جمهورية مصر الشعبية - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:45 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جمهورية مصر الشعبية

نشر فى : الأحد 23 فبراير 2014 - 8:40 ص | آخر تحديث : الأحد 23 فبراير 2014 - 8:40 ص

ليس من قبيل المصادفة أن تكون الغالبية العظمى من الدول التى تحرص على أن يكون فى تسميتها الرسمية لفظا «ديمقراطية» أو «شعبية» أو كلاهما، من أكثر الدول عدم ديمقراطية أو انحيازا لشعبها فى معظم القياسات العلمية للديمقراطية والحرية فى العالم! فجمهوريات الصين الشعبية وكوريا الديمقراطية الشعبية ولاوس الشعبية الديمقراطية وتيمور الشرقية الديمقراطية ونيبال الشعبية الديمقراطية فى آسيا وجمهورية الجزائر الديمقراطية الشعبية والكونجو الديمقراطية، هى من الدول الأقل حظا فى الديمقراطية والحرية وفقا للمقاييس سالفة الذكر، والتى أصدرت بين عامى ٢٠١٠ و٢٠١٣! أما الدول الأكثر ديمقراطية وحرية فلم تحتج فى تسميتها الرسمية أى ألفاظ عن «الديمقراطية» أو «الشعبية»! فلا تجد مثل هذه الألقاب فى تسميات الولايات المتحدة أو فرنسا أو ألمانيا.. إلخ.

•••

ولعله من قبيل المفارقة مثلا أنه حين انفصلت الكوريتين، فإن احداهما اتخذت نعت «الديمقراطية الشعبية»، بينما اكتفت الأخرى بلقب «الجمهورية» وبينما كانت الأخيرة أكثر ديمقراطية، فإن الأولى لها سجل مخجل فى الحرية والديمقراطية وانتهاكات حقوق الانسان وهى ما نعرفها اختصارا بكوريا الشمالية. ونفس الأمر حدث فى أوروبا، فحينما انفصلت الألمانيتان، اتخذت ألمانيا الشرقية اسم «جمهورية ألمانيا الديمقراطية»، بينما اكتفت نظيرتها الغربية بـ «جمهورية ألمانيا الفيدرالية»، ولعلك فطنت للعبة الآن، فبكل تأكيد بينما كانت الأخيرة حرة وديمقراطية عن حق، فإن الأولى كانت أقل حظا فى الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. ولا يمكن طبعا أن نفوت الفرصة دون أن نتذكر «الجماهرية العربية الشعبية الاشتراكية العظمى» التى قادها الأخ العقيد معمر القذافى كواحدة من أسوأ الدول العربية رصيدا فى الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتى لم تحقق عبر عقود من حكم الأخ العقيد أيا من النعوت العدة فى تعريفها الرسمى الطويل.

•••

تذكرت كل هذه الأسماء والمفارقات وأنا أراجع مصير الديمقراطية فى مصر منذ الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسى فى موجة ثورية عارمة فى يونيو الماضى. ذلك أن المتابع بحياد وبموضوعية للديمقراطية فى المحروسة يكتشف أنها تحولت إلى حركة شعبوية شوفينية فاشية قائمة على تمجيد الفرد الحاكم لا المؤسسات، ومباركة القمع والسحل والتنكيل لا حكم القانون، وتحويل الاستفتاءات والاستحقاقات الشعبية الديمقراطية إلى زفات شعبية أشبه بالأفراح البلدية، وتحويل التظاهرات إلى تفويضات، وفى خلفية ذلك كله، يتم التضييق على حريات الرأى والتعبير وكسر إرادة المعارضين واستئناث نفر من المعارضين السابقين بدعوى الوطنية والمؤامرة والحرب على الإرهاب. ويمكن رصد عملية تحويل مسار الديمقراطية فى مصر إلى حركة شعبوية فاشية لا تحمل من الديمقراطية إلا اسمها عبر خمسة مؤشرات على النحو التالى:

أولا: على مستوى الخطاب السياسى كان هناك حرص ومنذ اليوم الأول لحركة الجيش فى ٣ يوليو على الترويج لعبارة أن «الشعب هو القائد الأعلى للقوات المسلحة» فى محاولة إلى الإيحاء أن الجيش لا يتصرف إلا بناء على إرادة الشعب، ورغم أنه من المستقر عليه فى الديمقراطيات أن «السيادة للشعب» فإن عدم وضع خطوات دستورية ومؤسسية لتحويل هذه الإرادة إلى ترجمة ملموسة على أرض الواقع، وترديد عبارة «القائد الأعلى للقوات» هو من سبيل تفريغ هذه السيادة من مضمونها وتحويلها إلى ممارسة شعبوية لا «شعبية» عشوائية لا مؤسسية عكس ما هو متعارف عليه فى الديمقراطيات المستقرة من أن رئيس السلطة التنفيذية أو رأس الدولة هو القائد الأعلى للجيش. كذلك فقد حرص نفر من مدعى الديمقراطية ترديد عبارة «الشعب يأمر السيسى الترشح» أو «بأمر الشعب» للإيحاء أن ترشيح المشير هو أمر شعبى لا يمكن رفضه!

