فرصة إيران النادرة مع دونالد ترامب - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الخميس 23 يناير 2025 11:45 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

فرصة إيران النادرة مع دونالد ترامب

نشر فى : الخميس 23 يناير 2025 - 7:55 م | آخر تحديث : الخميس 23 يناير 2025 - 7:55 م

منذ نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية، عام 1979، جمع العداء بين واشنطن وطهران، وعلى مدى ما يقرب من نصف القرن شهدت العلاقات بين الدولتين صورا مختلفة من التصعيد والترهيب واحتجاز الرهائن والاشتباكات المسلحة والردع المتبادل وفرض عقوبات قاسية وتصنيفات بالإرهاب وتنكيل دبلوماسى مباشر وغير مباشر‫.‬
وأصبح العداء لإيران نوعا من المسلمات فى دوائر صناع القرار الأمريكى بغض النظر عن الانتماءات الحزبية، إذ لا يختلف الديمقراطيون عن الجمهوريين استراتيجيا تجاه العداء لإيران‫.‬
جاء إعلان الرئيس السابق، جيمى كارتر، فى خطاب حالة الاتحاد عام 1980 أن «أى محاولة من قوة خارجية للسيطرة على الخليج العربى بمثابة اعتداء على المصالح الحيوية لنا، وستتم مواجهة هذا الاعتداء بأى وسيلة ضرورية، بما فى ذلك القوة العسكرية»، بمثابة رسالة جادة ومباشرة لطهران بعدم التفكير فى الاقتراب عسكريا من الخليج‫.‬
اتبعت واشنطن سياسية صارمة لاحتواء إيران ومحاولة عزلها إقليميا ودوليا. ونفذت واشنطن ما تعهدت به خلال سنوات الحرب العراقية الإيرانية والتى استمرت خلال عقد ثمانينيات القرن الماضى، حيث وفرت الحماية لأساطيل تصدير النفط والغاز الخليجى للعالم، ثم تدخلت ضد الغزو العراقى للكويت فى بداية تسعينيات القرن الماضى، وكذلك أرسلت مئات الآلاف من جنودها لتحرير الكويت. ثم توصلت الدولتان لاتفاقية البرنامج النووى الإيرانى عام 2015 إلى أن انسحب منها ترامب، عام 2018، لتعرف علاقات الدولتين مستوى آخر أكثر خطورة‫.‬
اليوم ينتشر لواشنطن ما يقرب من 40 ألف جندى فى بعض دول الخليج وخلال عام 2024، وقفت واشنطن عسكريا إلى جانب إسرائيل فى دعم هجماتها ضد إيران، وفى صدها للهجمات الإيرانية اللاحقة‫.‬

• •

خلال حملته الانتخابية الأولى، عام 2016، هاجم ترامب سلفه السابق باراك أوباما بسبب توصله لاتفاق حول البرنامج النووى الإيرانى عام 2015 بمشاركة الدول الخمس الكبرى، الصين وروسيا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، وهاجم ترامب بصفة عامة سجل إدارة أوباما فى التعامل مع إيران ووصف الاتفاق النووى بأنه أسوأ صفقة فى التاريخ‫.‬
عرض ترامب فى عدة مناسبات لقاء نظيره الإيرانى للتفاوض من أجل صفقة جديدة بين الدولتين، وعبر ترامب عن استعداده غير المشروط لعقد لقاء مع الرئيس الإيرانى لبحث الخلافات بين الدولتين لما فيه مصلحة الدولتين والشرق الأوسط والعالم، وهو ما أربك الدوائر السياسية والبحثية الأمريكية، وأربك حلفاء واشنطن الشرق أوسطيين‫.‬
اليوم وبعد عودته للبيت الأبيض يواجه ترامب معضلة تتمثل فى رغبته الظهور كرئيس قوى قادر على اتخاذ قرارات مهمة حين تستدعى الضرورة، لكنه فى الوقت ذاته ظل محافظا على تعهداته بعدم توريط واشنطن فى أى حروب شرق أوسطية جديدة‫.‬
يُقال إن إدارة ترامب تدرس خيارات مختلفة لمنع إيران من أن تكون قادرة على بناء سلاح نووى. وتشمل هذه المبادرات إعادة التفاوض على اتفاق نووى ثان، أو اتباع سياسة «الضغط الأقصى» على طهران من خلال تشديد العقوبات، أو شن غارات جوية مكثفة لتدمير المنشآت النووية الإيرانية. سبق وتم التفاوض على الاتفاق النووى الإيرانى فى ظل إدارة باراك أوباما فى عام 2015. ووضع الاتفاق الذى وقعته إيران والعديد من القوى العالمية قيودا على برنامج إيران النووى مقابل تخفيف العقوبات. طُلب من إيران خفض مخزونها من اليورانيوم بنسبة 98٪ والإبقاء على مستوى تخصيب اليورانيوم عند 3.67٪. هذا أقل بكثير من المستوى المطلوب لصنع قنبلة‫.‬
لم تؤدِ حملة ترامب للضغط الأقصى على إيران خلال فترة ولايته الأولى إلا إلى تعزيز تفكير طهران حول الهيمنة الأمريكية. وأدان العديد من المسئولين الإيرانيين العقوبات التى تقودها الولايات المتحدة ووصفوها بأنها «إرهاب اقتصادى»، وانتقدوا «تعطش واشنطن للحرب»‫.‬
يبقى ضرب المنشآت الإيرانية كخيار أخير ينظر فيه فريق ترامب، وسيمثل هذا الخيار خروجا عن السياسة الأمريكية طويلة الأمد المتمثلة فى احتواء طهران من خلال الإكراه الاقتصادى. ومن المحتمل أيضا أن يؤدى ذلك إلى تصعيد كبير فى الأعمال العدائية بين البلدين‫.‬

