السياسة المصرية الراهنة.. تحولات حقيقية وليست مناورات سياسية - طارق فهمي - بوابة الشروق
الخميس 19 ديسمبر 2024 8:05 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السياسة المصرية الراهنة.. تحولات حقيقية وليست مناورات سياسية

نشر فى : الخميس 27 أكتوبر 2016 - 9:30 م | آخر تحديث : الخميس 27 أكتوبر 2016 - 9:30 م
لا تحتاج مصر استئذانا من دول ومنظمات وأنظمة لكى تمارس سياستها الخارجية سواء كانت فى ملفات الإقليم المفتوحة أو خارجها. هكذا يتحرك صانع القرار المصرى رافعا شعار الندية والمواجهة وعدم اتباع أنصاف الحلول وأشباه الخيارات، وهو ما جرى أخيرا من الانفتاح على الجانب الإسرائيلى لاعتبارات تتعلق بالمصالح المصرية المباشرة وترجمة لمعاهدة قبلنا باستمرارها كل هذه السنوات، واستئناف الاتصالات المصرية الأخيرة مع الجانب الإيرانى، والبدء فى تحريك المياه الراكدة فى ملف العلاقات مع تركيا، برغم ما يتردد عن بقاء الأوضاع بين البلدين على ما هو عليه.
وفى ظل تحركات مرحلية للحكومة التركية إزاء مصر تعلى من المصالح الاقتصادية المشتركة أولا.

فى الفترة الأخيرة مضت القاهرة فى مسارات جديدة لسياسة خارجية مخطط لها، وهو ما اتضح بقوة فى الملف السورى واستقبال مسئولين رسميين سوريين، وهو ما رآه البعض أنه يستهدف إيصال رسالة إلى الأشقاء فى السعودية فى ظل المناخ الراهن من العلاقات بين القاهرة والرياض برغم تأكيد البلدين أنه لا توجد أزمة مكبوتة فى العلاقات المشتركة، وبرغم ما يجرى على الأرض واستمرار الهجوم الإعلامى غير المبرر تجاه مصر، وبالتالى كان التحرك المصرى المباشرــ والذى يتسق فى مضمونه مع المواقف المصرية فى التعامل قدما مع النظام السورى ــ وبصرف النظر عن الهدف المعلن ــ وهو ما يحمل تفاصيل عديدة مرتبطة بأبعاد إنسانية وأخلاقية ومصالح استراتيجية، فإن مصر ستتدخل بقوة فى المشهد السورى وتحجز لها موقعا متقدما فى أى تسوية أو مفاوضات قادمة إقليميا، وهو ما سيبدأ بالتنسيق فى مجلس الأمن لصدور قرار دولى جديد.

وبرغم ذلك فإنه من المبكر هنا الحديث عن محاور تسعى مصر للالتحاق بها أو السعى لتشكيلها، ومنها محور مصر وروسيا وإيران فى مواجهة التحديات الراهنة خاصة، أن تركيز القاهرة على الوجود فى ملفات الإقليم بقوة. وبصورة مباشرة من الآن فصاعدا، قد لا يرتبط فقط ببناء محاور أو الالتحاق باستراتيجيات جديدة قد تندفع إليها القاهرة. وهو ما سينطبق على الحالة اليمنية بدرجة لاحقة، خاصة أن للقاهرة أوراقا عدة، ومعطيات حقيقية للانفتاح على مختلف أطراف المعادلة اليمنية بدون أى حساسيات. وكذلك فى تبعات وتحديات الملف الليبى بالنسبة للأمن القومى المصرى، حيث تشتبك القاهرة فى ممارسة دور سياسى واستراتيجى داعم لسياسة وطنية مصرية بالأساس وفى إطار إعادة بناء الجيش الوطنى الليبى. ولعل البعض يتذكر مخطط إفشال التصور المصرى فى مسألة القوة العربية المشتركة، والذى كان مطروحا لمواجهة التحديات الأمنية والاستراتيجية العربية، وجعل مصر ولأول مرة فى تاريخها أن تكون ضمن قوات للتحالف العربى، وتقبل بأن تكون طرفا تابعا، وليس قائدا أو محركا لأطراف ظنت أن القاهرة ستبيع (استراتيجية وأمن) مقابل (الاقتصاد والمساعدات ).

***

ملف عربى آخر، وهو الملف الفلسطينى باعتباره قضية أمن مصر القومى، والذى لا يمكن أن تستمر فصائل فى تهديده فى سيناريو مفتوح لا علاقة له بالشرعيات الراهنة والمستقبلية وفى إطار واقع متعارف عليه يشير إلى أن كل الشرعيات الفلسطينية منقوصة، ومن ثم تتحرك مصر فى إطار حسابات واستراتيجية تعلى من مصالحها ودعمها للجانب الفلسطينى. ووفقا لرؤية مصلحة قومية لا علاقة لها بصراعات الزعامة أو الدعم لشخصيات بعينها، وهو ما لا يتفهمه البعض ورأوا أن القاهرة تحدث اختراقا فى مواقفها الراسخة، وأنها تسعى لترتيب الداخل الفلسطينى لحسابات معينة بما يخدم مرشحا محتملا مطروحا يحظى بدعم عربى متعدد.

والأمر ليس بهذه الصورة كما يتوهم البعض وإنما هو مرتبط بإعادة تقييم الأوضاع والحسابات المصرية إزاء الأوضاع الفلسطينية الراهنة، وبعد انسداد الأفق السياسى وتجمد جميع المسارات، وعدم وجود تصور عربى أو دولى جديد فى ظل هامشية التحرك الفرنسى، وتردد الجانب الروسى وانشغاله بالشأن السورى واستمرار الموقف الأمريكى على ما هو عليه ربما لعدة أشهر قادمة لحين أن تضع الانتخابات الأمريكية أوزارها لنعرف كيف سيعاد النظر فى الملف الفلسطينى أمريكيا فى ظل الأطروحات الراهنة المعلنة للمتنافسين على مقعد الرئاسة.

ولهذا استشعرت القاهرة خطورة المشهد الفلسطينى، وبالتالى كان التحرك المصرى فى إطار البحث عن المشتركات الوطنية الفلسطينية لبدء مسار تحريك المشهد المتجمد لصالح مجمل القضية الفلسطينية بأكملها وليس لتولية قيادات أو فصائل أو تيارات فليس لمصر ما يمكن أن تخبئه سياسيا.
وعلى الجميع التذكر جيدا والانتباه لحقيقة يجهلها أو يتناساها البعض أن مصر لم تتورط أبدا فى الملف الفلسطينى واستمرت ترى أن الدم الفلسطينى خطا أحمر، حيث لم تدخل مصر فى مواجهة من أى نوع مع الاشقاء الفلسطينيين، فى حين ارتكبت دول وأنظمة جرائم ومجازر ولن أزيد.

***

ولن أذكر هنا أن التحرك المصرى عربيا وإقليميا ظل حبيسا لمعطيات مصرية وعربية عديدة ربما لم يتفهم البعض توجهاته، ورأوا أن صبر القاهرة يجب أن يكون ممتدا وأن تستمر القاهرة فى تقديم شيكات على بياض لدول وأنظمة وفصائل، وهو أمر لا يتسق مع طبيعة المرحلة الراهنة التى تتطلب بالفعل حركة مصرية مباشرة تصب بالأساس فى إطار المصالح المصرية أولا والعربية تاليا، فقدرة مصر على الحركة تتجاوز المشهد الحالى والإمكانات المصرية كبيرة وهائلة، ويعرفها صناع السياسة والخبراء، وليس الجالسون من موقع المشاهدة والانتقاد والتنظير. وبالتالى فإن الحركة المصرية إقليميا ستتجاوز الذين يتحدثون عن الخيارات الضيقة لمصر وأنها مكبلة ومقيدة اقتصاديا وأنها ستعجز عن الحركة المستمرة أو اتباع سياسة النفس الطويل، وهو تقدير خاطئ يربط التحرك المصرى بحسابات محددة ودول وأنظمة تريد أن تفرض وصايتها على القرار الوطنى المصرى، وتربط صورة التآخى والتعاون بالدعم والمساعدات، وهو أمر ــ بات الآن برغم كل ما تواجهه مصرــ لا يحظى بقبول شعبى عام.

ولم يكن من رفاهة الوقت السعى لتطوير العلاقات مع السودان، ودعم العلاقات مع دولة جنوب السودان أيضا والذى يأتى فى إطار سياسة مصرية قائمة على تكتيل المصالح الوطنية المباشرة فى بؤر الأمن القومى المصرى المباشر، وليس فقط حصار أو تطويق إثيوبيا فى المرحلة الراهنة لنظام يعانى من أزمات حقيقية قد تعصف به فى نهايات الأمر. ولعل هذه الحركة المخطط لها تخدم السياسة المصرية بأكملها فى القرن الأفريقى بأكمله وليس الحفاظ على حقوق مصر المائية. وأذكر هنا أن العلاقات المصرية الإريترية جيدة وقائمة على أسس ومعطيات حقيقية وقابلة للتطوير، وليس لمجرد المناكفة السياسة لإثيوبيا.

فإذا كان ذلك كذلك فإن مصر لا تستبدل حلفاء أو أشقاء بحلفاء وأشقاء آخرين. وأذكر أن قدرة مصر السياسية سيجعلها قادرة على الحركة فى النطاقات الاستراتيجية بحرية واستقلالية مثلما تتحرك تجاه المنطقة المغاربية وتجاه الجزائر تحديدا ومن الأردن وسوريا إلى العراق وليبيا وجنوبا إلى السودان وجنوب السودان فى ظل المصالح المشتركة على كل المستويات.

المعنى من الحركة المصرية أن مصر ليست دولة عابرة أو وحدة سياسية هامشية أو أنها ستقف أمام دبلوماسية الدولار التى يوظفها كثيرون فى الإقليم، وهو ما لا تملكه مصر. وإنما تملك تاريخيا ممتدا وسياسة رشيدة وحسابات قوة شاملة لا يعرفها للأسف كثيرون يرون أن مصر محدودة الحركة وقليلة الخيارات، ويستكثرون على مصر مواقفها وتوجهاتها وتحولاتها الحقيقية ويتوقفون عن اتهامات مرسلة لمصر بدعم جبهة الأورومو، أو مشاركة وفد جبهة البوليساريو فى مؤتمر البرلمان العربى الأفريقى أخيرا.

***

ولعلنا نشير ختاما إلى أن بناء القدرات الداخلية وإعادة بناء الأولويات الوطنية، وتحديد جدول أعمال للوطن فى المرحلة الراهنة سيكون قوة دفع لصانع القرار المصرى خارجيا انطلاقا من داخل وطنى متماسك.
التعليقات