ثانيا: على مستوى الحراك الجماهيرى، فقد تم تحويله إلى حراك «شعبوى» عبر التضيق على الحراك المعارض عبر قوانين التظاهرات المميزة ضد والضاغطة والمقيضة على مساحات الرفض والمرحبة بشدة بتظاهرات التأييد والتفويض، فقد تم وصف الأخيرة بالوطنية ووصم الأولى بالعمالة، السماح للأخيرة بالحركة دون إذن مسبق ووضع العراقيل الإدارية والأمنية أمام الثانية، وهكذا فالحراك الشعوبى المؤيد والمبارك هو فقط الوطنى وما عداه هو من قبيل التآمر وفى أفضل الأحوال تعطيل عجلة الانتاج وخارطة المستقبل.

ثالثا: على مستوى العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فقد تم اخراجها من الإطار المؤسسى القانونى إلى الإطار الأبوى الرعوى الذكورى، فعدنا إلى الحديث عن البطل المغوار المخلص، عدنا للحديث عن الأب والأخ الكبير، عدنا للحديث عن نور العيون وأفئدة القلب التى وجدت أخيرا من يحنو عليها، عدنا للحديث عن السيدات والفتيات الهائمات عشقا فى حب القائد والمفتونات بوسامته ورجولته، وهى كلها علاقات بدائية لا حديثة، قائمة على الشخصنة وتمجيد بل وتأليه القائد لا تقويضه عبر مجموعة من القواعد القانونية والمؤسسية، فضلا على استخدام العاطفة واللعب على وتر المشكلات الاجتماعية والاقتصادية للمصريين والمصريات وإحالتها لعلاقة عاطفية مصطنعة ومتوهمة بين قائد ورعية، لا بين حاكم مسئول أمام شعب ذى سيادة.

رابعا: على مستوى الفاعلين السياسيين، فقد تم تجريف وتأميم الحياة السياسية التعددية فى المحروسة عبر ثلاث خطوات، الأولى التخلص من فصيل الإخوان واستغلال خطايا وانتهازية وسذاجة قادته لتصفيته وأتباعه كاملا، ثم عبر خطوة ثانية من الضغوط والابتزازات لكل التيارات السياسية من أجل الانضمام إلى «الصف الوطنى»، ثم عبر خطوة ثالثة، عبر سيطرة نفر قليل على وسائل الإعلام للحديث باسم الشعب والادعاء أن الأخير لا يؤمن بالعمل الحزبى (بما فيه حتى أولئك الذين انضموا إلى الصف الوطنى)، وانه فى انتظار استعادة الدولة وقائدها، وهو ما من شأنه قتل أى أمل فى ممارسة سياسة تعددية مؤسسية تحت دعوى أن هذا هو «أمر الشعب» وأن المعارضين إنما هم نفر من المتآمرين والخارجين عن صف الإجماع الوطنى.

خامسا: على مستوى الاستحقاقات الانتخابية، فقد تحولت عن عمد من مساحة للناخب فى ممارسة حقه الدستورى فى التعبير عن رأيه السياسى للاختيار من بين متعدد، إلى زفة شعبوية وطنية لإرسال رسائل للداخل والخارج والاختيار بين الدولة والفوضى، فرقص من رقص، واحتفل من احتفل وتم استيفاء الشكل الديمقراطى دون المضمون، فتمت إجراءات الزفة الشعبية دون تطبيق حقيقى لمبدأ سيادة الشعب كأحد المبادئ الجوهرية فى الديمقراطيات المستقرة.

جرى كل ذلك للأسف على خلفية «الحرب على الإرهاب» كورقة ضغط وابتزاز للمعارضين، وفى ظل جو حرب واستقطاب وتشويه خلقه الإعلام وباركه نفر من النخبة والمثقفين، ولا نعلم ما الذى يمنع أن نحارب الإرهاب بالقانون؟ ما الذى يعوقنا عن ممارسة الديمقراطية الحقيقة التعددية بالتوازى مع مواجهة من خرج ليقتل الناس أو يروعهم؟

•••

إن المؤشرات الخمسة الأخيرة هى جرس إنذار أن مصر على طريق كل الدول التى تدعى الديمقراطية والشعبوية كغطاء لديكتاتوريتها وقمعها وعدم احترامها للحقوق والحريات. لا نريد مصر الشعبية الديمقراطية التى يتم الإيحاء فيها للشعب أنه متخذ القرار، بينما هو فى الواقع مفعول به بواسطة نخب وشبكات سياسية اختطفته ذهنيا لصالح تحقيق مآربها وتسديد فواتيرها، بل لا نريد سوى جمهورية مصرية ذات سيادة، لا تمارس سيادتها إلا من خلال آليات دستورية وقانونية ومؤسسية لتترجم إرادة الشعب فى شكل خيارات سياسية وتدابير للمحاسبة السياسية وهو ما ينعكس فى النهاية على الممارسة وبالتالى على الثقافة السياسية للمصريين بشكل يجعلها أكثر ديمقراطية وتعددية، وهذا هو الفارق بين من يؤمن بسيادة الشعب ويريد بالفعل ترجمتها فى شكل إجراءات عملية ومؤسسية للإجابة عن تساؤل الجنرال الراحل «ديمقراطية ولكن متى؟» بأن هذا هو وقتها، وبين من يريد اختطاف وتأميم وعى وإرادة الشعب للإيحاء له بأن وقت الديمقراطية فى مصر لم يأت بعد وربما للأبد.

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر