الفاشل هو الإنسان المنبطح.. الفاشل هو الذى يصنع المشكلة ويعجز عن حلها.. الفاشل هو الشخص الفاقد للنشاط والهمة.. هو الكسول الرخو بليد الحس.. هو الذى لا يعرف ويدعى المعرفة..
هو الذى يغطى جهله بالأكاذيب والمظهر البراق.. والذى لا يعرف كيف يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام.. شعاره بقاء الحال على ما هو عليه.. وهو دائما خائف ومرتعش، وإذا وجد نفسه متورطا فى إصدار قرار، فإنه يستشير الشيخ الذى يصلى خلفه والدجال الذى يحرق له البخور فهما عنده سواء.. ويسمع كلام السيدة حرمه أخذا بمبدأ الشورى وعملا بمنهج الطاعة..
الفاشل هو الذى يعشق الخصم ويكره الإضافة.. يؤمن بالنظرية المختلفة التى تقول.. «لا تعمل حتى لا تخطئ».. يجب أن تكون أوراقه بلا أخطاء ولا يعنيه أبدا أن يدون فيها نجاحات.. الفاشل بليد سميك العقل والجلد لا يؤثر فيه غليظ القول ولا حتى وخز الإبر..
والكارثة أن الفاشل يرى فى نفسه أنه أنجح الناس.. وله كل الحق فى ذلك الإحساس، وعليه أن يتباهى ويزهو بنفسه.. فهو فى مكانه سواء كان «كناسا» فى شارع أو وزيرا فى وزارة.. نقول لعامل النظافة: «الشارع عبارة عن مخزن قازورات».. فيرد عليك بكل هدوء وثبات «مش بإيدى يا بيه» الناس بتوسخ أكتر ما أنا بنضّف!!.. وتسأل الوزير «الحال مايل عندك ليه» فيكون رده مثل صفعة مخبر متمرس على الضرب على القفا.. مين غبى قال لك إن الحال مايل.. يشوف الأرقام وبعدين يتكلم!!.. ولا يكتفى بهذا.. وإنما يضيف.. والله الواحد زهق..
من هنا اتضح لنا أن الأرقام هى أقوى الأسلحة التى يحصل بها الفاشلون على انتصارات وهمية وكاذبة.. ورغم حالة الزهق.. فإنهم لا يرحلون أبدا.. فهم لم يزهقوا من المنصب ولكن زهقوا من هذا الشعب!!..
والمتأمل لأحوال البلد الذى نعيش فيه يدرك على الفور أن هذا البلد الأمين ما كان له أن يصل إلى هذه الفوضى وهذا التراجع المزرى والتخلف فى كل المجالات إلا فى وجود هذا القطيع من الفاشلين.. أقول: «القطيع» لأنهم فعلا كذلك.. فى داخلهم عشق الخراف والنعاج للتبعية، ولأن رأس الخروف صغيرة الحجم خفيفة الوزن بالنسبة لمؤخرة هذا الحيوان، فإن قوة الدفع إلى الأمام تكون صعبة بحكم الحمولة المتكدسة والتى تستدعى قوة خارقة لجرها.. لذا فهؤلاء الفاشلون يسيرون كما تسير الخراف بعد أن سمنت مؤخراتهم وتفلطحت.
أرصد كل الأزمات التى تشهدها البلاد.. وأقرأ فى الصحف مشكلة هنا.. ومصيبة هناك.. وأسأل نفسى من المسئول هنا وهناك؟.. وسرعان ما أراه على الشاشة متأنقا يردد كلمات بلهاء لا تقدم ولا تؤخر كان السيد المستشار الإعلامى لسيادته قد حشرها فى رأسه فأخذ صاحبنا يرددها كالببغاء..؟ والمستشار الإعلامى للسيد الوزير وللسيد رئيس مجلس الإدارة وللسيد المدير.. حتى عامل النظافة الفاشل الذى قام بتغيير المهنة من كناس إلى متسول، بعد أن أصبح التسول مهنة مشروعة ــ أى والله ــ فقد طلع علينا أحد المسئولين الكبار معلنا أن المتسول صاحب مهنة ولا يجب النظر إليه على أنه عاطل!! وربما لو صبرنا عليه قليلا فإنه سيقول وهذا تطبيقا وتنفيذا لبرنامج السيد الرئيس...!!
ما علينا، هذا العامل بعد أن زاد دخله من التسول مائة ضعف على الأقل لديه هو أيضا مستشار إعلامى.. يرشده على أفضل الطرق وأساليب الخداع.. وكذلك كبار المسئولين كل منهم فى حاجة إلى عقل محترف وماكر يختار له الكلمات التى ينطق بها والمبررات التى تخرجه من أزمته حتى صار المستشار هو المسئول.. أما المسئول نفسه فيكفيه حضور الاجتماعات.. وأقول إننا نتحدث عن قطيع الفاشلين.. أما غير الفاشلين فبردا وسلاما عليهم.
ولأن الاعتصامات تعصف بالبلاد فى كل المجالات.. دكاترة.. صيادلة.. عمال سكة حديد.. شئون اجتماعية.. وأيضا بتوع الميكروباس وعربات النقل الثقيل.. والمسألة كل يوم فى تزايد وكأنها عدوى سريعة الانتشار.. والمرافق العامة تتراجع وتتخلف.. ولا شىء يتقدم إلى الأمام خطوة واحدة.. والغلاء يشنق الناس بحبل من مسد.. والعشوائيات تحاصر المدن الكبرى وتزحف إلى داخلها وتفرض أسلوب حياتها على الجميع.. ونحن البلد الوحيد الذى تسن فيه القوانين ولا يقدر أحد على تنفيذها حتى صار القانون هو قانون الشارع وليس قانون الدولة.. حتى أصبحنا مضرب الأمثال الجالبة للحزن.
الغريب والمدهش حقا أن هؤلاء الفاشلين يفسدون جهد زملائهم الأفزاز «المشاديد» الذين يحققون الإنجازات فى ميادين أعمالهم.. وما هو أكثر من تدمير جهد المخلصين هو الكيد لهم والتآمر عليهم بالدس والوقيعة وكلها مواهب مشتعلة لدى الفاشلين.. مواهب تطيل فى أعمارهم وهم على الكراسى.. مواهب وإمكانات المحترفين من لاعبى الجولف فبضربة واحدة يستطيع الفاشل أن يقذف بأى منافس يسقط فى حفرة بعيدة.. القوة هنا قوة الشر المطلق.. والموهبة هنا هى هدية من الشيطان.. وعليه...
لماذا لا نجرب غيرهم ولو لمدة محدودة (مثل مدة الأوكازيون).. فإذا حصل المراد من رب العباد وتم صلاح الأحوال واستقرار الأمور وتسلل إلينا شىء ولو قليل من الرخاء لأدركنا أننا نسير فى طريق السلامة.. أما إذا استمر الحال كما هو عليه.. فإن الاعتذار لسادتنا الفاشلين أمر واجب.. وعلى مصر السلام.