباين فى حركة فتح، هو ما سيؤثر على نمط علاقاتها بالقوى الفلسطينية الأخرى من جانب وبإسرائيل من جانب آخر؛ تلك التى تعيش حالة من النشوة بفوز الرئيس دونالد ترامب وانتهاء الحديث فعليا عن خيار حل الدولتين، والتأكيد على نقل العاصمة الإسرائيلية إلى القدس، وتطوير برنامج المساعدات الأمريكية التى منح إسرائيل 38 مليار دولار فى السنوات العشر المقبلة.

2ــ إنه لا يوجد تباين كبير فى التوجه بين ما دعت إليه الرباعية العربية الرئيس محمود عباس من إجراء إصلاحات مباشرة والشروع فى إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وبين ما هو مخطط له فلسطينيا إن خلصت النوايا وتوحدت الأهداف ولم تعد تقتصر على الإطاحة بأسماء والسعى للسيطرة والإمساك بقوة فى إدارة حركة هى كبرى حركات التحرير فلسطينيا. ومن ثم فإن الهدف الحقيقى ــ لو اتفق الجميع، كان سيستهدف انعقاد المؤتمر السابع وتحقيق الوحدة الوطنية وإعادة صياغة النظام السياسى بأكمله وتحويله من نظام خاص يعتمد على فرد إلى نظام مؤسسى، مع السعى للوصول إلى صيغ توافقية تجمع كل الأطراف.

3ـ إن القضية ليست فى عقد مؤتمر محل اختلاف على موعده وبرنامجه، ولكن القضية المحورية فى السعى للوصول لنقطة بداية تطرحها مصر فى توقيت بالغ الحساسية ولاعتبارات إقليمية ودولية لا علاقة لها بأشخاص أو حسابات ضيقة، بل رؤية شاملة تبدأ تدريجيا بإعادة النظر فى الوضع الراهن فى قطاع غزة، وهو ما أسفر أخيرا بعد سلسلة الاتصالات الأخيرة عن تشكيل لجان تم تشكيلها بين مصر والقطاع ستتابع أزمة الكهرباء والمياه وقضايا الاستيراد والتصدير ومعبر رفح وترتيبات سفر رجال المال والمواطنين وإدخال البضائع والمنطقة الصناعية التجارية الحرة بين غزة ومصر. ومن ثم فإن أجواء جديدة ستتشكل فى مسارات العلاقات المصرية مع القطاع، وبالتالى مع القوى السياسية الأخرى، وفى هذا السياق جاءت الدعوة المصرية لحركة الجهاد الإسلامى خاصة وأن الحركة كانت قد دعت لمبادرة من 10 نقاط لإعادة ترتيب الأجواء الفلسطينية حظيت بقبول حركة حماس وباقى القوى الفلسطينية الأخرى، وبالتالى فهناك فرصة حقيقية لبدء حوار فلسطينى تشارك فيه كل القوى الفلسطينية بدون استثناء على أن يكون للحوار جدول أعمال وطنى تأسيسا على فكر مبادرة الجهاد الإسلامى، وعلى أن يكون دور القاهرة رعاية الحوار ودعمه ومساندته والوصول به إلى بر الأمان، وبناء شراكة كاملة بين القوى السياسية والاتفاق على جدول أعمال شامل لتشكيل الشراكة الوطنية دون إقصاء أو استبعاد أو حسابات هامشية أو فصائلية.

***

4ــ إن مصر لم تعد بحاجة لأطراف لتنفيذ سياستها تجاه القطاع أو الضفة، وبالتالى أغلقت الباب أمام الذين يتحدثون عن دعمها لتيار أو أشخاص؛ فالعلاقات بين القطاع وأهله ومصر لا تحتاج إلى وسيط بصرف النظر عمن يحكم ويدير، مع الوضع فى الاعتبار الحسابات الأمنية والاستراتيجية التى تحكم العلاقات بين مصر والقطاع، خاصة أن اعتبارات الأمن القومى لمصر ستظل تعلو على أى اعتبار آخر، وفى ظل رهانات وطنية للدولة المصرية تعلى من خيار الانفتاح على القطاع وتقديم التسهيلات. وسوف ينعكس المناخ المصرى الجديد مع القطاع على توجيه رسالة لحركة حماس بضرورة مراجعة سياستها على الأرض تجاه مصر وبدء مرحلة جديدة من الرشادة السياسية تبدأ بفك تحالفها المباشر مع جماعة الإخوان المسلمين تأسيا بما فعله الإخوان المسلمون فى الأردن وبدء مراجعة مضمون العلاقات مع مصر مع الاستمرار فى بناء علاقات جادة تقوم على الشفافية وعدم الاصطدام بمصر التى صبرت كثيرا على توجهات الحركة.

5ــ فى هذا الإطار يجب التحذير من التربص الإسرائيلى بالحركة وجس نبضها فى المرحلة المقبلة، بعد وصول الرئيس ترامب للحكم فى الولايات المتحدة، ومدى ما يمكن أن تقوم به إسرائيل ويمينها المتطرف فى شن حرب جديدة على القطاع، وهو ما يدفع الحركة التى توصف دائما بالراديكالية والنفعية للتجاوب مع مصر والدخول فى علاقات جديدة أكثر ثقة وتجاوبا مع طرح مبادرة حركة الجهاد الإسلامى، والقبول بالحوار الجاد والمباشر حيث لا توجد خيارات جديدة حقيقية أمام الحركة، والتى عليها أن تدرك أن مصر لا تستبدل الأمن بالاقتصاد والشعب بالحركة والقيادات الاقتصادية بالسياسية خاصة أن إسرائيل تتابع التحركات المصرية بمزيد من القلق، وترصد الارتفاع اللافت فى حركة نقل البضائع المصرية عبر المعبر إلى غزة، الأمر الذى من شأنه أن يحد من فاعلية الحصار ونتائجه ويخفف الضغط على الفلسطينيين، وهو ما اعتبره البعض فى إسرائيل بمثابة رفع جزئى للحصار، وهو ما يمكن كما تتصور إسرائيل، أن تتجاوب معه حركة حماس والتفاعل مع تطوراته خاصة وأن هذا التوجه المصرى سيصب مباشرة فى صالحها ويدفع إلى مزيد من الاستقرار السياسى للحركة على الأرض، وهو ما تبحث عنه فى ظل الواقع الاقتصادى الحالى، ولعل الإشارات والتصريحات من قبل قيادات حركة حماس ما يؤكد على الحرص على التجاوب مع مصر ودعوتها لحوار حقيقى فاعل.

6ــ سيظل السؤال ما إذا كانت حماس تريد الحوار الوطنى برعاية مصرية بالأساس وارتكانا على مبادرة حركة الجهاد الإسلامى وبمشاركة كل القوى الفلسطينية؛ فهل تغيب حركة فتح ومن يمثلها؟ وهل ستنتظر القاهرة إجراء ترتيبات ما بعد المؤتمر السابع وما يمكن أن يفضى إليه من قرارات أم تصل الخيارات إلى حائط صد بين الرئيس محمود عباس والدول العربية فى اللجنة الرباعية خاصة وأنه اتجه إلى الدوحة وأنقرة كخيار تكتيكى؟. والواقع أن جولة الأمين العام أحمد أبو الغيط إلى رام الله لم تصل إلى نتائج محددة، وبالتالى فإن الخيارات المطروحة إما المضى قدما فى حوار فلسطينى عام يضم كل القوى الفلسطينية؛ يضم حركة حماس والجبهة الشعبية والديمقراطية وفصائل أخرى على غرار حوارات القاهرة السابقة، ولا تحضر حركة فتح رسميا ويمثلها تيار الإصلاح وعدد من قيادات وممثلى الحركة فى الخارج، وهو خيار محتمل فى حال عدم التفاعل الرسمى من حركة فتح رسميا ردا على الدعوة المصرية ـ التى قد تتأخر فى تنفيذ فكرتها إجرائيا ــ لإفساح المجال أمام مشاركة حركة فتح بصرف النظر عن نجاح أو فشل المؤتمر السابع وخروجه بقرارات ملزمة، والبديل الثانى تقدم جهود الأمين العام للجامعة العربية ــ وهو أمر مستبعد، ونجاح حركة الجهاد الإسلامى وبعض الشخصيات الفلسطينية المستقلة وقبول الرئيس محمود عباس بالدخول مع كل القوى السياسية الفلسطينية فى حوار وطنى جامع مع تنحية الخلافات الراهنة مؤقتا، واستيعاب صعود تيار الإصلاح داخل حركة فتح بصرف النظر عن عودة المفصولين أو الدمج أو العودة لمؤسسات فتح وسواء نجح المؤتمر السابع فى تفعيل قراراته أو لا.

***

إن مصر تجمع لا تفرق ومصر تنطلق من التزامها التاريخى بالقضية الفلسطينية، ولعل ما قاله السيد رئيس المخابرات العامة خالد فوزى أخيرا ما يؤكد على هذا باعتبار القضية الفلسطينية ومساعدة الشعب الفلسطينى ما زالت أولوية فى السياسة المصرية، فهل يتفهم الأشقاء رسالة مصر الواضحة والمباشرة، خاصة أن تعقيدات المشهد الراهن والتغييرات المتلاحقة إقليميا ودوليا تدفع لتنحية الخلافات الضيقة لما هو فى صالح القضية الفلسطينية.
التعليقات