نشرت جريدة الحياة اللندنية مقالا للكاتب «حازم أمين» وجاء فيه: من أطلق على رجب طيب أردوغان لقب «أسد السنة» لا يملك حساسية أخلاقية حيال «أسد سورية»، لا بل هو معجب إلى حدٍ بعيد بـ «أسد» بلاده، بصفته نموذجا يجب إطاحته لإحلال «أسدٍ» مشابه مكانه. ومناسبة هذا الكلام استئناف جماعات سورية موالية لأردوغان هذه العبارة فى سياق حربه على أكراد بلادهم.
والحال أن المرء يعجب من قلة اكتراث أردوغان بالحسابات السورية فى سياق تقلباته من موقع إلى موقع، ومن حرب إلى حرب. بالأمس القريب ذهب فى خطابه ضد بشار الأسد إلى حدود وصف «صديقه القديم» بالشيطان الرجيم، وها هو اليوم يعود أدراجه إلى موسكو وإلى طهران غير مكترث بما تجره هذه العودة من تداعيات على حلفائه من الجماعات السورية المعارضة. وإذا كان من الطبيعى أن يتقدم الحساب التركى حسابات الرجل فى سوريا، فإن الحساب السورى لا يتقدم على ما يبدو حسابات أتباعه السوريين. وهذا شأن الجماعات المستتبعة فى كل حروبنا الأهلية. وأردوغان غير المكترث للحسابات السورية وما تجر تقلباته عليها من مآسٍ واختلالات، يشبه فى قلة اكتراثه، شريكا إقليميا آخر له، هو طهران، فالأخيرة بدورها خاضت حروبا هائلة فى سورية لم تقم فيها أى اعتبار للحساب السورى. قُتل فى هذه الحروب مئات الآلاف من خصومها المذهبيين ومن حلفائها المذهبيين أيضا، ولم يعن لها هذا أكثر من أثمان «طبيعية» لحرب الحفاظ على الموقع.
والغريب أن طرفى الحرب السورية الإقليميين (إيران وتركيا)، إذا ما اعتبرنا روسيا والولايات المتحدة طرفيها الدوليين، يصولان ويجولان فى كل من العراق وسوريا فى حربٍ واحدة يتحالفان فيها فى لحظتها الكردية ثم يعودان ويبتعدان فى لحظتها المذهبية بما يشبه رقصة فالس دموية. اليوم حان وقت مدينة عفرين. طهران أفسحت المجال لشريكها فى الرقصة الدموية. خطوة إلى الوراء مع ابتسامة لعوب على ما تقتضى قواعد «الفالس»، أما المجتمع المحلى، فهو مكتفٍ بالتصفيق والإعجاب. وأردوغان يحمل «غصن الزيتون» ويتقدم إلى المدينة، على وقع هذا التصفيق. الرجل الذى باع حلب للروس، ويفاوض اليوم على إدلب، غير مكترث بمستقبل المصفقين. يريد أن يهزم الأكراد فى عفرين، تماما كما هزمهم قاسم سليمانى فى كركوك، مع فارق طفيف يتمثل فى أن طهران أهدت بعض غنائم نصرها فى كركوك إلى حلفائها من الشيعة فى العراق، فيما أردوغان بصدد أن يدفع ثمن نصره لعدوى حلفائه من السنة فى السورية، أى إلى موسكو وطهران.
من الصعب ومن المؤلم مطالبة ما تبقى من معارضة سورية بموقف صلب من تركيا، فذلك سيجر عليها أثمانا إنسانية يصعب دفعها اليوم. لكن إعادة النظر هنا تبدو ملحة، والألم السورى فاض على حسابات الحروب الكثيرة التى يشهدها هذا البلد. فأردوغان مثله مثل قاسم سليمانى ومثل بشار الأسد تحول راقصا على دماء السوريين، والرابطة المذهبية جرت على أصحابها ما لا يمكن ضبطه من مآس ليس مصير حلب صورتها الوحيدة.
ثمة حدث هائل فى سوريا اليوم، وليست عفرين مسرحه الوحيد. عودة أمريكية وانعطافة تركية وتحفز روسى، وفى موازاة ذلك لا يبدو أن هناك أثرا لصوت سورى يعلن أنه معنى بما يجرى. النظام هو الحلقة الأضعف فى تحالف موسكو وطهران، والمعارضة عاجزة عن إعلان موقف من فصائل سورية ذاهبة إلى قتال سوريين آخرين إلى جانب جيش غير سورى.
سيتكشف «النصر» التركى فى عفرين عن مزيدٍ من الهزائم التى أصابت وتصيب السوريين. سيتعزز موقع موسكو وطهران، وستزيد فرص بشار الأسد فى النجاة والاستمرار رئيسا. الذاهبون إلى القتال فى عفرين إلى جانب رجب طيب أردوغان، ذاهبون إلى حرب إدامة سلطة النظام الذى قتل السوريين. ألا يتطلب ذلك تضحية مهما كانت أثمانها، موقفا أخلاقيا على الأقل، صرخة فى وجه الشريك القديم الجديد للطاغية؟
الحياة ــ لندن
ا