كانت المرأة وما تزال، عنصراً أساسياً فى قراءة الفن والشعر ومختلف أشكال التعبير الإبداعى. وشكّلت أيضاً موضوعاً خلافياً بين مختلف الفلسفات الدينية من حيث التعامل معها وتحديد أو توسيع دورها فى المجتمع. ولم تحدث النهضة الحقيقية فى الدول التى عرفتها إلا من خلال تجاوز مسألة طال التوقف عندها لدى ثقافات تغلب عليها الأيديولوجيا الممتنعة عن التطور والإصلاح، وهى قضية تحرر المرأة. وسيكون من التكرار إيراد قائمة بأسماء النساء اللواتى أثّرن فى حيوات الأمم وفى نهضة العلم وفى تثمير الفكر وفى إنجاح مسارات التطور الفعلية.
بالمقابل، وفى إطار العصف الذهنى المصاحب للحَراك الثورى، مازال النقاش دائراً حول «شرعية» طرح مسألة تحرير المرأة السورية من الاضطهاد المزدوج المرتبط أولاً بانتمائها إلى مجتمع مضطهد بالمطلق، وثانياً، إلى فئة جنسية يحاربها عقلٌ ذكورى ساندته قرونٌ من «التأصيل» العقائدى عبر ثقافات أغلبها مروية، وأقلّها يعتمد نصّاً نأى بنفسه عن التأويل أو الاجتهاد منذ القرن الثانى عشر. أضيف إلى هذا الميراث، عقودٌ من التخلف «التقدمى» الذى أضاف، وعبر العقائدية المتحجّرة، طبقات من التخشب الفكرى على مختلف المجتمع السورى ودعم خصوصاً، على الرغم من إدعاء العكس، تجذير اضطهاد النساء فى مختلف أبعاد التكوين الوطنى.
•••
فى سوريا، الخاضعة شعباً وبنى تحتية إلى اعتداء موصوف ممن يدعى امتلاك حاضرها ومستقبلها، يبرز دور النساء فى مختلف أطر الحَراك الثورى السلمى، وفى البعدين الإغاثى والصحى فى أطر الحَراك الثورى المسلح. ويفضّل جزءٌ من المجتمع، تقديم الدور النسوى فى أطره «المحمودة» كسيدة المنزل التى تكتفى بتربية أطفالها على حب الوطن، وتدعم «مآربهم» التحررية عبر العواطف والدعوات، بعيداً عن أن تكون جزءاً من مسار تحقيقها. ويقوم جزءٌ ثانٍ، هو أقلوى بالتأكيد، بمساواة دورها مع دور الرجل فيما عدا الانخراط المباشر فى عملية حمل السلاح. تؤسس هاتين الرؤيتين لدور المرأة، أساساً لمستقبل مكانتها فى المجتمع السورى ما بعد الثورة. وذلك فى مرحلة إعادة الإعمار وترسيخ السلم الأهلى والمصالحة بين مكونات مجتمع انقسمت بين مؤيد لحالة الجمود السياسى والتقهقر الاقتصادى والفساد المجتمعى والتصحّر الثقافى، وبين معارض لاستمرار الاستبداد والقمع والتهميش والافقار، وبين متردد خائف من البديل ومن فقدان ما اكتسبه من انعدام الشعور على مدى عقود من هيمنة الاستقطاب المنفرد بحاضره وبمستقبله.
•••
إن انخراط النساء فى مختلف مفاصل الثورة السورية ومساهمتهن فى تعزيز مقومات نجاحها وصمودها، هو مبعثٌ للتفاؤل، خصوصاً من خلال متابعة الجيل الشاب من النساء اللواتى انعتقن من «مخلفّات» الأحزاب «العقائدية» ومن عقد أعاقت العمل العام زمناً طويلاً. بالمقابل، تنبئ الخطابات «الرجعية» لبعض مكونات الحَراك الثورى، بأن على النساء، إضافة إلى مساهمتهن فى صنع التغيير الجذرى، أن يقمن بثورة على المجتمع الذكورى المترسّخ فى السلطة وفى بعض من يقاومها.
نائب مدير مبادرة الإصلاح العربى