• •
إلا أنه يبدو فى الوقت ذاته أن هناك انفتاحا أمريكيا على صفقة جديدة مع إيران. وخلال جلسة التصديق على تعيينه وزيرا جديدا للخارجية، قال السيناتور ماركو روبيو أمام مجلس الشيوخ إن إدارة الرئيس دونالد ترامب منفتحة على اتفاق نووى جديد مع إيران. وأضاف روبيو (وهو أحد الصقور التقليديين ضد إيران) «وجهة نظرى هى أننا يجب أن نكون منفتحين على أى ترتيب يسمح لنا بالحصول على الأمان والاستقرار فى المنطقة»، ووصف النظام الإيرانى بأنه فى «أضعف نقطة له فى الذاكرة الحديثة، وربما على الإطلاق»، مع تدهور دفاعاته الجوية، وتقويض شركائه ووكلائه الإقليميين، واقتصاده فى ضائقة يرثى لها. وقال إن الولايات المتحدة لا يمكنها السماح «تحت أى ظرف من الظروف» لإيران بأن تصبح دولة نووية‫.‬

• •

يمثل وصول ترامب للحكم لفترة حكم ثانية فرصة نادرة لإيران للتغلب على معضلة علاقاتها العدائية المتوترة مع واشنطن. وعقب انسحاب ترامب من الاتفاق النووى، عرض على إيران التفاوض من أجل التوصل لاتفاق جديد، وتعهد أنه سيكون اتفاق أفضل للطرفين من اتفاق أوباما. وأتذكر قول ترامب إنه قد يصل بالتفاوض إلى مدى لا يتخيله أحد، وربما يتم تطبيع العلاقات بين واشنطن وطهران دبلوماسيا بما يسمح بفتح سفارتين فى عاصمتى الدولتين‫.‬
وخلال متابعتى القريبة للشأن الأمريكى، لم يجرؤ أى سياسى أمريكى على مدار نصف القرن الأخير التطرق لفكرة عودة العلاقات الأمريكية الإيرانية. حتى الرئيس أوباما الذى توصل لاتفاق البرنامج النووى مع طهران، أبقى على أكثر من 70% من العقوبات المعقدة على إيران، وبالطبع لم يقترب من فكرة عودة العلاقات بين الدولتين. ومع ورود تقارير عن تواصل إيلون ماسك، صديق ترامب والملياردير المقرب منه، مع بعثة إيران بالأمم المتحدة، أنصح الجانب الإيرانى باستغلال فرصة وجود ترامب بالبيت الأبيض والتفكير خارج الصندوق لقلب صفحة العداء الأمريكى الإيرانى، والعمل على التوصل لصفقة جديدة وشاملة تتجنب أخطاء ومحدودية اتفاق أوباما‫.‬

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات