مبادرة قادة أوروبيين سابقين تغضب إسرائيل - بسمة قضماني - بوابة الشروق
الأحد 20 أبريل 2025 6:12 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

مبادرة قادة أوروبيين سابقين تغضب إسرائيل

نشر فى : الأربعاء 22 ديسمبر 2010 - 11:17 ص | آخر تحديث : الأربعاء 22 ديسمبر 2010 - 11:17 ص

 صدرت هذا الأسبوع رسالة موقعة من ستة وعشرين شخصية أوروبية تحض المجموعة الأوروبية على اتخاذ إجراءات معينة للتعامل مع الصراع الفلسطينى الإسرائيلى خلال عام 2011.

تكمن أهمية هذا الإعلان أولا فى هوية الموقعين عليها فهم جميعا من رؤساء دولة ورؤساء وزارة ووزراء خارجية ورؤساء لمؤسسات أوروبية سابقين لعب كل منهم دورا فى السياسة الأوروبية تجاه الصراع الفلسطينى الإسرائيلى فى وقت ما.

من الموقعين مثلا المسئول السابق عن السياسة الخارجية خافيير سولانا ورئيس ألمانيا السابق فون فايتزيكر وهلموت شميدت وميشيل روكار ومارى روبنسون ويرأس المجموعة هوبير فيدرين وزير الخارجية الفرنسى السابق واللورد كريس باتن ممثل المفوضية الأوروبية السابق.

الرسالة موجهة إلى رئيس المجموعة الأوروبية فان رامبوى والممثلة العليا مسئولة السياسة الخارجية كاترين آشتون وزعت فيما بعد على الصحافة العالمية.

انطلق الفريق من نص بيان كانت قد تبنته المجموعة الأوروبية العام الماضى ليقول إن هذا البيان كان من أهم التصريحات الأوروبية حيال الصراع الفلسطينى الإسرائيلى ولكن بعد مرور عام على إعلانه لم تقم المجموعة باتخاذ أى إجراءات لتطبيقه على الأرض وأن الوضع استمر فى التدهور خصوصا بسبب استمرار إسرائيل فى نشاطها الاستيطانى فى الضفة الغربية بما فى ذلك فى القدس الشرقية.

فالمطلوب الآن وبشكل عاجل هو أن تقوم أوروبا باستخلاص الإجراءات اللازمة لتحول مواقفها المعلنة إلى سياسة فعلية وبما أن الموقف المعلن هو أن المستوطنات مخالفة للشرعية الدولية فقد آن الأوان لكى تحدد أوروبا العواقب التى تنوى تطبيقها.

تعامل الفريق مع النص الصادر منذ عام على أنه يشكل أرضية لرسم سياسة وليس مجرد تسجيل موقف توافقى توصلت إليه الدول السبعة والعشرون بعد مفاوضات طويلة كما هو معتاد. وقامت بتوصيات محددة انطلاقا من مبدأ أنه يجب معاملة إسرائيل كأى دولة أخرى وهو تعبير نراه بديهيا لكن لم يسبق أن استخدمته الدول الأوروبية فى بياناتها.

أوصت هذه المجموعة أولا بعدم رفع مستوى الاتفاقية الثنائية القائمة للتعاون مع إسرائيل إذا لم يتم تجميد كامل للاستيطان بما فى ذلك فى القدس الشرقية وطالبت بمنع إستيراد البضائع المصنعة فى المستوطنات علما بأن هناك قانونا أوروبيا فى هذا الشأن ولكن الإجراءات التقنية لتطبيقه ومراقبة دخول هذه البضائع ليست فعالة أو بالأحرى لم تُفعّل حتى الآن.

ولم تكتف الشخصيات الستة والعشرون بالتذكير بضرورة إعادة النظر فى الإطار الحالى للمفاوضات والمبادئ التى تقوم عليها إذا لم تتوصل الأطراف إلى اتفاق لكنها ذهبت إلى تحدّى المجموعة الأوروبية مباشرة إذ أوصت بأن يقرر وزراء الخارجية فى اجتماعهم الأخير بأنه إذا لم تتقدم المفاوضات فى موعد الاجتماع المقبل أى فى شهر أبريل 2011 يستوجب على أوروبا أن تراجع موقفها من دعم المسار الحالى وإحالة الملف إلى مجلس الأمن فى الأمم المتحدة
.
تبنت أيضا لهجة غير معتادة عند الأوروبيين حيث عينت بصراحة الجهة المسئولة عن إفشال المفاوضات أى إسرائيل واتهمتها بتعريض المصالح الحيوية الأوروبية إلى الخطر قائلة أن عدم التوصل إلى حل للصراع الفلسطينى الإسرائيلى على أساس الدولتين يسىء اليوم وليس فى المستقبل لعلاقات أوروبا مع البلدان والشعوب العربية بأكملها.

وقد أثارت الرسالة اهتماما كبيرا فى الأوساط الرسمية الأوروبية والصحف الدولية بسبب مستوى وهوية الشخصيات الموقعة عليها وقوبلت بثلاثة أنواع من الانتقادات: الأول بأنها آتية من أشخاص لم يقوموا بما يوصون به الآن عندما كانوا فى مواقع أخذ القرار، والثانية بأنه كان بالإمكان إدانة إسرائيل بلغة أشد والتوصية بعواقب أكثر قسوة، ثالثا تعرضت لهجوم شرس من قبل جهات داعمة لإسرائيل فى داخلها وخارجها من خلال مقالات فى الصحف اختارت عناوين مثل «أوروبيون يطالبون بمعاملة إسرائيل كأى دولة أخرى» وكأنه أمر يفوق التصور، ويطالبون «بعقوبات وبمقاطعة إسرائيل» والبيان هذا «يظهر أوروبا على حقيقتها» فهى ليست وسيط ذات مصداقية وهى «تهمش نفسها بنفسها» باتخاذ مواقف كهذه.

لا شك أن هناك شيئا من الصحة فى الانتقاد الأول لكن ربما يشكل ذلك أهم دليل على أن مراكز السلطة تتعرض إلى ضغوطات تجعلها رهينة الإرادة الإسرائيلية إلى درجة عدم قدرتها على التحرك من خلال المؤسسات الأوروبية فهذه المؤسسات ما زالت حديثة ومن الأسهل التأثير فيها مما هو ممكن لدى نظام سياسى لكل دولة على حدة وتعطيل قراراتها والتلاعب على انقسامات بين أعضائها واستغلال قلة المعرفة والتجربة عند بعض الأعضاء الجدد من خلال عمل منهجى.

إن آلية الضغط الإسرائيلية هذه منظمة بشكل يصعب تخيله إذ تأسست داخل وزارة الخارجية الإسرائيلية منذ بضعة أعوام دائرة متخصصة تتعامل مع واحد أو مجموعة من الدبلوماسيين فى وزارات الخارجية فى كل من ثمانين دولة فى العالم ينقلون المعلومات ويتلقون التعليمات يوميا من هذه الدائرة.

الانتقاد الثانى مبرر طبعا فضرورة معاقبة إسرائيل لاستمرارها فى توسيع المستوطنات لم تعد حتى موضع نقاش بالنسبة لشعوب العالم برمتها بما فى ذلك الشعب الأمريكى.

المهم هنا ان توصيات الرسالة هذه تأتى فى الوقت الذى تنازلت الولايات المتحدة عن مطالبة إسرائيل بوقف الاستيطان فالشخصيات الموقعة على الرسالة تقول بشكل غير مباشر أن على أوروبا أن تقف اليوم فى الموقف الذى لم يستطع الرئيس أوباما الاستمرار به وأن تكون هى حاملة رؤية أوباما أكثر من أوباما نفسه معتبرة أن أوروبا قادرة على أن تكون شريكا فعالا للولايات المتحدة من خلال انتهاج سياسات على أرض الواقع لتقاسم المسئولية السياسية مع واشنطن فى قضايا أساسية.

الجدير بالذكر هنا أنه على الرغم من الرد العلنى للسيدة آشتون على هذه الرسالة بأن لا نية عند المجموعة الأوروبية فى تغيير النهج الذى اتبعته حتى الآن فى تعاملها مع الصراع فلقد تقدمت آشتون بخطاب عام إلى وزراء الخارجية عن دور أوروبا كشريك للولايات المتحدة فى القضايا الخارجية قائلة أن على أوروبا أن تراجع أساليبها فى دعم واشنطن وأن تنشط فى طرح رؤيتها وإثبات إرادتها إذا كانت تريد أن تؤخذ مواقفها على محمل الجد وتعتبرها واشنطن شريكا حقيقيا.

أما بالنسبة للهجوم الذى تعرضت له هذه المبادرة من قبل جهات داعمة لسياسات إسرائيل مهما كانت فقد قررت الشخصيات الموقعة على الرسالة تجاهلها فهى تعلم بفضل خبراتها وعلاقاتها أن المناخ العام داخل المؤسسات الأوروبية أصبح متقبلا تماما لخطاب كهذا بل إن صبر المسئولين الرسميين فى التعامل مع الاستفزازات الإسرائيلية قد نفد وأن لا قيمة لحجة إسرائيل بأن أوروبا تهمّش نفسها بمواقف كهذه لأن أوروبا هى القوة الأساسية التى تقف وراء تمويل المؤسسات الفلسطينية وحكومة سلام فياض وهى لاعب رئيسى فى الاقتصاد والأمن الإسرائيلى لا يستطيع أى من الطرفين تجاهلها إذا قررت أن ترفع صوتها وتطبق إرادتها على أرض الواقع.

أهمية هذه المبادرة هى أنها مبنية على تقييم دقيق للواقع السياسى ولموازين القوى داخل المجموعة الأوروبية وليس فقط على اعتبارات القانون الدولى والعدل.

ولا شك أن توقيتها يجعل منها رسالة باتجاه واشنطن أيضا، إذ حرصت المجموعة على التنسيق مع جهات أمريكية مماثلة للتأكيد على أن مبادرتها ترمى إلى تقوية عزيمة الرئيس أوباما بالمضى قدما لتطبيق رؤيته التى أعلنها فى خطابه فى القاهرة، ولكن أيضا للقول بأن هناك جهات أخرى تستطيع أن تتخذ إجراءات قد ترغم حكومة نتنياهو على الانصياع لأن القرار لا يجوز أن يبقى فى يد إسرائيل.

يبقى على هذه المجموعة أن تثبت استعدادها لمواصلة جهودها ولكن بعد أن بادرت بهذه الخطوة بنفسها أصبح من الضرورى أن تلقى دعما عربيا يشجعها على الاستمرار لأنها تشكل قوة ضاربة من الخطأ الاستهانة بها.

بسمة قضماني  مدير مبادرة الإصلاح العربي
التعليقات