من أبدع أفلام الستينيات فيلم لكلارك جيبل اسمه Teacher’s Pet «مدلل الأستاذ».. كان جيبل فيه يمثل رئيس تحرير إحدى الصحف اليومية الناجحة وجاءه محرر شاب يعرض عليه ورقة تحمل خبرا.. نظر رئيس التحرير فى الورقة ثم نحاها جانبا، وقال للمحرر: هل علمت أن هناك حادثة قتل وقعت فى شارعنا اليوم؟ فأخذ المحرر الشاب يسأل فى دهشة: متى وأين وكيف ومن القاتل ومن القتيل ولماذا؟.. فقال له رئيس التحرير هذه بالضبط هى الأسئلة التى كان يجب أن تتتعرض لها فى الخبر الذى أتيتنى به الآن.
لقد تذكرت هذا الفيلم عندما قرأت رسالة الأستاذ هيكل حول حديث الدكتور مصطفى الفقى فى جريدة «المصرى اليوم» يوم 12 يناير الحالى، الذى نقل عنه أن قال إن «الرئيس القادم لمصر يحتاج إلى موافقة أمريكا وعدم اعتراض إسرائيل».
وقد تعامل الأستاذ هيكل مع هذا التصريح كما تعامل كلارك جيبل مع المحرر الشاب.. فوجه أسئلة مهنية تتعامل مع التصريح كأنه خبر فتساءل عن: متى وكيف وأين ولماذا؟.
بالقطع أنه ليس خبرا .. وهو بالقطع تحليل للأوضاع وقراءة صحيحة لما آلت إليه الأمور.. وقد رد الدكتور الفقى على الأستاذ هيكل بأن ما قاله كان اجتهادا من محلل سياسى وهناك فارق كبير بين الخبر والتحليل.. وإن ما قاله لا يوحى بأن هناك من يطلب موافقة أمريكا أو رضاء إسرائيل.
بالطبع لا يمكن تصور أن يكون ذلك محل عرض وطلب وإيجاب وقبول.. فيكفى أن يتوصل البعض إلى قناعة بأن الرئيس القادم يحتاج إلى رضاء أمريكى إسرائيلى حتى يشرعوا فى اتباع السياسة التى توفر لهم هذا الرضاء.
أما متى أصبح اختيار الرئيس فى مصر بموافقة أمريكية وعدم اعتراض إسرائيلى؟
فإننى اعتقد أن ذلك لم يحدث بين يوم وليلة ولكن على مدار سنوات طويلة بدأت بهزيمة 1967 ــ شهادة الميلاد الحقيقية لدولة إسرائيل ــ وأذكر واقعة صغيرة من توابع زلزال عام 1967 لها دلالتها. كان الدكتور محمود فوزى مساعد رئيس الجمهورية فى ذلك الوقت يجتمع بنا أعضاء البعثة المصرية لدى الأمم المتحدة عندما تلقى مكالمة من يو ثانت سكرتير عام الأمم المتحدة يبلغه أنه حصل على موافقة إسرائيل من حيث المبدأ فى أمر يتعلق بعبور أفراد الأمم المتحدة لقناة السويس، إلا أنها تشترط شروطا لا أذكر تفاصيلها الآن، فقد أصبحت إسرائيل الدولة المشاطئة لقناة السويس ويحق لها أن تشترط الشروط.. ثم توالت الأحداث لتدعم الصعود على الجانب الإسرائيلى والأفول على الجانب العربى حتى وصلنا إلى قناعة أن 99% من الحل فى يد أمريكا.. وأن مفتاح أمريكا فى أيدى اليهود. وبدأت المسيرة التى نعرفها جميعا.
وقد أعجبنى كلام مصطفى الفقى عن محمد البرادعى وشهادته الهامة حول ظروف ترشيحه وموقف الرئيس مبارك الذى لم يعرف بعدم تأييد مصر له.. أما بالنسبة لعمرو موسى فقد أعلن بنفسه أنه من الصعب المنافسة على منصب الرئيس لأن «الطريق مسدود»، فالأمر إذن لا يتعلق بالعيون والحواجب» أو «الخروج من رحم النظام» كما قال مصطفى الفقى، فكم من وزير خارجية ووزراء ومسئولين آخرين خاضوا غمار الانتخابات أمام رؤسائهم السابقين فى العديد من دول العالم وعلى أجندات مختلفة عن سياسة الرؤساء الذين خدموا معهم..
وأخيرا فشكرا للدكتور مصطفى الفقى على هذا الحديث الدسم الجرىء ولإسهاماته الجيدة فى الحوار المصرى الذى تموج به الساحة المصرية حاليا.